يطلق المصريون على الممثّلين الذين يؤدّون الأدوار الثانية والثالثة خلف أبطال الفيلم السينمائي أو المسلسل التلفزيوني اسم “السنّيد”. هو ليس ببطل للعمل الفنّي، ولا ينتمي إلى الكومبارس، بل في منزلة بين المنزلتين. تحوّل السُّنّة في لبنان إلى ما يُشبه السنّيد في المعادلة الوطنية وفقاً للتعريف المصري.
ثلاثة نماذج
ثلاثة تطوّرات حصلت في الآونة الأخيرة تؤكّد مدى هشاشة الحضور السياسي السنّيّ:
– الواقعة الأولى كانت قضية التوقيت التي وضعت السُّنّة بين مطرقة المسيحيّين وسندان الشيعة، فظهر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بمظهر “الباشكاتب” الذي ينفّذ أوامر رئيس مجلس النوّاب، فحوّله ذلك إلى هدف لحملة مسيحية هائلة بدا فيها مربكاً وضعيف الحيلة.
– الثانية تمثّلت بقرار ترحيل الانتخابات البلدية والاختيارية، الذي تشير التسريبات والمعلومات إلى أنّ الكتل النيابيّة جميعها مؤيّدة له. بيد أنّ السُّنّة وحدهم من أُريد لهم لعب الأدوار السيّئة، سواء كان ذلك من خلال تحميل رئيس الحكومة ووزير الداخلية مسؤولية عدم إجراء الانتخابات، أو من خلال دفع النوّاب السُّنّة إلى التقدّم باقتراح قانون لتأجيلها لمدّة سنة. وعُهد بالأمر إلى تكتّل الاعتدال الوطني، الذي دفع الحرج عن نوّابه السُّنّة برميها على عاتق النائب سجيع عطيّة، وإنْ كان دخول رئيس لجنة الدفاع والداخلية والبلديات النائب جهاد الصمد على خطّ الأزمة، وتبنّيه الاقتراح، خفّفا قليلاً من الحرج. فالصمد الذي يُعرف بمواقفه الصريحة، سواء اتّفقنا معه أم لم نتّفق، كان موقفه واضحاً منذ البداية باستحالة إجراء الانتخابات. وما قاله داخل أروقة البرلمان، هو نفسه ما صرّح به على منابر الإعلام. وفي المحصّلة، فإنّ نائبان سنّيان هما مَن حمل وزر الاقتراح نائبان، في حين تهرّبت باقي الكتل والقوى السياسية من حمل كرة النار لأسباب شعبوية محضة.
زار الوزير القطري رؤساء الأحزاب المسيحية الثلاثة. واجتمع برئيس كتلة الوفاء للمقاومة، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. أمّا لقاؤه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقد كان بروتوكولياً فقط
– الواقعة الثالثة حصلت في أثناء زيارة الموفد القطري وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي لبيروت ليوم واحد، وما تزال آثارها تتفاعل حتى الساعة. وإذا كان الاهتمام الإعلامي انصبّ على موقف السعودية وقطر من ترشيح رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، فإنّ ذلك لم يحجب أنّ الزيارة أثبتت أنّ السُّنّة هم على هامش المعادلة السياسية.
المرجعيّة السنّيّة الجديدة
لقد زار الوزير القطري رؤساء الأحزاب المسيحية الثلاثة. واجتمع برئيس كتلة الوفاء للمقاومة، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. أمّا لقاؤه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقد كان بروتوكولياً فقط، نظراً لمحدودية تأثير الأخير في مجريات الاستحقاق الرئاسي. ولا يمكن وضع اجتماعه برئيس البرلمان في هذه الخانة. فالرئيس برّي يُعدّ من أهمّ اللاعبين المؤثّرين في الساحة السياسية، ورقماً يصعب تجاوزه.
اللافت أنّ الوزير القطري التقى النائب السابق طلال أرسلان، وهو الذي ليس لديه أيّ تمثيل في البرلمان الحالي، في حين أنّه لم يجتمع بأيّ نائب سنّيّ. وعوضاً عن ذلك زار مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان، تأكيداً للدور الجديد لدار الفتوى المتمثّل في كونها مرجعيّة سياسية سنّيّة تحظى بإجماع وتوقير كلّ الأطياف. فالحال أنّ مفتي الجمهورية ومفتي المناطق، ولا سيّما بعد انتخابات الإفتاء الأخيرة التي منحتهم شرعية سياسية واجتماعية ضخمة، صاروا يمثّلون المرجعيّة الوطنية ذات الخطاب الهادئ والعقلاني والوحدوي الذي يسمو فوق الفئويّات، ويؤدّون أدواراً يعجز السياسيّون والنوّاب السُّنّة عن القيام بها. وخير دليل على ذلك الجهد الهائل الذي بذله مفتي عكّار زيد بكّار زكريا في قضية خطف واغتيال الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، لكشف ملابسات الجريمة واستيعاب تداعياتها، وسحب فتيل الفتنة المذهبيّة التي كانت تلوح في الأفق، وسط دعم مطلق من مفتي الجمهورية.
يقول نائب من تكتّل الاعتدال الوطني إنّ “زيارة الوزير القطري أتت بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية. وليس تكتّل الاعتدال خارج العباءة السعودية في تموضعه الاستراتيجي، فأينما تكن المملكة يكن الخير كلّه
مع ذلك، كانت ثلاثة أطراف غائبة عن جدول زيارات الوزير القطري، ثمّ اجتمع اثنان منها به فيما بعد:
– الأوّل رئيس المردة سليمان فرنجيّة.
– الثاني بعض نوّاب التغيير الذين كسروا الحُرُم الذي وضعوه بأنفسهم لحظة انتخابهم على الاجتماع بالسفراء العرب لمناقشة الأمور السياسية الداخلية. وقد قاموا بزيارة السفارة القطرية، واجتمعوا بالوزير القطري محمد عبد العزيز الخليفي عبر تقنيّة “Zoom” بهدف إبداء رأيهم في الاستحقاق الرئاسي.
التموضع وضعف التأثير
لم يبقَ سوى الطرف الثالث مُغيّباً، وهم النوّاب السُّنّة. فالنائب إبراهيم منيمنة الذي كان في عداد “وفد السفارة” كما زميلته حليمة قعقور يرفضان تصنيفهما كنائبين سنّيَّين.
جملة تساؤلات تحيط بهذا الغياب السنّيّ الفاقع: هل هو بسبب انعدام تأثيرهم السياسي؟ أم لوضوح خياراتهم وتموضعهم في شأن الاستحقاق الرئاسي؟ أم لتفرّقهم وتباعدهم بما يجعل الاجتماع معهم غير ذي جدوى؟ ولماذا أهمل تكتّل الاعتدال ذا الصبغة السنّيّة، والذي يتجاوز عدد أعضائه 11؟
يقول نائب من تكتّل الاعتدال الوطني إنّ “زيارة الوزير القطري أتت بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية. وليس تكتّل الاعتدال خارج العباءة السعودية في تموضعه الاستراتيجي، فأينما تكن المملكة يكن الخير كلّه”.
يُذكر في هذا الإطار أنّ “التكتّل سبق أن أعلن شرطين يجب توافرهما لدى المرشّح كي يحوز أصوات أعضائه: واحد داخلي، وهو الميثاقية الوطنية التي لا تتوافر إلا بنصاب الثلثين. والثاني خارجي، وهو عدم انتخاب رئيس لا يحظى بتأييد العرب، وعلى رأسهم السعودية، وإلّا فسنمدّد للأزمة الاقتصادية لستّ سنوات جديدة”. من هذا المنطلق فإنّ “لقاء تكتّل الاعتدال مع الوزير الخليفي وعدمه سيّان”.
إقرأ أيضاً: المحكمة العسكريّة: التخصّص بمعاقبة السُّنّة
أمّا عن عدم لقاء الوزير القطري بالنوّاب السُّنّة الآخرين فيقول النائب نفسه إنّ “هذا مردّه إلى تفرّقهم، ومعرفة المملكة المسبقة لخيارات هؤلاء النوّاب، ومن هو معها ومن حسم أمره بالتصويت لسليمان فرنجية”، غامزاً بذلك من قناة النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد. ولا تفوته دعوة جميع القوى السياسية إلى “الاتّعاظ والتعلّم من الاتفاق السعودي – الإيراني الذي سيغيّر شكل المنطقة، والذي أكّد صوابية خيار تكتّل الاعتدال الذي يشدّد على ضرورة الحوار وتطبيق الاعتدال قولاً وفعلاً والبعد عن التطرّف والاصطفافات التي لن تفيد البلد شيئاً”.