“ذو محيّا لطيف ومبتسم وقامة طويلة وشعر رماديّ مصفّف “بالجيلاتين”.. يتحدّث اللغة العبرية بطلاقة، ويرتدي بذلات أنيقة ويفضّل ساعات الرولكس الفخمة. في شباط 2022 اقتحم غرفة اجتماعات محصّنة تقع في المقرّ الشاهق لوزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب، وهي المكتب الخاصّ بالجيش الإسرائيلي، فاستقبله كبار ضبّاط الجيش وقيادة جهاز المخابرات السرّية الشاباك.. يجوب العالم وهو يحثّ على التعاون مع “إسرائيل” وليس التصادم معها، ولا يُخْفِي رغبته في خلافة محمود عباس، بل يتصرّف وكأنّه أصبح رئيساً بالفعل”.
إنّه حسين شحادة محمد الشيخ، وهو سياسي فلسطيني من حركة فتح، وحالياً رئيس الهيئة العامّة للشؤون المدنية الفلسطينية برتبة وزير. يعرف أنّه الشخصية الأكثر نفوذاً في السلطة الفلسطينية، والأكثر صلة بقيادة دولة الاحتلال، وهو رجل يصفه ضابط مخابرات إسرائيلي كبير بأنّه “رجلنا في رام الله”، ويُنظر إليه على أنّه الوسيط الرئيسي للسلطة الفلسطينية مع إسرائيل والشخصيّة الأبرز التي تحظى بدعم أميركي إسرائيلي لخلافة رئيس السلطة محمود عباس البالغ من العمر 87 سنة، وذلك على الرغم من عدم اكتسابه شعبية واسعة لدى الفلسطينيين.
يصفه مسؤولون إسرائيليون على اتصال دائم به بـ”الشريك الموثوق” به لحمل الرسائل إلى عبّاس ولمهامّ أخرى. لكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، يلعب الشيخ على الشروط التي تفضّلها إسرائيل
مسيرة صعوده “العبرية”
في مقال مشترك في مجلّة “فورين بوليسي” يروي الكاتبان آدم راسغون وآرون بوكسرمان مسيرة صعود حسين الشيخ التي تعكس في رأيهما مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية وصولاً إلى مأزقها وانقساماتها الحالية. كان في السابعة من عمره عندما احتلّت إسرائيل الضفّة الغربية سنة 1967. في سنة 1978 حُكم عليه بالسجن 11 سنة بعدما انضمّ إلى خليّة مقاومة تشنّ هجمات ضدّ إسرائيليين. في رتابة السجن اندفع لتثقيف نفسه عن إسرائيل، فكان يقضي ساعات يومياً في قراءة الكتب والصحف باللغة العبرية ويتدرّب من خلال التحدّث مع الحرّاس، وفي النهاية أصبح يتحدّث العبرية بطلاقة، بل ودرّس في وقت لاحق اللغة العبرية لسجناء آخرين.
بعد إبرام اتفاقيات أوسلو، أمضى الشيخ بضع سنوات يبحث عن مكانه في النظام الجديد من التقارب بين إسرائيل والفلسطينيين. أمضى فترات في جهاز استخبارات مهمّته ملاحقة المعارضين للسلطة وهو برتبة عقيد، وانتهى به الأمر إلى كونه ناشطاً ثانوياً في كوادر حركة فتح. مكّنته إجادته اللغة العبرية من بناء علاقات وثيقة مع المسؤولين الإسرائيليين، فتولّى عندما كان ضابطاً في قوى الأمن بين سنتَيْ 1994 و1997، مهامّ الترجمة بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في اجتماعات مشتركة. ارتقى ببطء في هرم السلطة. وبحسب شالوم بن حنان، الضابط البارز السابق في جهاز الشاباك، كان “حسين يتزعّم حركة فتح وقام بكلّ أنواع القذارة، لكنّه لم يكن مقاتلاً أو قائداً على الأرض”.
خدم في قوات الأمن الفلسطينية الناشئة، قبل أن يصبح سنة 2007 رئيس الهيئة العامّة للشؤون المدنية التي تتولّى مهامّ العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك التصاريح الإسرائيلية التي تسمح للفلسطينيين بتفادي القيود المفروضة على تنقّلهم.
بحلول سنة 2017، أصبح الشيخ حارس عبّاس يجلس بجانبه في رحلاته، ويدوّن ملاحظاته في دفتر صغير عمّا يقوله له، ثمّ يكرّرها لاحقاً في اجتماعات مع شخصيات أجنبية. بل أصبح مقرّباً أيضاً من أفراد عائلة عبّاس. قال محلّلون فلسطينيون إنّ عبّاس مكّن الشيخ من الصعود لأنّه يفضّل المستشارين غير القادرين على تحدّي سلطته. وقال ناصر القدوة، العضو السابق في قيادة فتح: “لدى الشيخ قدرة خاصة على التملّق، والكذب، والإذعان، والهراء، ودائماً ما يعمل على إقناع أبي مازن بأنّه إله، ويقول: “كلامك رائع، سيّدي الرئيس”، لكن إذا غيَّر أبو مازن موقفه غداً، سينتهي الشيخ”.
الالتزام بالتفاوض مع إسرائيل
بغضّ النظر عن العلاقات الشخصية، يشترك عبّاس والشيخ في الالتزام بحلّ تفاوضيّ مع “إسرائيل” والتشكيك في خصومهم من “حماس”. وفي اجتماع عقده سنة 2017 مع مسؤولين أميركيّين، ذكر مسؤول بارز في إدارة بايدن أنّ الشيخ حذّر من أنّ المضيّ قدماً في اتفاق مصالحة بين “فتح” و”حماس” سينتهي بتحليق صواريخ الجماعة الإسلامية فوق رأسه. قال الشيخ لمجلّة “فورين بوليسي”: “أنا مؤمن تماماً بخطة أبي مازن ونهجه. إنّه يثق بي. وأنا ممتنّ لهذه الثقة”.
ما دامت سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على الأمل في حلّ الدولتين في مواجهة سنوات من الجمود، فستحتاج واشنطن إلى أشخاص مثل الشيخ
الشيخ البالغ من العمر 62 سنة لا يُخفي رغبته في خلافة عباس، وهو ما يثير حفيظة المعارضين الذين يتّهمونه بالتصرّف وكأنّه أصبح رئيساً بالفعل. فقد عزّز وجوده على المنصّات الإلكترونية ونصّب نفسه الوجه العامّ للسلطة الفلسطينية، وهو يجوب شوارع رام الله في سيارة مرسيدس بنز محاطة بقوات أمنية كبيرة. لكنّ هناك قلّة يقولون إنّه يمكن اعتباره قائداً شرعيّاً. قال تامر هايمان، الذي قاد المخابرات العسكرية الإسرائيلية حتى سنة 2021: “إنّه (الشيخ) يمثّل بالنسبة لفئات كبيرة من الشعب الفلسطيني كلّ الصفات السلبية التي تتّسم بها السلطة الفلسطينية: فهو بمنأى عن الشعب، وفاسد، ومرتبط بإسرائيل”.
تُصوّر مسيرته، التي بدأها ناشطاً في الشارع يرتدي سترة جلديّة ثمّ تحوّل إلى مسؤول مكروه، الفجوة المتزايدة الاتّساع بين الحكومة الفلسطينية وشعبها الذي لم يعد يؤمن بأنّ قادته سيتمكّنون من تحريره من قبضة الاحتلال، فضلاً عن بناء دولة ديمقراطية. يعمل الشيخ بشكل وثيق مع الأجهزة الإسرائيلية لمنع الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين، ويتفاوض مع المسؤولين الإسرائيليين لتحديث البنية التحتية الفلسطينية القديمة، ويقول إنّ “كلّ هذه الجهود ضرورية للحفاظ على أمل بعيد المنال في أن يتمكّن الفلسطينيون يوماً ما من الحصول على الحرّية”.
“شريك موثوق لإسرائيل”
يصفه مسؤولون إسرائيليون على اتصال دائم به بـ”الشريك الموثوق” به لحمل الرسائل إلى عبّاس ولمهامّ أخرى. لكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، يلعب الشيخ على الشروط التي تفضّلها إسرائيل، وهي بمنزلة تنازلات إضافية تعمل على تحسين الحياة اليومية، لكنّها لا تقرّب الفلسطينيين من الاستقلال.
علاقته الوثيقة مع عبّاس، إلى جانب استعداده لتقديم تنازلات، جعلتا منه منذ فترة طويلة الشخص المفضّل للدبلوماسيين. وبحسب مسؤول من الإدارة الأميركية: “عندما تتوتّر الأمور كثيراً، يكون الشيخ نقطة الاتصال لتهدئة الوضع”.
ما دامت سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى الحفاظ على الأمل في حلّ الدولتين في مواجهة سنوات من الجمود، فستحتاج واشنطن إلى أشخاص مثل الشيخ. قال المسؤول: “إنّه يحاول إبقاء هذا البرج المنهار بأكمله قائماً. إنّه يفهم حدودنا وحدود الإسرائيليين”.
إقرأ أيضاً: السعوديّة تجمع 30 دولة: قمة سلام أوكرانيّة – روسيّة
لكنّ السؤال المطروح: ما مدى فهمه للحدود الفلسطينية؟ وأيّاً كان من سيتولّى مقاليد السلطة بعد رئيس في الثمانين من عمره، فإنّ أحد الأمور المؤكّدة هو أنّه سيقود سلطة فلسطينية شديدة الإشكالية. قالت حنان عشراوي، وهي مسؤولة فلسطينية كبيرة سابقة، إنّ “الرئيس المقبل سيرث الوضع الذي تواصل فيه إسرائيل قتل الناس وهدم المنازل وتوسيع المستوطنات وضمّ الأراضي، وسيتعامل مع إرث حكومة استخدمت سلطتها المحدودة لقمع شعبها وارتكاب الظلم ضدّه”.
يُقرّ الشيخ بأنّ العديد من الفلسطينيين توقّفوا عن الاعتقاد بأنّ حكومته ستحرّرهم من الاحتلال الإسرائيلي، وليس من الواضح ما إذا كان يعتقد أنّ ذلك يجب أن يؤدّي به إلى تغيير المسار: “لقد فقد الناس الأمل بالطبع. لكنّني كمسؤول وقائد لا يمكنني ذلك”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا