يقول الخبراء النفطيون إنّ استخراج أوّل متر مكعّب من الغاز، إذا وُجد طبعاً، قد يستغرق بين 6 و10 سنوات.
وعليه، فقد أبلغنا رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بطريقة غير مباشرة، وقبل توجّهه إلى طوّافة شركة “توتال إنرجيز” مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لتفقّد منصة التنقيب، بأنّ الأزمة لن تنتهي قبل 6 إلى 10 سنوات.
يومها، قال الرئيس برّي: “أتوجّه إلى الباري عزّ وجلّ أن لا تنقضي بضعة شهور إلّا ويمنّ على لبنان بدفق من كرمه، وهو ما يشكّل بداية إزاحة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان وشعبه…”.
من المستبعد أن يكون الرئيس برّي قد فاتته هذه الحقيقة التقنية – العلمية، وإلّا فإنّ قوله هذا ربّما يعني احتمالين:
1- أنّ الرئيس برّي يعرف ما لا يعرفه الخبراء عن احتمال استخراج الغاز في غضون أشهر، وهذا مستبعد طبعاً.
2- أن يكون الرئيس برّي بصدد شراء المزيد من الوقت من خلال حقن اللبنانيين بـ”بنج الصبر والسلوان”، خصوصاً أنّه استتبع حديثه عن الأزمة بكلام عن توافق اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذ قال: “كلّ الأمل أن يصل اللبنانيون إلى توافق على انتخاب رئيس يقوم بدوره كبداية لحلّ سياسي نتخبّط به… والله المستجاب”.
هذا يعني أنّ الطبقة السياسية المتمثّلة بالرئيسين الثاني والثالث تراهن على الغاز من أجل الخروج من الأزمة، ويعني أيضاً أنّ الإصلاحات ستطول وتتأخّر أكثر ممّا هي متأخّرة إلى اليوم، وأنّ الملفّ الرئاسي محكوم بـ”التوافق” نفسه الذي يريده الحزب وحلفاؤه، أي التوافق على مرشّحهم الأوحد سليمان فرنجية… وإلّا فلننتظر إلى حين استخراج أوّل متر مكعّب من الغاز!
يُجمع الخبراء على أنّ السيناريو الأخير سيكون بحاجة إلى ما يفوق 6 سنوات بأقرب تقدير من أجل تنفيذه
بماذا تخبرنا التقنيّات؟
يُجمع الخبراء على أنّ لبنان أمام مفترق طرق من اليوم حتى نهاية السنة، في حين يبقى التوقيت الأهمّ في تلك الفترة الممتدّة 4 أشهر، هي الأيام الـ60 المقبلة، لأنّها المدّة التي ستحدّد إن كان البلوك الـ9 يُخفي في بطنه، بالفعل، ثروة غازية قابلة للاستخراج.
عليه، تنتظر التنقيب بدوره ثلاثة سيناريوهات هي:
1- أن تخرج نتائج تنقيب “توتال إنرجيز” خالية الوفاض وتعلن أنّ البلوك المذكور جافّ على غرار البلوك الـ4 الذي راهن الوزير جبران باسيل عليه لجعل الجهة المقابلة لمنطقة البترون “كانتوناً نفطياً”.
2- أن تتمكّن “توتال” من استخراج كميّات متواضعة من الغاز تستدعي التراجع عن الاستمرار بتطوير الحقل والانتقال إلى أحد البلوكات اللبنانية الـ10.
3- أن تجد توتال كميّة وفيرة من الغاز و/أو النفط في الحقل المذكور تكون قابلة للتطوير، وحينئذٍ ستكون بحاجة إلى ما بين شهرين وستّة أشهر من أجل تقويم جودة هذا الغاز، ثمّ إصدار التقارير الفنّية، ولاحقاً وضع خطّة تتوافق عليها بين السلطات اللبنانية وبقيّة الشركاء المُشغّلين (إيني الإيطالية و”قطر للطاقة”)… وصولاً إلى مرحلة رسم المسار الخاصّ ببدء الإنتاج في السنوات اللاحقة.
يُجمع الخبراء على أنّ السيناريو الأخير سيكون بحاجة إلى ما يفوق 6 سنوات بأقرب تقدير من أجل تنفيذه، وهذا إذا افترضنا أنّ العملية كلّها سارت بسلاسة، ولم تُواجَه بعراقيل سياسية أو أمنيّة داخلية، أو حتى بحرب بين الحزب وإسرائيل لم يغِب التهديد بوقوعها يوماً عن أدبيّاتهما، فتؤدّي، إن وقعت، إلى هَرَب “توتال” ورفيقتَيها، أو في أقلّ تقدير إلى تجميد العمل بالتنقيب الموعود.
إسرائيل مصدر التهديد… والتفاؤل!
على الرغم من أنّ التهديد الأكبر للاستخراج مصدره إسرائيل والحرب ضدّها، فإنّ إسرائيل في الوقت نفسه هي مصدر التفاؤل المفرط الذي يُظهره أركان السلطة.
هذا التفاؤل مبنيّ على التجربة الإسرائيلية في الكشف بمياهها الاقتصادية الخالصة عن كمّيات كبيرة من الغاز بدأت بالتنقيب عنها منذ سنوات، ثمّ استخرجتها أخيراً.
برز المصدر الآخر لتفاؤل السلطة مع ظهور الحاجة الأوروبية إلى الغاز بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، التي تبدو في خواتيمها مع قرب حملة الانتخابات الرئاسية في أميركا في عام 2024. قد تقلب نتائج تلك الانتخابات كلّ الأولويّات. وربّما تُنهي الحرب في أوكرانيا وتُرسي تسوية هناك، فتعيد الأمور، ولو بالتدريج، إلى نصابها السابق بين القارّة الأوروبية وروسيا في ملفّ الغاز الذي بقي منذ بداية الحرب الأرخص في العالم (دول أوروبية عدّة بدأت تظهر مؤشّرات كهذه، وبينها ألمانيا).
يفضي كلّ هذا إلى أنّ رهانات السلطة أوّلاً على وجود الغاز، وثانياً على إمكانية تصديره والاستفادة منه في الداخل اللبناني، قد تكون بغير محلّها، إن لم نقُل واهية، إضافة إلى عوائق إضافية أخرى تفوتها وقد تحول دون تحقيق هذا الأمر.
من المستبعد أن يكون الرئيس برّي قد فاتته هذه الحقيقة التقنية – العلمية، وإلّا فإنّ قوله هذا ربّما يعني احتمالين
البنى التحتيّة مفقودة وبحاجة إلى أموال
يفوت الطبقة السياسية أنّ لبنان يفتقر إلى البنى التحتية الخاصّة بالنفط والغاز، وأنّ إنشاء هذه البنى يستغرق الكثير من الوقت والأموال، في حين تحتار السلطة اليوم في كيفية توفير رواتب موظّفي قطاعها العامّ…
لكن بمعزل عن كلّ ما سلف ذكره، لو أرادت السلطة الاستفادة من ثورة الغاز في توليد الكهرباء للاستهلاك الداخلي وحسب، فإنّها ستكون بحاجة إلى مبالغ تُقدّر بمليارات الدولارات من أجل نقل هذا الغاز بأنابيب من البحر إلى معامل الكهرباء في الزهراني والجيّة وغيرهما (قبل أيام وقّعت شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” عقداً لتوسعة بنيتها التحتية الخاصة لمعالجة الغاز بكلفة 3.6 مليارات دولار… وهذه توسعة وليس إنشاء!).
إقرأ أيضاً: الطاقة والنقل “نصف الأزمة”: دولارات “المركزيّ” للكهرباء تنير لبنان 24 عاماً
أمّا إذا أرادت السلطة الاستعانة بالخارج من أجل تنفيذ المشاريع المطلوبة، فإنّ سجلّها في مؤشّرات الفساد و”اللاشفافيّة” وضعف الحوكمة سيكون كفيلاً بحصولها على “صفر” في هذا الامتحان الصعب، وهو ما يعني أنّ استخراج الغاز لن يكون نعمة على اللبنانيين، بل سيكون نقمة تزيد من مآسيهم وأزماتهم، خصوصاً في ظلّ الطبقة السياسية الحالية التي ما عادت تجيد إلّا ألاعيب الشعبويّات ومهنة شراء الوقت!
لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@