إسرائيل: حسم الصراع الفلسطينيّ وتجسيد دولة المستوطنين

مدة القراءة 6 د


حقّق اليمين المتطرّف الحاكم أولى غاياته بعد إقرار قانون “الحدّ من المعقوليّة”، لأنّ ذلك أولى خطواته نحو بسط سيطرته على مراكز القوّة في الدولة، التي سوف يستكملها لاحقاً بإقرار حزمة القوانين والتشريعات ذات الصلة بإضعاف القضاء، بما يشمل التشريعات والقوانين التي سيعمل على إصدارها، وإضعاف محكمة العدل العليا الإسرائيلية وتقويض دورها، والأهمّ إنقاذ المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقة القضائية على غرار رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الذي تطارده 3 ملفّات قضائية.

لقاء المصالح المشتركة
التقت المصالح الشخصية لبنيامين نتانياهو، الذي يرغب في الحفاظ على مستقبله السياسي والابتعاد عن السجن وتنحية الملفّات القضائية التي تطارده، مع المصالح الأيديولوجية التي تمثّلها أحزاب الصهيونية الدينية ممثّلةً ببن غفير وسموتريتش اللذين يحظيان بدعم وتأييد مرتفع في أوساط المستوطنين المتديّنين.
إذا كانت الصهيونية الدينية قد منحت نتانياهو ما يريده في الحفاظ على موقعه السياسي، ومثال على ذلك مصادقة الهيئة العامّة للكنيست بشكل نهائي في 23 تموز على مشروع “قانون أساس: الحكومة”، الذي يمنع عزل رئيس حكومة من منصبه، وإعلان تعذّره عن القيام بمهامّه، وهو القانون الذي يحصّن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يحاكَم بتهم فساد وخيانة الأمانة، وإمكانية إعادة درعي إلى الحكومة، إلا أنّها تسعى إلى جني أكبر فائدة لها ولجمهور ناخبيها من المستوطنين.
لن يكون الفلسطينيون بعيدين عمّا سيؤول إليه الصراع السياسي داخل إسرائيل بين اليمين المتطرّف الذي يتمثّل في الائتلاف الحاكم، وبين المعارضة، إذ إنّهم سيدفعون ثمناً ما كيفما كانت محصّلة الصراع بعد مصادقة الكنيست مساء 24 تموز على قانون “الحدّ من المعقوليّة”.
لا يتعلّق الصراع الإسرائيلي الداخلي بالفلسطينيين، أو بشكل العلاقة معهم، بل بشكل النظام السياسي والقضائي الذي يريده كلّ فريق، والمفارقة أنّ الطرفين يتّفقان على أن لا دولة للفلسطينيين بين البحر والنهر ولا حقوق سياسية لهم أو اقتصادية، وإن اختلفوا في طريقة التعبير عن ذلك، لكنّهم يتّفقون في نتيجة رؤيتهم لمستقبل الفلسطينيين والصراع برمّته.

يدرك الفلسطينيون تداعيات الانقسام الحاصل في إسرائيل، ولذلك هم ينظرون له بعين الراحة ويأملون أن يتفاقم، فهو يساهم بشكل أو بآخر في الإضرار بدولة الاحتلال

تنفيذ خطّة سموتريتش
العنوان العريض لأهداف الصهيونية الدينية هو حسم الصراع الفلسطيني بشكل نهائي، عبر تنفيذ خطة بتسلئيل سموتريتش على الأرض واعتمادها برنامج عمل للحكومة، من دون الحاجة إلى مواجهة أيّ معارضة حكومية، أو تدخّلات من القضاء والمحكمة العليا.
تهدف خطّة سموتريتش إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمّته عبر خيارات محدّدة، عنوانها الرئيسي منع إقامة دولة فلسطينية بين البحر والنهر، وهو ما يعني إمّا قبول الفلسطينيين العيش ضمن دولة يهودية واحدة بحقوق منقوصة، أو الهجرة إلى خارج فلسطين من دون العودة، أو القتل لمن لا يقبل بالخيارين السابقين، وهذا سيتمّ من خلال تطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفّة الغربية، وإطلاق العنان للاستيطان في كلّ مكان، والوصول إلى توطين مليون مستوطن في الضفّة.
سيطغى على المشهد الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة سنُّ سيلٍ من القوانين اليمينيّة، سواء تلك المتعلّقة باستكمال خطة إضعاف القضاء التي تتضمّن 8 مشاريع قوانين تنوي الحكومة طرحها، أو تلك المتعلّقة بالفلسطينيين والاستيطان والموازنات المالية، فيما سيتضمّن الجزء الآخر من المشهد استمرار الاحتجاجات والتظاهرات، وما قد يرافقها من تداعيات مثل إضرابات قطاعية مهمّة قد تؤدّي إلى شلل الدولة، ومنها على سبيل المثال إضراب “الهستدروت”، وتزايد حركة رفض الخدمة في جيش الاحتلال، سواء في قوات الاحتياط أو الجيش النظامي، وهو ما يعني تضرّر المنظومة الأمنيّة برمّتها، وتضرّر الاقتصاد، وسيكون الهاجس الأكبر اندلاع حرب أهليّة.
يدرك الساسة الإسرائيليون أنّ هاجس الحرب الأهلية بات حقيقياً، ومن هذا المنطلق جاء تحذير رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت من أنّ إسرائيل تتّجه إلى حرب أهلية حقيقية، مع تزايد الصدامات بين مؤيّدي الإصلاحات القضائية ومعارضيها، وارتفاع وتيرة العنف الذي تمارسه شرطة الاحتلال في قمع المتظاهرين، بأوامر من قادة الشرطة الذين قد يرغبون في حفظ مناصبهم ومواقعهم عبر إرضاء ايتمار بن غفير الذي يحرّض ضدّ المتظاهرين ويطالب بقمعهم بشكل قويّ.

يدرك الساسة الإسرائيليون أنّ هاجس الحرب الأهلية بات حقيقياً، ومن هذا المنطلق جاء تحذير رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت من أنّ إسرائيل تتّجه إلى حرب أهلية حقيقية

يبدو أنّ هاجس اندلاع حرب أهلية وتضرّر الوضع الأمني يسيطر على المستوطنين. فقد أظهر استطلاع القناة 13 العبرية أنّ ما يقارب ثلث الإسرائيليين يفكّرون في مغادرة إسرائيل، ويخشى 54% من المشاركين في الاستطلاع من تضرّر الوضع الأمنيّ??، وعبّر 56% عن خشيتهم من اندلاع حرب أهليّة.

آمال فلسطينيّة بتفاقم الصراع
يدرك الفلسطينيون تداعيات الانقسام الحاصل في إسرائيل، ولذلك هم ينظرون له بعين الراحة ويأملون أن يتفاقم، فهو يساهم بشكل أو بآخر في الإضرار بدولة الاحتلال وتهشيم قوّتها ومؤسّساتها، لكنّه يضعهم أيضاً أمام اختبار مقبل صعب يتمثّل في كيفية مواجهة خطط اليمين في الضفة الغربية وإفشالها.
تتّجه حكومة اليمين المتطرّف إلى حسم الصراع السياسي مع الفلسطينيين، وهذا سيعني قتل ما بقي من أمل لدى بعض الفلسطينيين بإنجاز حلول سياسية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى مربّعها الأول، والتخلّي عن وهم التسوية السياسية التي أثبتت فشلها، لكن هذه المرّة بمعطيات وحقائق على الأرض أكثر خطورة ممّا كان في أيّ وقت منذ 75 عاماً، إذ إنّ إسرائيل دشّنت خلال السنوات الماضية أساسات دولة المستوطنين في الضفة الغربية، وما تنوي حكومة اليمين تمريره من قوانين سيساعدها على حسم الصراع وتتويج تلك الدولة عن طريق توسيع البناء الاستيطاني وضمّ ومصادرة الأراضي، وإطلاق يد الجيش والمستوطنين في شنّ الهجمات على الفلسطينيين، وصولاً إلى تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة بشكل عامّ، والقدس بشكل خاصّ.

إقرأ أيضاً: انقلاب عسكريّ: إسرائيل تتّشح بالسواد؟

غزّة مسؤولية مصيرية..
إنّ ما تخطّط له إسرائيل وتعمل عليه واضح جداً، وهو منع إقامة دولة فلسطينية من خلال عزل قطاع غزّة والإبقاء على حصاره وتهويد القدس بشكل كامل وفرض رؤيتها على المسجد الأقصى وضمّ الضفّة الغربية، لكنّ ما هو غير واضح هو غياب خطّة عمل فلسطينية وحتى عربية لمواجهة ذلك، خاصة أنّ تداعيات ما تخطّط إسرائيل للقيام به لن تبقى محصورة في الضفة الغربية، فعزل قطاع غزّة يعني إلقاء مسؤوليّته على جمهورية مصر مستقبلاً، وتهويد القدس والمسجد الأقصى يعني المساس بالوصاية الأردنية عليهما والعودة لنغمة الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، وضمّ الضفة يعني قتل إقامة دولة فلسطينية ودفع الفلسطينيين إلى خيارات تراوح بين الهجرة والتشرّد ونكبة جديدة والموت.

 

* كاتب فلسطينيّ

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…