“تكميم الأفواه” في الكويت… صدام بين الحكومة والبرلمان

2023-08-26

“تكميم الأفواه” في الكويت… صدام بين الحكومة والبرلمان


لم يستمرّ شهر العسل طويلاً بين الحكومة ومجلس الأمّة الجديد في الكويت. إذ كان تسريب مسوّدة لمشروع قانون جديد لتنظيم الإعلام كفيلاً بإنهاء “الهدنة” وحالة الهدوء السائدة منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 حزيران الماضي.

نظَرَ النواب بعين الريبة لِما ورد من بنود في المسوّدة، باعتبارها تشكّل “ردّة” و”تضييقاً على الحرّيات” و”تكميماً للأفواه”، فيما ذهبت جمعيات النفع العامّ ومنظّمات المجتمع المدني أبعد من ذلك حين تحدّثت عن “تناغم” بين الحكومة و”القوى الظلامية”، داعية إلى التصدّي لـ”المحاولات الهادفة إلى التعدّي على الدستور وقِيَم الحرّية والتنوير”.

المواد المثيرة للجدل

من أبرز الموادّ التي أثارت الجدل والانتقاد، ما ورد في المسوّدة من حظر التعرّض لشخص وليّ العهد أو نائب الأمير بالنقد، بعدما كان القانون الحالي يقتصر على “شخص سموّ أمير البلاد”.

لم يستمرّ شهر العسل طويلاً بين الحكومة ومجلس الأمّة الجديد في الكويت. إذ كان تسريب مسوّدة لمشروع قانون جديد لتنظيم الإعلام كفيلاً بإنهاء “الهدنة” وحالة الهدوء السائدة منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 حزيران الماضي

نصّت المادّة على أنّه “لا يجوز التعرّض لشخص سموّ أمير البلاد أو سموّ وليّ العهد أو نائب الأمير بالنقد، ولا يجوز أن يُنسب لأيّ منهم قول أو فعل إلا بإذن خاصّ مكتوب من الديوان الأميري أو ديوان سموّ وليّ العهد، ويُعاقب من يخالف ذلك بالحبس لمدّة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تقلّ عن خمسين ألف دينار (حوالي 160 ألف دولار أميركي) ولا تتجاوز مئة ألف دينار (حوالي 320 ألف دولار أميركي) أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

من الموادّ الأخرى التي واجهت انتقادات حادّة، “حظر المساس بالحياة الخاصة للموظّف العامّ أو المكلّف بخدمة عامّة، أو لأيّ من نواب مجلس الأمّة أو نسبة أقوال أو أفعال غير صحيحة له، تنطوي على تجريح لشخصه أو الإساءة إليه”.

رأى نوّاب في هذه المادّة “لُغماً” واعتبروها بمنزلة “دسّ للسمّ في العسل”، وهو ما دفع النائب عبدالوهاب العيسى إلى القول: «إنّ محاولة عنونة قانون الإعلام الجديد بحماية ذات وليّ العهد من المساس لن تُحرجنا، وإنّ حماية القانون لكرامة النواب وعدم تجريحهم لن تُغرينا”.

من الموادّ الفضفاضة المثيرة للجدل، تجريم “خدش الآداب العامّة أو التحريض على مخالفة القوانين”، وهو ما رأت فيه منظمات المجتمع المدني مسّاً بالحرّيات، لأنّ التوسّع في تفسيرها قد يضع كثيرين في السجون.

من المعلوم أنّ هامش الحرّية في ما ينشره الإعلام الكويتي يُعتبر كبيراً، ولا خطّ أحمر في ما يُكتب أو يُنشر سوى المسّ بالذات الإلهية أو الذات الأميرية.

لكنّ القانون الجديد يحظر “كشف ما يدور في أيّ اجتماع أو ما هو محرّر في وثائق أو مستندات أو مراسيم أو أيّ أوراق أو مطبوعات قرّر الدستور أو أيّ قانون سرّيتها أو عدم نشرها، ويقتصر النشر على ما يصدر عن ذلك من بيانات رسمية”.

اعتبر كثيرون أنّ هذه المادّة “تخنق الإعلاميين” وتجعلهم عرضة للملاحقة القانونية، وكأنّ الحكومة تريد أن تختصر ما يُنشر في وسائل الإعلام ببياناتها الرسمية وتصريحات مسؤوليها الكلاسيكية.

يعطي القانون للوزارة المختصّة “السلطة التقديرية في إيقاف الحفل الفنّي العامّ واتّخاذ الإجراءات اللازمة في حال وقوع أيّ تجاوزات أو مخالفات لأحكام القانون”

هذا ووسّع القانون دائرة المشمولين بالعقوبات التي تراوح بين الغرامات والسجن، لتطول “كاتب أو مؤلّف المطبوع وناشره أو موزّعه أو طابعه”، و”رئيس تحرير الصحيفة أو نائبه وكاتب المقال أو مؤلّفه”، و”مدير القناة أو نائبه ومعدّ ومقدّم المادّة الإعلامية وكلّ مسؤول عن بثّ تلك المادّة ومن أجرى معه الحوار أو صدرت عنه المادّة الإعلامية”، و”مدير شركة إعادة البثّ أو المسؤول عنها”، و”المدير المسؤول للموقع أو الوسيلة الإعلامية الإلكترونية عن نشر المحتوى في المواقع الإلكترونية”.

لم يقتصر الأمر على الإعلام، بل شمل أيضاً الحفلات وأفلام السينما التي يجب أن تخضع للرقابة “حفاظاً على القيم والعادات”.

من أبرز ما ورد في المسوّدة أن “تخضع الأفلام السينمائية للرقابة، وذلك بهدف الحفاظ على القيم الروحية والتمسّك بالعادات والتقاليد… وعدم الإخلال بالنظام العامّ أو خدش الآداب العامّة أو مخالفة القوانين”، و”لا يجوز عرض أيّ فيلم سينمائي كويتي أو عربي أو أجنبي في دور العرض السينمائي قبل الحصول على إجازة مسبقة من اللجنة المختصّة”.

كذلك الأمر بالنسبة للحفلات التي تحتاج إلى “موافقة مسبقة” من وزارة الإعلام، مع “التقيّد في الحفل الفنّي العامّ بقواعد النظام والآداب العامّة وعدم الخروج عن القيم الاجتماعية السائدة وبعرف وتقاليد المجتمع الكويتي وعدم مخالفة أحكام القانون”.

السلطة التقديرية لوزارة الإعلام

يعطي القانون للوزارة المختصّة “السلطة التقديرية في إيقاف الحفل الفنّي العامّ واتّخاذ الإجراءات اللازمة في حال وقوع أيّ تجاوزات أو مخالفات لأحكام القانون”.

على الرغم من أنّ ما سُرّب هو مسوّدة حوّلتها وزارة الإعلام إلى 6 جهات حكومية (هي وزارات العدل، والخارجية، والتجارة والصناعة، إضافة إلى بلدية الكويت، وهيئة الاتصالات، وجهاز الأمن السيبراني)، لإبداء الملاحظات عليها، فإنّ الهجمة النيابية كانت واسعة وشارك فيها أكثر من 30 نائباً، فاضطرّت وزارة الإعلام إلى الإعلان عن حلقة نقاشية مفتوحة بتاريخ 25 أيلول المقبل، يقدّمها وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، بحضور حشد من الخبراء والمختصّين ورجال القانون والدستور.

لكنّ محاولة الامتصاص لم تفلح مع بعض النواب، وفي مقدَّمهم النائبة “المُشاكسة” جنان بوشهري (كانت وزيرة سابقة أيضاً) التي تحدّت وزير الإعلام وأعلنت أنّها ستواجهه في الحلقة النقاشية، “حتى يدرك الجميع خطر هذا القانون كفكرة قبل أن يكون كمشروع”، مهدّدة ضمناً بفتح معركة إسقاطه من خلال القول إنّ بقاءه أصبح “عبئاً سياسياً على الحكومة”.

إقرأ أيضاً: أم قصر العراقية: هل “باعها” العراق للكويت؟

ربّما الخلاصة من الصدام الأوّل بين الحكومة وغالبية النواب، تتمثّل في أنّ مجلس الأمّة لن يكون “مطواعاً” في أيّ محاولة من السلطة التنفيذية لتمرير قوانين وتشريعات خارج الأجندة المتّفق عليها، خاصة أنّ “مثل هذه القوانين أودت بسنوات طويلة من حياة الشباب الكويتي في السجون والمهجر”، على حدّ قول كثير من النواب.

يجزم العارفون باللعبة السياسية في الكويت أنّ “هذا القانون لن يمرّ”، وأنّ الحكومة ستكون أمام خيارين: إمّا سحبه من التداول والإحجام عن تقديمه إلى مجلس الأمّة، وإمّا إدخال تعديلات جوهرية عليه تجعله ذا مضمون آخر مختلف تماماً عن مسوّدته الحالية.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…