العراق والكويت: الطبل في “خور عبدالله” والعرس في “الدرّة”

مدة القراءة 6 د


يقول المثل الشامي “الطبل في دوما والعرس في حرستا” للدلالة على أنّ الضجّة في مكان والحدث الفعليّ في مكان آخر. وربّما هذا المعنى هو التعبير الأكثر توصيفاً لما يجري حالياً بين العراق والكويت، إذ يبدو أنّ “الطبل في خور عبدالله والعرس في حقل الدرّة”.
في قرار عدَّه كثيرون مفاجئاً، قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الإثنين الماضي، بعدم دستورية الاتفاقية المبرمة بين العراق والكويت في 2013 لتنظيم الملاحة في خور عبدالله، بحسبان أنّها تحتاج إلى أصوات ثلثَي أعضاء مجلس النواب، في حين أنّه صودق عليها في عام 2014 بالأغلبية البسيطة (النصف +1).
من الواضح أنّ قرار القضاء العراقي يستند إلى خطأ إجرائي (وليس التنازل عن السيادة) لكنّه مخالف للدستور، وفق مضمون الحكم الذي اعتبر أنّ هناك “مخالفة لأحكام المادّة (61/ رابعاً) من دستور جمهورية العراق التي نصّت على أن (تنظّم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَنّ بأغلبية ثلثَي أعضاء مجلس النواب)”.

العودة إلى الوراء
تكمن أهميّة الاتفاقية في أنّها اتفاقية دولية حدودية بين البلدين، تهدف إلى تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله الواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكلّ من جزيرتَيْ بوبيان ووربة الكويتيّتَيْن.

جرى التوصّل إلى الاتفاقية تنفيذاً للقرار 833 الصادر عن مجلس الأمن في عام 1993 بعد عدد من القرارات التي تلت الغزو العراقي للكويت في 1993، واستكمالاً لإجراءات ترسيم الحدود ووضع تحديد دقيق لإحداثيّاتها على أساس الاتفاق بين البلدين بعد استقلال الكويت عام 1961.
أهمّ ما في الاتفاقية أنّها أدّت إلى تقسيم الممرّ الملاحي الموجود في نقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية، ما بين النقطة البحرية الحدودية رقم 156 ورقم 157 باتجاه الجنوب إلى النقطة 162، ثمّ إلى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل الخور.
بناء على ذلك، دار الحديث بين البلدين خلال السنوات العشر الماضية عن ضرورة استكمال ترسيم الحدود البحرية إلى ما بعد النقطة 162، في حين عادت الأمور إلى ما وراء هذه النقطة بعد القرار القضائي الأخير.
كانت أولى إفرازات هذه الاتفاقية مشاريع إنشاء موانئ جديدة على الضفّتين: الفاو على الجهة العراقية ومبارك الكبير على الجهة الكويتية.

ضجيجٌ منذ 10 سنوات
على الرغم من التحسّن الكبير في العلاقات الثنائية، لم يهدأ الضجيج في العراق منذ 2013 بشأن الاتفاقية، التي رأت قوى سياسية أنّها مُجحفة بحقّ العراق، واتّهمت رئيس الوزراء في ذلك الوقت نوري المالكي ومجلس النواب بالتنازل عن جزء من خور عبدالله على الرغم من أنّه الممرّ الملاحي الوحيد المؤدّي إلى معظم الموانئ العراقية.
انقسمت الآراء بين فريق رفض الاتفاقية باعتبار أنّ التقسيم جاء بالتصنيف وليس وفق “خطّ القعر” أو “خطّ التالوك”، أي أعمق ممرّ يسمح بالملاحة البحرية فيه، وبين فريق آخر دافع عنها لأنّها جاءت استكمالاً لترسيم الحدود بناءً على قرار دولي.

سيناريو تدريجيّ
تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ قرار القضاء العراقي لا ينفصل عن الضجّة الأخيرة التي أعقبت زيارة وزير الخارجية الكويتي سالم عبدالله الجابر الصباح في 30 تموز الماضي لبغداد، بشأن ما تردّد عن تنازل الحكومة العراقية للكويت عن مدينة أمّ قصر الواقعة في أقصى الجنوب العراقي، فيما تبيّن أن لا شيء حقيقياً من ذلك (راجع تقرير “أساس” المنشور في 16 آب بعنوان “أمّ قصر العراقية: هل “باعها” العراق للكويت؟”).
وتضيف المصادر أنّ “قرع الطبل بدأ منذ ذلك الوقت، واستمرّ مع إثارة اتفاقية خور عبدالله من خلال الطعن الذي قدّمه أحد النواب العراقيين للمحكمة الاتحادية بتاريخ 2 آب 2023، في سيناريو تدريجي يهدف في نهاية المطاف إلى إعادة التفاوض مع الكويت بشأن الحدود البحرية من البداية وإسقاط كلّ الاتفاقيات السابقة، وصولاً إلى المطالبة بحصّة في حقل الدرّة للغاز الذي يقع في المنطقة البحرية المشتركة بين الكويت والسعودية، وتطالب إيران أيضاً بحصّة فيه”.

بصمات إيرانيّة
بناء على ذلك، لا تستبعد المصادر وجود “بصمات إيرانية” في الخطوات العراقية، على اعتبار أنّ مطالبة بغداد بحصّة أيضاً في الحقل، من شأنها أن تُعقّد الأمور أكثر وتجعل من حقل الدرّة مثار نزاع إقليمي بين 4 دول.
تدلّل المصادر على هذا التوجّه بالرسالة التي قدّمها النائب العراقي عن كتلة “صادقون” التابعة لحركة “عصائب أهل الحق” حسن سالم الشهر الماضي، إلى البرلمان العراقي، والموقّعة من 48 نائباً، والتي طالب فيها باستضافة وزير الخارجية ووزير النقل وقائد القوات البحرية ومسؤولين آخرين “بهدف التباحث حول ترسيم الحدود البحرية مع دولة الكويت بعد الدعامة 162 واستغلال دولة الكويت لحقل غاز الدرّة العراقي”، في إشارة إلى الحقل المشترك بين الكويت والسعودية، ولا يمكن للعراق أن يطالب بحصّة فيه إلا إذا تغيّرت الحدود البحرية المُرسّمة بينه وبين الكويت.
تلفت هذه المصادر أيضاً إلى مواقف نائب عراقي آخر هو رئيس كتلة “حقوق” سعدون الساعدي، الذي كان وراء تقديم الطعن باتفاقية خور عبدالله إلى المحكمة الاتحادية، يكشف فيها عن طعون جديدة بالاتفاقيات الأخرى المرتبطة بمجمل ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، على اعتبار أنّ هناك “تجاوزاً كويتياً وتلاعباً وتحايلاً، وأنّ الاتفاقيات السابقة كانت مذلّة وانتهكت السيادة، وتؤدّي إلى خنق الإطلالة البحرية للعراق، ومصادرة جزء من حدوده، وتتعارض مع الخرائط الأدميرالية البريطانية، وهي الخرائط البحرية الدولية”، على حدّ وصفه. ويعتبر أنّ “ترسيم الحدود البحرية مع الكويت تمّ بشكل وهمي، وجرى إيداع خطّ الأساس البحري العراقي المشترك مع الكويت لدى الأمم المتحدة من دون عرضه على مجلس النواب”، وهي خطوة غير دستورية من وجهة نظره.

إقرأ أيضاً: أم قصر العراقية: هل “باعها” العراق للكويت؟

يصرّ هذا النائب في جميع تصريحاته على وصف الاتفاقية بـ”اتفاقية خور عبدالله التميمي”، للإشارة إلى أنّ الخور عراقي في الأصل.
هكذا دخلت العلاقات بين الكويت والعراق غرفة العناية الفائقة، وظهرت حالة مستجدّة من خلط الأوراق من شأنها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في المسار الإيجابي الذي كان سائداً بين البلدين من جهة، ومن جهة أخرى إدخال العراق طرفاً في أزمة حقل الدرّة حتى تتحوّل رباعية بين الكويت والسعودية، وهما طرف واحد، وبين إيران والعراق، بعدما كانت ثلاثية لسنوات طويلة.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…