يأتي هذا المقال ردًّا على مقالة أيمن جزّيني “جبران يعود إلى الضاحية حاملاً الكأس:” سأنتخب فرنجيّة” في أساس ميديا نهار الإثنين في 7 آب 2023.
يتقدّم الصديق أيمن جزّيني في مقاله المنشور في أساس ميديا بقراءة تتجاوز فكرة الرأي وتقف عند حريّة المتلقّي، فمن مقدّمة المقال التي لم تأتِ على أنّها خبريّة تحمّلنا التنقيب عن خفايا الحدث أو الأحداث التي رافقت حركة رئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل “التكويعيّة” إزاء الضاحية، ولا أتت من منطلق تحليلي يظهر بصمة الكاتب على حساب الحدث، بل بدأت بجملة بديهيّة ينتظرها المتلقّي اللبناني ” ماتت السياسة في لبنان ” والحقّ أنّ السياسة في لبنان لم تمتْ بقدر ما هي تميت من حولها، لا سيّما الزعماء الذين يتعاطونها ، فحركة رئيس التيار مثلا ومنحى سلوكه السياسي الذي يرتفع إلى ذروة اليمينيّة وسرعان ما ينخفض مع أوّل تسوية أو ضمانة من الحليف قبل الخصم…تؤكّد أن باسيل لا يهمّه كأيّ زعيم رأي جماعته بقدر ما يهمّه انسجام حاضره مع نفسه، وفي المقلب الآخر الأمر ينسحب بنفس الوتيرة على رجالات الضاحية، فالسير بفرنجيّة يعدّ حنجلة وليس رقصًا متقنًا، واذا ما تابعنا خطابات نصرالله المتعرّجة وخطابات نوّابه سنصل إلى نفس النتيجة، بين صيغة الايعازيّة ” تعالوا لنتحاور المضمرة بفرض الطروحات ” وصيغة مرشحنا الوحيد هو الوزير السابق سليمان فرنجيّة نجد أن الجماعة لا كلمة لها ولا تملك حقًّا نقديًّا سوى بهزّ الرأس إيجابًا، وبالتالي فموت السياسة اللبنانيّة ينسحب على المتعاطين بها وليس عليها كمفهوم…
الردّ هنا يقسم إلى قسمين تحليلي استنباطي ونقدي مبني على نقطتين الأولى انتفاء موت السياسة اللبنانيّة كما اعتقد الكاتب أمّا الثانية فتتعلّق بافتقاد المقالة لألوان فكريّة وأدبيّة ونفسيّة
وفي فلك المقال، يمكننا أن نلاحظ انطلاقًا من التقسيم الشكلي الحديث لمقالات الرأي على شكل مقاطع، أنّ جزيني لم يغرق نفسه بالمصادر اللهم إلّا مصدر واحد نشرته اساس عن اللامركزيّة وتصريح للنائب عطالله لصحيفة لوريان لوجور حول امكانيّة اقتراع فرنجيّة اذا توصّل البرتقاليّون لاتفاق مع حارة حريك…وهي دعوة للمتلقّي ليفكّر وينقد بقدر ما هو الآن ينتظر رأي أو معلومة متينة تحدث كوّة في الجدار، دار أيمن جزّيني في الفراغ القاتم في لبنان فأعاد ترتيب الفريقين ومواضعهما، من طرف برغماتيّ يهوى التسويات وهو التيّار الوطني الحرّ وطرف بإصبع قائده يحلّل أو يحرّم التفاوض وهو حزب الله…هذا الترتيب كاد أن يدخل الكاتب في نفق المفاهيم الاجتماعيّة المستنزفة كحبّ الوطن والموطنيّة إلخ…خصوصًا حين ذكر بغية التوكيد أنّ الطرفين يتفاوضان لتحقيق مكاسبهما وليس مكاسب الجماعة أو المجموع اللبناني ككلّ، وكأنّنا أمام بيت فتح الكاتب بابه وتركنا كقرّاء نكمل فرشه، وهنا بيت قصيد المقال، ففي علم الاجتماع السياسي يبقى على قوى التغيير المنظّمة أن تراقب سلوك الجماعات السياسيّة، وتفاعل الجماعة الشعبيّة معها إن صحّت التسميتين، لتحدّد إمّا أن يكون التغيير جذريًّا عبر الثورة أو طبيعيًّا عبر الإصلاح مثلاً دون الحصر…والكاتب لامس هذه الفكرة دون أن يغوص فيها أكثر والا كان عليه أن يجعل مقاله ثنائي من جزأين، فالتيار الوطني الحرّ يمعن في تغييب وعي جمهوره ، ويربط غرائزه الجماهيريّة بموقع اللقلوق في المعادلة السياسيّة، آية على ذلك وهن أغلب مناصري التيّار في التعبير عن أنفسهم سياسيًّا ووضعهم بشكل جماعي وواعي من قبل الشعب اللبناني موضع سخرية، ولا يختلف كثيرًا المشهد في الضاحية، فهالة العباءة الدينيّة تسكت ملكات العقل، والتصريحات المتتالية والخطابات الشعبيّة شبه اليوميّة المتعانقة لنوّاب كتلة الوفاء للمقاومة ومسؤولي الحزب الأصفر تأتي كأنّها دروس تعطى مجانًا لتناسي متطلبات الحياة أو تذكّرها ربطًا بغاية سياسيّة “حملة التحريض الشعبي على رياض سلامة والقاضي طارق البيطار نموذجان”…
هذا ما يمكن استخراجه من مقال الصديق أيمن جزّيني، والردّ هنا يقسم إلى قسمين تحليلي استنباطي ونقدي مبني على نقطتين الأولى انتفاء موت السياسة اللبنانيّة كما اعتقد الكاتب ونترك له الردّ وحقّ تفسير المركب الخبري المستهل به المقال أمّا الثانية فتتعلّق بافتقاد المقالة لألوان فكريّة وأدبيّة ونفسيّة اجتماعيّة مباشرة ليست غريبة أو بعيدة عمن حلّل حركة قلوب المثقفين في مقالة سابقة في أساس ميديا أيضًا…
إقرأ أيضاً: جبران يعود إلى الضاحية حاملاً الكأس: سأنتخب فرنجيّة
قد نكون جماعات ميّتة في لبنان لا قرار لها وفقًا لما يحاول بشكل غير مباشر المقال التلويح له عبر اتخاذه ثنائيّة سياسيّة مغرمة ببعضها غرام الأفاعي، لكنّ المقال نفسه يدعو هذه الجماعة إلى الردّ او الرّد على الردّ والتصوير علّنا نقلب المعادلة فإمّا نثور على سلوكيّات أحزابنا أو نمحوها…
*كاتب وناقد لبناني