هل تستكشف سفينة الحفر تسوية رئاسيّة؟

مدة القراءة 6 د


ليس دخول لبنان المحتمل إلى نادي الدول المنتجة للنفط والغاز تطوّراً لبنانياً محلّياً وحسب، إذ ينقل وضع لبنان على خرائط الطاقة ملفّ البلد من مرتبة الانتظار في الردهات الدولية الخلفيّة إلى مرتبة الدفع به إلى غرف العمليّات. فإذا ما أكّدت أعمال التنقيب والاستكشاف في البلوك رقم 9 وجود احتياطيات وازنة قابلة للتصدير، فإنّ الأزمة التي يعيشها البلد تصبح غير مقبولة وتتطلّب تدخّلاً خارجياً ما يزال حتى الآن دون المستوى المطلوب.

تقنيّاً، يخبرنا وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أنّ معرفة نتائج الحفر والتنقيب تحتاج إلى شهرين أو 3 أشهر. كانت سفينة التنقيب “Transocean Barents” قد وصلت في 16 آب الماضي وسط أنباء عن “تفاؤل” شركة Total Energie الفرنسية بوجود كمّيات تجارية قد تكون واعدة. أمّا لماذا هذه المراوحة في المُدد التي تحدث عنها فياض، فذلك لأنه يُفترض أن تبلغ أعمال الحفر الإجمالية عمق 2,764 متراً تقريباً دون مستوى قاع البحر، أو 4,440 متراً دون متوسّط مستوى سطح البحر. ومن المتوقّع أن تستغرق أعمال الحفر حوالي 67 يوماً. وقد يتبع هذه الأعمال حفرٌ تقويميّ لبئر تبعاً لنتائج الحفر الاستكشافي الأوّل لبئر، وتستغرق مدّته ما بين 60 إلى 90 يوماً.

ليس دخول لبنان المحتمل إلى نادي الدول المنتجة للنفط والغاز تطوّراً لبنانياً محلّياً وحسب، إذ ينقل وضع لبنان على خرائط الطاقة ملفّ البلد من مرتبة الانتظار في الردهات الدولية الخلفيّة إلى مرتبة الدفع به إلى غرف العمليّات

ماذا عن السياسة؟

سياسياً، وفي حال كانت النتائج إيجابية تلاقي تفاؤل الشركة الفرنسية، يجب على لبنان أن يدفع بتشريعات وبقرارات استراتيجية تتعلّق بالجانب التشغيلي للحقل وبالصندوق السيادي الذي سيدير مداخيله وبالبنى التحتية الواجب إنشاؤها لإعداد البلد لمرحلة الإنتاج والتوزيع والتسويق والتصدير إذا ما كانت الكمّيات تسمح بذلك.

في باريس، ووفق تقارير Total Energie، تتمّ إعادة رسم الحراك الدبلوماسي الفرنسي تجاه لبنان وترتيب مواعيد زيارات موفدها جان إيف لودريان أو من قد يخلفه في هذه المهمّة لاحقاً لبيروت. ويعوّل الفرنسيون على التفصيل الطاقويّ الذي صار واقعاً داخل “ملفّ” لبنان للدفع بتحديثات على مواقف الدول الخمس (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، قطر، فرنسا) التي تشاورت فيما بينها في اجتماع الدوحة أخيراً وفي باريس قبل ذلك.

لا يغيب ضجيج سفينة الحفر عن مسامع فرقاء الصراع في لبنان. يعوّل الحزب وحلفاؤه على روائح غاز قد تخرج من حقل قانا ليستسلم العالم، وخاصة أصحاب القرار في شأن لبنان، لمرشّحهم للرئاسة سليمان فرنجية وما يعنيه ذلك من تشكّل لسلطة تنفيذية قادرة على ملاقاة أسواق الطاقة في المنطقة والعالم. يستثمر الحزب أيضاً في تحقّق تحسّن نوعي في علاقات إيران والسعودية، وهما دولتان أساسيّتان في سوق الطاقة، لتمرير حلّ يرضي الأسواق قد يقطف فرنجية احتمالاته (زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان بعد زيارته الأخيرة للسعودية ليست بعيدة عن هذا الاستثمار). ولن يغيب عن بال اللبنانيين تخوّفهم من تقاسم حصص النفط بين ساسة البلد وفق صفقة تتلقّفها عواصم الطاقة وتنتج تسوياته السياسية.

في المقابل، يشكّل الجديد الطاقوي عاملاً إضافياً لتمسّك المعارضة بمشهدها الشامل الذي ينقل البلد إلى “مرحلة ما بعد الحزب”، والذي يتطلّب تطوّر الهياكل الحاكمة وتجاوزها لتلك المعهودة التي حكمت منذ اتفاق الطائف. ومع ذلك فإن شمولية المعارضة نسبية يربكها التعدّد الذي يتيح انقسامها وتغيّر اصطفافاتها إذا ما فرضت مخزونات البلوك رقم 9 البحري حقائق تفرض واقعاً جديداً على اليابسة.

تقف دون ترسيم الحدود البرّية نقاط خلافيّة يمكن حلّها، لكن ما يردع هذا الترسيم ملفّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا

8 سنوات طويلة

في التقديرات أنّ لبنان يحتاج إلى فترة تمتدّ إلى حوالي 8 سنوات قبل أن يتمكّن بأوضاعه وقدراته الراهنة من تصدير فوائضه الطاقوية إذا توفّرت. يتحدّث مصدر في لندن خبير في شؤون الطاقة الأحفورية في منطقة شرق المتوسط، عن أنّ حقول المنطقة متداخلة وتشكّل بالنسبة للأسواق كتلة إنتاج واحدة لا تحتمل تشوّهاً أو نفوراً لدى واحد من ميادينها المنتجة. ويضيف أنّ العملية الاقتصادية الكاملة، التي بدأتها إسرائيل من حقل كاريش المجاور، تتطلّب انخراط لبنان الكامل داخل شبكات التوزيع والتصدير، سواء تلك التي تعمل تحت سقف “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي أُسّس في القاهرة عام 2019 ويضمّ مصر واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإسرائيل وإيطاليا وفرنسا، أو أيّ منظومات منافسة.

يرى المصدر أنّ خرائط المنظومات تلك قد تتعدّل أو تتعدّد وفق ما ستنتهي إليه حرب أوكرانيا، وخصوصاً لجهة موقع تركيا التي ما تزال خارج “المنتدى”، ووفق ما سينتج عن أيّ اتفاق كلّيّ أو جزئيّ بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي لجهة موقع إيران المقبل في سوق الطاقة، ولا سيّما ما يتعلّق بحصّتها الغازيّة. وفي تلك الحالات ستتأثر وجهات لبنان، وسيتداعى ذلك على خيارات الطبقة الحاكمة وأجنداتها السياسية والطاقوية.

أسباب الحراك الأميركيّ

لا يمكن إلا وضع العامل الطاقوي في خلفيّة إعادة الولايات المتحدة تنشيط همّتها لتسهيل ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل. صحيح أنّ كبير المستشارين الأميركيين لشؤون أمن الطاقة حول العالم، آموس هوكستين، سيكمل في جولاته بين بيروت وتل أبيب مهمّته السابقة التي انتهت بترسيم الحدود البحرية بين البلدين. لكنّ الرجل، للتذكير، يشغل منصب المنسّق الرئاسي لشؤون أمن الطاقة. وإذا ما فاحت من مهمّته الأولى خطط لتسهيل إنتاج الطاقة في مياه لبنان وإسرائيل، فإنّ اختصاصه الطاقوي يبقى جزءاً من جهوده الجديدة لإقفال ملفّ الحدود البرّية بما يوفّر شبكة استقرار وأمان لإنتاج الغاز والنفط، ليس فقط في إسرائيل ولبنان، بل على مدى الحقول والشبكات المأمولة في مياه شرق المتوسط.

إقرأ أيضاً: تعديلات اليونيفيل: “التنسيق مع الحكومة”.. بدل الجيش

تقف دون ترسيم الحدود البرّية نقاط خلافيّة يمكن حلّها، لكن ما يردع هذا الترسيم ملفّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. تعرف واشنطن هذا الأمر جيّداً في عزّ توتّر علاقة الإدارة هناك بحكومة بنيامين نتانياهو في إسرائيل. غير أنّ إرسال هوكستين مؤشّر لافت إلى أنّ المهمّة ليست مستحيلة، حتى بالحسابات الإسرائيلية، وأنّ الضرورات الطاقوية باتت تبيح المحظورات وتسمح بإنتاج تسوية معقّدة متعدّدة الطبقات والأضلاع. وإذا ما كانت تلك الضرورات داهمة على الحدود الجنوبية البرّية للبنان، فإنّ اجتراح تسوية لحلّ الأزمة الرئاسية في بيروت يصبح جزءاً من سياق عامّ تراقب تطوّراته بدقّة عواصم القرار القريبة والبعيدة.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…