نادراً ما يكمل النائب في الكويت ولايته الكاملة، لأنّ مجالس الأمّة المفترض أن تستمرّ أربع سنوات لا تكمل مدّتها الدستورية إلا في حالات قليلة.
اشتهرت الكويت في العقدين الأخيرين بالصراع السياسي المرير الذي أدّى إلى حلّ مجالس تشريعية وإبطال أخرى، لدرجة أنّ النائب يُنتخب في اليوم الأوّل ويكون مستعدّاً ليعود مواطناً عاديّاً في اليوم الثاني.
الجديد الذي يمكن اعتباره “مفصلاً” مهمّاً، هو سقوط إحدى الأدوات التي يتمّ من خلالها إسقاط المجلس، وبالتالي يمكن القول إنّ السلطة التشريعية في الكويت أضافت ورقة قوّة جديدة إلى أوراقها.
بعد كلّ انتخابات، تُقدَّم طعون بعضها يتعلّق بإعادة فرز وتجميع الأصوات، وبعضها الآخر يتعلّق بإبطال العملية الانتخابية برمّتها بسبب أخطاء إجرائية
حالتان للسقوط
يسقط مجلس الأمّة في حالتين: الأولى بيد الأمير، والثانية بيد القضاء. الأولى يستمدّها الأمير من نصّ الدستور الذي يعطيه حقّ حلّ مجلس الأمّة، والدعوة إلى انتخابات جديدة، في حال استفحال الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. والثانية تتعلّق بالمحكمة الدستورية التي تختصّ بالنظر في الطعون الانتخابية، وفي الطعون الخاصّة بالمراسيم التي تصدر من السلطة التنفيذية.
بكلام أوضح، عندما يحلّ الأمير المجلس، يكون ذلك بموجب مراسيم يصدرها بناء على اقتراح السلطة التنفيذية، أي الحكومة، وتحديداً رئيسها، فيما تختصّ المحكمة الدستورية بالنظر في صحّة هذه المراسيم، التي يفترض أن تُراعي قواعد قانونية مُعيّنة، سواء لجهة الشكل أو المضمون.
حصل في مرّات عديدة، خلال العقدين الأخيرين، أن قرّرت المحكمة إبطال المجلس بسبب أخطاء إجرائية في تلك المراسيم. وفي هذه الحالة، تصبح الانتخابات كأنّها لم تكن، والفارق بين المجلس المُنحلّ والمجلس المُبطَل أنّ الأوّل قائم بشرعيّته ومُحتسَب ضمن المجالس، والقوانين التي أصدرها نافذة، فيما الثاني لا وجود قانونياً له ولا يُحتسب أصلاً من ضمن المجالس التشريعية للدولة، وحتى لا يعدّ أعضاؤه نوّاباً سابقين، على الرغم من أنّ القوانين التي أصدرها تبقى نافذة، لصحّتها قانونياً وقت صدورها.
ما كان وما أصبح الآن
بعد كلّ انتخابات، تُقدَّم طعون بعضها يتعلّق بإعادة فرز وتجميع الأصوات، وبعضها الآخر يتعلّق بإبطال العملية الانتخابية برمّتها بسبب أخطاء إجرائية.
من الآن فصاعداً، لم يعد ذلك ممكناً لأنّ مجلس الأمّة أقرّ تعديلات جوهرية على قانون إنشاء المحكمة الدستورية، بحيث قام بتنظيم صلاحيّاتها وقدرتها على بتّ الطعون.
بموجب التعديلات الجديدة، تنظر المحكمة بالطعون المتعلّقة بالمراسيم قبل إجراء الانتخابات وليس بعدها، وهذا يعني أنّ ما يسمّى “إبطال” مجلس الأمّة انتهى لأنّ المحكمة إن قضت بوجود أخطاء إجرائية يتمّ تصحيحها قبل الاقتراع، وبالتالي لا يحقّ لها النظر بذلك بعد الانتخابات.
يعني ذلك عمليّاً إنهاء ما كان يتردّد همساً عن أنّه في حال جاءت نتائج الانتخابات “على غير هوى” الحكومة وسيطر المعارضون على البرلمان، تقوم بـ”دفش” السلطة القضائية لإسقاط المجلس من بوّابة بطلان الإجراءات.
اشتهرت الكويت في العقدين الأخيرين بالصراع السياسي المرير الذي أدّى إلى حلّ مجالس تشريعية وإبطال أخرى، لدرجة أنّ النائب يُنتخب في اليوم الأوّل ويكون مستعدّاً ليعود مواطناً عاديّاً في اليوم الثاني
حكومة النواف – الفهد
إذا كان “أزليّاً” مطلب النواب تقليص صلاحيّات المحكمة الدستورية خصوصاً، والسلطة القضائية عموماً، فإنّ تحقيقه لم يكن يسيراً حتى الأمس القريب.
لكن ما يجري الآن هو أنّ “محدلة” حكومية – نيابية تسير بخطى متسارعة وتقوم بإقرار القوانين واحداً تلو الآخر، على قاعدة التعاون وبناء الثقة. فالحكومة التي يرأسها الشيخ أحمد النواف باتت أشدّ عوداً من الحكومات السابقة مع وجود الشيخ أحمد الفهد وزيراً للدفاع فيها، لدرجة أنّ البعض يسمّيها حكومة النواف – الفهد.
يبدو من مجريات الأسابيع القليلة الماضية أنّ الفهد منح الحكومة غطاء لا يُستهان به، فالبعض يُقدّر عدد النواب الموالين له أو المقرّبين منه برقم يراوح بين 18 و23، علماً أنّ باقي النواب الـ50 الذين يتكوّن منهم مجلس الأمّة ليسوا جميعاً بالضرورة خصوماً له، وهو ما ظهر جليّاً في نيل قانون تعديلات المحكمة الدستورية موافقة كلّ أعضاء الحكومة وكلّ أعضاء المجلس باستثناء نائب واحد.
يبدو أنّ نظرية عمل الحكومة تقوم على قاعدة إعطاء النواب قوانين وملفّات كانوا يطالبون بها منذ سنوات، وهي أساسية للإصلاح السياسي أوّلاً، والحالة المعيشية للمواطن ثانياً، ولتحسين صورتهم أمام ناخبيهم ثالثاً، بحيث يلبسون “ثوب الإنجاز” الذي يضمن لكثيرين منهم البقاء على مقاعد النواب لفترة أطول.
في المقابل، يعطي النواب الحكومة الهدوء المطلوب للتحرّك في برنامج عملها، ويمتنعون عن استخدام أداتهم الأمضى في وضع العصيّ بالدواليب، وهي “الاستجواب”، الذي يؤدّي إلى توتير الأجواء وتحويل مجلس الأمّة إلى “سوق عكاظ”.
ماذا سيجري مستقبلاً؟
لكن هل يعني ذلك أنّ كلّ شيء مضبوط، وأنّ الإيقاع مضمون النتائج، وأنّ كلّ الخيوط بيد الفهد “دينامو” الحكومة بالتعاون مع النواب المقرّبين منه؟
من الصعوبة الإجابة على هذا السؤال في هذه المرحلة، فهناك ما يشبه الاستراحة لمدّة نحو شهرين مع قرب دخول مجلس الأمّة إجازته الصيفية.
إقرأ أيضاً: الكويت لإيران: 4 لاءات في ملفّ “الدُرّة”
بعدئذٍ يعود الطرفان إلى “رقصة التانغو”، وسط توقّعات بإجراء تعديل وزاري مع خروج بعض الأسماء “غير المرضيّ عنها” والتي تُغضب النواب بعدم توقيع المعاملات، أو تحوم حولها علامات استفهام في بعض الملفّات.
لكنّ هذا الهدوء الحذر الذي يسود منذ الانتخابات الأخيرة التي جرت في 6 حزيران الماضي، لا يمكن البناء عليه لتحديد مسار مدّته 4 سنوات، فالتعاون الحكومي – النيابي القائم منذ أسابيع فرضته أجواء احتقان وظروف وتقاطعات ظرفية، لكنّ استمراره يحتاج إلى أكثر من وصلة “تانغو” واحدة… ربّما يحتاج إلى دورات تدريبية مكثّفة على الرقص في وضعيّات وأوقات مختلفة.