انتهى اجتماع الأمناء العامّين للفصائل والأحزاب الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية، بإعلان الرئيس محمود عباس تشكيل لجنة للمتابعة من دون بيان يتضمّن ما تمّ الاتفاق عليه، وهذا عكس المرّات السابقة التي كان آخرها لقاء الجزائر. وعلى عكس المرّات السابقة أيضاً، لم تقُم القاهرة بدور الراعي الرسمي للّقاء، كما كانت تفعل على مدار سنوات في اجتماعات المصالحة بين حركتَي فتح وحماس التي كانت تُعقد في مقرّ المخابرات المصرية، بل اكتفت بدور المضيف.
شكّل وجود الرئيس محمود عبّاس، للمرّة الأولى منذ وقوع الانقسام، على رأس اجتماع أمناء الفصائل في العلمين، تطوّراً لافتاً، على الرغم من غياب “الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية”، بعدما فشلت جميع المحاولات والوساطات لإقناع حركة الجهاد الإسلامي بحضور الاجتماع، إذ وضعت قيادتها شرطاً لحضور الاجتماع هو الإفراج عن معتقليها لدى أجهزة السلطة في رام الله، بينما تقول رام الله إنّ هؤلاء لم يتمّ اعتقالهم على خلفيّة سياسية، وإنّما لديهم ملفّات جنائية. وهذا يعني أنّ إيران رفضت المشاركة في الاجتماع، وبالتالي فإنّ مشاركة “حماس” تبقى “رمزية”، وهذا بدا واضحاً في النتائج التي تشبه كلّ شيء إلا النتائج.
انتهى اجتماع الأمناء العامّين للفصائل والأحزاب الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية، بإعلان الرئيس محمود عباس تشكيل لجنة للمتابعة من دون بيان يتضمّن ما تمّ الاتفاق عليه
لم يتوقّع الشارع الفلسطيني هذه المرّة حدوث اختراق جدّي في ملفّ إنهاء الانقسام، بعد جولات وصولات من الحوار واللقاءات بين الفصائل، لأنّه في الأصل لم يكن الانقسام الفلسطيني عاديّاً، إذ وقع تحت الاحتلال، فبات يمثّل كارثة للمشروع الوطني الذي كلّف آلاف الشهداء سقطوا في حروب الأخوة، فيما إسرائيل تتفرّج سعيدة. وهو تظهير حقيقي لأزمة حكم الفلسطيني لنفسه تحت الاحتلال. والحقيقة أنّ الجانب الإسرائيلي الذي فكّر في أن يعطي الفلسطينيين حكماً قبل الاستقلال، كان على درجة كبيرة من الدهاء.
نجومية محمود عباس
كان الرئيس الفلسطيني نجم الحدث من أوّله إلى آخره، فقد جدّد شرعيّته أمام الشعب الفلسطيني، وحتى أمام الفصائل المعارضة له وأمام حركة حماس. وهو الذي بادر إلى الدعوة إلى الاجتماع عقب غزوة جنين، وحدّد الوقت والمكان والمدعوّين ومدّة الاجتماع، وهو الذي افتتح اللقاء واختتمه.
كان الرئيس الفلسطيني حاسماً في حديثه عن وحدة التمثيل الفلسطيني، تحت مظلّة منظمة التحرير الفلسطينية. وشدّد على أنّ المقاومة السلميّة هي الطريقة الوحيدة المفيدة في التعامل مع حكومة الاحتلال المتطرّفة في تل أبيب، لأنّ العمليات العسكرية تخدم حكومة المتطرّفين، وتعطيها ذريعة للاستمرار في العدوان على الفلسطينيين، وأنّ “اختيارنا لهذا الأسلوب من الكفاح الوطني ليس اختياراً عشوائياً، بل هو خيار يستند إلى معطيات وتجارب تاريخية”، وليس سرّاً أنّ اليمين الصهيوني يسعى إلى احتكاك عسكري عنيف في الضفة لتكثيف الاستيطان وضمّ الضفّة الغربية.
في ما يتعلّق بالحديث عن إعطاء الرئيس الفلسطيني الضوء الأخضر لتشكيل حكومة تكنوقراط في اجتماع العلمين، تحدّث الناطق باسم حركة فتح منذر الحايك لـ”أساس” وكشف أنّ الأولويّة الآن هي الاتفاق على برنامج سياسي موحّد بين الفصائل الفلسطينية، وليس تأليف حكومة جديدة، مكرّراً ما قاله الرئيس محمود عباس في اجتماع العلمين من أنّ “منظمة التحرير هي الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ويجب الالتزام بها وببرنامجها السياسي وبجميع التزاماتها الدولية”.
أهميّة الشكل… تواضع المضمون
من جهته، قال عضو المجلس المركزي لنقابة الصحافيين عاهد فروانة لـ”أساس” عن مدى نجاح لقاء العلمين: “من حيث الشكل والتوقيت، اجتماع العلمين مهمّ للغاية، لكنّه متواضع من حيث المضمون وما تحقّق على الأرض، فما زالت الفجوة كبيرة بين برنامجَيْ حركة فتح وحركة حماس، وفي ملفّ دخول حركتَي حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير. ولن يوافق الرئيس أبو مازن على مشاركة حركتَي حماس والجهاد في منظمة التحرير من دون موافقتهما على قرارات الشرعية الدولية والتزامات المنظمة، ولن يستبدل حكومةً معترفاً بها بأخرى يقاطعها العالم”.
كان الرئيس الفلسطيني نجم الحدث من أوّله إلى آخره، فقد جدّد شرعيّته أمام الشعب الفلسطيني، وحتى أمام الفصائل المعارضة له وأمام حركة حماس
أما رئيس مركز مسارات البحثي الدكتور هاني المصري فلاحظ أنّ “لوحظ أنّ “الرئيس كان مبادراً حادّاً، وعرض موقفه بوضوح وحزم من دون استعداد للمساومة منذ لحظة إطلاق الدعوة لاجتماع الأمناء العامّين، مروراً بالخطاب الذي ألقاه في مخيّم جنين، وصولاً إلى لقاء العلمين. وإذا أردنا التعرّف إلى السبب فعلينا أن نرى ماذا قال عباس لإسماعيل هنية ووفد حركة حماس في تركيا قبل اجتماع العلمين بأيام عدّة. لقد قال: “لن نسمح بالطخطخة ولا بالمسلّحين في الضفة الغربية الذين يُراد من وراء عملياتهم زعزعة السلطة والانقلاب عليها، ولن نرضى بأن تَعْقِدَ “حماس” تفاهمات مع الاحتلال تؤدّي إلى هدوء في قطاع غزّة وتصعيد في الضفّة، فإمّا تصعيد هنا وهناك، أو، وهذا هو المطلوب، تهدئة في الضفة والقطاع”.
شماتة بيريز من قبره
على وقع هذا الانقسام المتجدّد والمستمرّ، ما زال الفلسطيني يعيش مآسي الانقسام، بعدما لاطمت الأمواج السياسية العاتية والمخطّطات الصهيونية والتدخّلات الإقليمية وعقليّة القبائل وهوس السلطة القارب الفلسطيني المصنوع يدويّاً فثقبت كلّ جوانبه وأغرقته في أشدّ المياه ملوحة، وهو الانقسام ومركّباته التي وصلت ذروتها عام 2007. نتذكّر هنا ما قاله شمعون بيريز يوماً ما، في مقابلة صحافية لمناسبة الذكرى السبعين لقيام إسرائيل: “أهمّ ثلاثة أحداث مررتُ بها كسياسي مخضرم كانت قيام دولة إسرائيل، والانتصار الساحق في حرب حزيران 1967، والانقسام الفلسطيني بعد انقلاب حركة حماس”.
لقد تعرّض جزء كبير من الشعب لرشوة الحكم والمال، سواء في غزّة أو الضفة الغربية، من خلال الوظائف المدنية أو العسكرية والرتب والرواتب، هنا أو هناك. وهذا الجزء هو حارس المعبد الذي يحافظ على الانقسام ليحافظ على ما تحقّق له من مكاسب اقتصادية ومالية واجتماعية. ففي الحسابات الشخصية تحسّنت أحوال الكثير من أفراد الشعب المؤيّدين للفصيلين المتصارعين حركة حماس وحركة فتح. هؤلاء كانوا الكتلة الأكثر تنظيماً وقوّة وامتلاكاً للإمكانات، لذلك ومن هذا المنطلق يمكن تفسير فشل أيّ حراك مدني في الفترة الأخيرة.
في المقابل، كشّر المشروع الاستعماري في الضفّة الغربية المحتلّة عن أنيابه بشكل هستيري، مدعوماً بتعزيز مواقع الصهيونية الدينية، الناظمة والممثّلة لهذا المشروع، والتيار السياسي الذي يرتكز بقوة على إسناد حكومة نتانياهو المتطرّفة وحزب الليكود. وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية حالياً هو مأسسة دولة المستوطنين في الضفّة، وترسيخ تطويق الفلسطينيين في معازل جغرافية.
إقرأ أيضاً: أبعد من عين الحلوة: ضرب فتح… القرار الفلسطيني المستقلّ
لنا هنا أن نسأل مع الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله، عما إذا كانت المصالحة ممكنة من دون عودة غزّة لغلاف السلطة. باعتبار أنّ السلطة ليست أفراداً: “فقد كان الرئيس عرفات والآن الرئيس أبو مازن وبعده سيأتي آخر، لكنّ السلطة هي تلك الاتفاقيات، فهل قرّرت حركة حماس التراجع عن برنامجها لصالح برنامج السلطة والاتفاقات الدولية، حتى نرفع سقف التفاؤل، وخصوصاً أنّ برنامج “حماس” مضادّ لبرنامج السلطة التي أعادت بعد أحداث 2007 ترتيب الضفة الغربية بما ينسجم مع هويّتها؟…”… وهذا مستبعد.