وجّه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دعوة لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى زيارة إيران. في الدعوة علامة إيرانية للوصل والتعاون مع دولة خليجية جارة لطالما ردّد الخطاب الإيراني رغبة في تطوير علاقات طهران معها ومع بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي.
قد تكون الدعوة متكاملة مع سياق انتعاش العلاقات الإيرانية مع دول الخليج، ومتّسقة مع تطوّر علاقات طهران وأبوظبي لجهة تبادل الزيارات بين وزراء الخارجية وتبادل السفراء بين البلدين منذ أن قام مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد في كانون الأول 2021 بزيارة طهران، رافعاً من مستوى التواصل السياسي بين البلدين.
غير أنّ للدعوة الرئاسية هذه الأيام معانيَ مختلفة في لغة العلاقات بين الدول. تزامنت الدعوة مع مناورات عسكرية أطلقتها القوات البحريّة للحرس الثوري الإيراني في جزيرة أبو موسى التي تطالب الإمارات بالسيادة عليها، وهي واحدة من جزر ثلاث استولت عليها إيران في 30 تشرين الثاني 1971. ومن الصعب، وفق ذلك، اعتبار توقيت الدعوة صدفة، لا بل إنّ في توجيه الدعوة على وقع هذه المناورات ما يتطابق تماماً مع “إيران ستايل” في التعاطي مع العالم عامّة، ومع دول الجوار خاصّة.
موقف خليجيّ موحّد
موقف الإمارات من قضيّة جزرها المحتلّة هو موقف كلّ دول الخليج والمجموعة العربية التي تكرّر في كلّ بياناتها الرسمية، وخصوصاً على مستوى القمم، لازمة المطالبة بانسحاب إيران منها والاعتراف بالسيادة الإماراتية عليها. تؤيّد دول العالم وجهة نظر الإمارات، أو على الأقلّ لا تعترف بموقف إيران من الجزر. يعبّر عن ذلك موقف روسيا أيضاً في 10 تموز الماضي في البيان الصادر عن الاجتماع الروسي الخليجي.
تحرص إيران على إعطاء انطباع للعالم، لا سيما لواشنطن وحلفائها، بأنّها دولة طبيعية تملك علاقات “عاديّة” مع دول العالم أجمع
دعا البيان المشترك الجانبين إلى إيجاد حلّ من خلال “مفاوضات ثنائية أو عبر محكمة العدل الدولية، بحسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”. أغضب البيان طهران التي استدعت سفير موسكو لديها احتجاجاً. ولِمَن لم يفهم رسالة المناورات في أبو موسى فقد تبرّعت جريدة قريبة من الحزب بالتوضيح أنّها تأتي “كردّ فعل من جانب إيران على البيان الختامي للاجتماع المشترك الأخير لروسيا والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي”.
مع ذلك لا شيء يمنع من قيام علاقات طبيعية بين الإمارات وإيران حتى في ظلّ النزاع حول جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. فنزاع اليابان مع روسيا بشأن جزر الكوريل (غزاها الاتحاد السوفيتي عام 1945 قبل وقت قليل من انتهاء الحرب العالمية الثانية) التي تطالب بها طوكيو، لم يمنع من قيام علاقات دبلوماسية واقتصادية بين البلدين. لكنّ طهران تفرض شروط العلاقة التي تريد إملاءها من حيث إنّه لا عجالة أمنيّة طارئة تدفع إيران لاختيار جزيرة أبو موسى بالذات لإجراء مناوراتها العسكرية، وخصوصاً إذا ما كان رئيس الجمهورية الإسلامية بصدد توجيه دعوة لنظيره الإماراتي إلى زيارة إيران.
تسلّم وزير الدولة الإماراتي خليفة شاهين المرر، الأربعاء الماضي، كتاب الدعوة الموجّهة إلى رئيس دولة الإمارات. لكنّها ليست الدعوة الأولى، فقد سبق لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن حمل دعوة مماثلة حين زار أبوظبي والتقى رئيس الإمارات في حزيران الماضي. والواضح أنّ أبوظبي انتهجت سبيل التعامل والتواصل وتطوير العلاقات مع إيران وهي مدركة تماماً طبيعة النظام في إيران وعجزه عن مغادرة سلوك كذلك الذي مارسه في مناوراته في جزيرة تكرّر أبوظبي المطالبة باستردادها بصفتها أراضي إماراتية يحقّ لها السيادة عليها.
الدعوة الإيرانيّة واتّفاق بكين
تأتي الدعوة الإيرانية الجديدة للشيخ محمد بن زايد بعد أشهر على خطوة كبرى في علاقات طهران مع المنطقة إثر إبرام اتفاق سعودي إيراني في بكين برعاية الصين في 10 آذار الماضي. لكنّ الدعوة تأتي أيضاً، إضافة إلى تزامنها مع المناورات الإيرانية في أبو موسى، على خلفيّة توتّر بشأن حقل الدرّة بين طهران من جهة والكويت والرياض من جهة أخرى، وإعلان السفير الإيراني لدى الرياض، علي رضا عنايتي، أنّ “السعودية أرجأت إعادة فتح سفارتها في طهران”. وعلى هذا قد تصعب قراءة الدعوة الرئاسية لتطوير علاقات ثنائية من دون الأخذ بعين الاعتبار حال العلاقات عامّة مع كلّ دول الخليج.
تعيش المنطقة في علاقاتها مع إيران مرحلة انتقالية حذرة تهدف إلى تبريد أشكال الصدام من دون حلّ ملفّات الخلاف، وتحرص طهران وعواصم الخليج على استخدام لغة دبلوماسية تتجنّب لهجة التناتش وتدعو إلى الحوار والتعاون، لكنّ إيران تبدو ذاهبة للبناء على “الأمر الواقع” الذي أنجزته في بلدان المنطقة من أجل إقامة علاقات “طبيعية” تُقبل في ثناياها وقائع التمدّد الإيراني ليس صوب جزر الإمارات فقط، بل باتجاه اليمن والعراق وسوريا ولبنان أيضاً.
الواضح أنّ طبيعة نظام الوليّ الفقيه ذي الجذور الثورية العقائدية هي عائق أمام انتهاج إيران السياسات المألوفة التي تنتهجها بقيّة دول العالم لنسج علاقاتها الخارجية، وخصوصاً مع الدول المجاورة. ومن الملاحظ أنّ إيران تشعر بضعفها في كلّ مرّة يزعم فيها دبلوماسيّوها العمل على الودّ والتعاون والوصل على نحو يجعلها تشعر بضرورة إقران خطاب حُسن الجوار بتهديدات تطال حقلاً نفطياً كويتياً سعودياً أو توجيه العسكر ليمارسوا تمارين فوق جزيرة إماراتية.
تحرص إيران على إعطاء انطباع للعالم، لا سيما لواشنطن وحلفائها، بأنّها دولة طبيعية تملك علاقات “عاديّة” مع دول العالم أجمع. تتوق أكثر إلى لقاءات على مستوى القمّة مع زعماء المنطقة، وخصوصاً الخليجيين منهم، بما يشرّع لطهران أبواب المنطقة. وتحاول طهران تحقيق اختراقات موضعية خليجية لعجزها عن إنجاح مقاربة شاملة مع دول مجلس التعاون ككتلة واحدة.
إقرأ أيضاً: مزيد من العدوانيّة الإيرانيّة
في نيسان الماضي أعلن عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، يعقوب رضا زاده، أنّ الرئيس إبراهيم رئيسي “سيلتقي رئيس الإمارات، محمد بن زايد، قريباً”. عوّلت طهران على زيارة قام بها لأبو ظبي في آذار الماضي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك، علي شمخاني. لاحقاً قيل إنّ لإبعاد شمخاني علاقة بما أُنجز في بكين مع الرياض حين رأس وفد بلاده، فغاب الرجل الذي أُنيطت به مهمّة الانفتاح على الخليج عن الصفّ القيادي في بلاده. لم يحصل لقاء الرئيسين الإيراني والإماراتي، وقد يكون من المثير مراقبة إمكان حصوله إثر دعوة تزامنت مع عرض عضلات للحرس الثوري في المياه التي تطلّ عليها كلّ دول الخليج.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@