الهند: ما مصير المسلمين في مواجهة العنصرية الهندوسية؟

مدة القراءة 4 د

أمران محرّمان على المسلم الهندي:
– أن يحبّ امرأة هندوسية.
– أن يأكل لحم البقر أو الطير.
قُتل أخيرا شبان مسلمون لأنّهم واعدوا رفيقاتهم في الجامعة. وقُتل رجال مسلمون بعد اكتشاف لحوم حيوانية في ثلّاجات منازلهم. وتنطلق حملة في طول الهند وعرضها لإعلانها “دولة هندوسية”. تحت هذا العنوان يُحرَّم أكل اللحوم تحريماً كاملاً بنصّ قانوني.

إحصاءات تشرد المسلمين
تتحوّل الهند بذلك من “أكبر ديمقراطية في العالم” إلى دولة دينية هندوسية، حيث تُعتبر الهندوسية دين الدولة والدين الوحيد الصحيح. ويترافق هذا التحوّل العَقَديّ مع تحوّل علمي. فالهند تحتلّ الآن موقعاً متقدّماً في الإلكترونيات الحديثة، إنتاجاً واستعمالاً. ولأنّ اليد العاملة في الهند رخيصة إذا ما قورنت باليابان وكوريا الجنوبية، أو بالولايات المتحدة وأوروبا، فإنّ الاعتماد على العاملين، وخاصة على المهندسين الهنود في الإلكترونيات، أصبح ظاهرة عالمية.
كشف التقدّم الإلكتروني في الهند عن عيب خطير في المجتمع: معظم سكّان الأرياف والقرى غير مسجّلين في الدوائر الرسمية للأحوال الشخصية. فهم لا يحملون حتى الهويّة الهندية لأنّهم لا يتحمّلون أعباء مصاريف الحصول عليها. ثمّ إنّ المزارعين الذين يعيشون في حقولهم وقراهم لا يحتاجون إليها. ويُعدّ هؤلاء بعشرات الملايين (عدد سكان الهند 1.3 بليون إنسان) منهم الهندوس وأكثرهم من المسلمين.

تتحوّل الهند بذلك من “أكبر ديمقراطية في العالم” إلى دولة دينية هندوسية، حيث تُعتبر الهندوسية دين الدولة والدين الوحيد الصحيح

لحلّ هذه المشكلة السكانية حملت الدولة على قرار بالاعتماد على التنظيمات الإلكترونية لإعادة إحصاء السكان وتصنيفهم. ويقوم القرار، وهذا هو المهمّ، على أمرين:
– الأول هو تصحيح أوضاع الهنود الهندوس بمنحهم الجنسيّة.
– الثاني هو اعتبار الهنود المسلمين لاجئين غير شرعيين، وبالتالي إبعادهم إلى ما وراء الحدود، شرقاً إلى بنغلادش، وغرباً إلى باكستان.

نهاية الديموقراطية؟
لا يعبّر هذا الموقف من المسلمين الهنود عن الثقافة الهندية، بل عن سياسة الحزب الهندوسي الحاكم. فعندما كان يحكم حزب المؤتمر (الذي أنشأه نهرو وحمل لواءه من بعده ابنته أنديرا غاندي) كان يتولّى رئاسة الجمهورية مواطن مسلم. وكان أحد هؤلاء الرؤساء، وهو أبو الكلام، من علماء الذرّة. ويُعتبر أبا القنبلة النووية الهندية.
لكنّ الهند تتحوّل اليوم من الهندية إلى الهندوسية. كانت السياسة الهندية تُعرف في العالم بـ”الديمقراطية المنفتحة”، أمّا السياسة الهندوسية، كما يمارسها اليوم الرئيس الحالي نارندا مودي، فتتّسم بـ”العنصرية المتشدّدة” ضدّ الجماعات الهندية غير الهندوسية: المسيحية، البوذية، والإسلام. وهذا جديد على المجتمع الهندي المتعدّد.
يبلغ عدد المسلمين وحدهم في الهند حوالي 200 مليون مواطن. أي ما يشكّل ثاني دولة في العالم الإسلامي من حيث عدد المسلمين بعد إندونيسيا. لكنّ هؤلاء يواجهون صعود التشدّد الهندوسي الذي يهدف إلى تحويل الهند من دولة ديمقراطية متعدّدة الأديان والعقائد وبأكثرية هندوسية، إلى دولة هندوسية حصراً.
في عام 1992 قامت جماعة من هؤلاء المتطرّفين بإحراق مسجد تاريخي بحجّة أنّه مبنيّ فوق موقع يُعتقد أنّ أحد الآلهة الهندوس وُلد فيه. أدّى ذلك إلى مقتل المئات من المسلمين الذين حاولوا الدفاع عن المسجد. وفي عام 2002 وقعت في ولاية “حجرات” مجزرة أدّت إلى قتل أكثر من ألف مواطن من المسلمين. في ذلك الوقت كان رئيس حكومة تلك الولاية هو رئيس الهند اليوم نارندا مودي. وقد تضامن مع الذين ارتكبوا المجزرة، ممّا أكسبه شعبية كبيرة في أوساط المتطرّفين الهندوس. وكان ذلك مدخلاً إلى وصوله إلى الرئاسة الأولى في دلهي الجديدة.

بين مودي وغاندي
أدانت المجتمعات العالمية الجريمة الجماعية وصدر قرار أميركي بمنع الرئيس مودي من دخول الولايات المتحدة ووضعه على اللائحة السوداء. إلا أنّ مودي تزعّم الحزب الهندوسي، وأصبح رئيساً للحكومة (وليس فقط رئيساً لحكومة الولاية) فاضطرّت الولايات المتحدة إلى استقباله حتى تبقيه بعيداً عن التحالف مع الصين وعن التعاون مع روسيا. أمّا الضحايا الذين سقطوا في تلك المجزرة فقد “عفا الله عمّا مضى”.

إقرأ أيضاً: الهند: الدين فوق السياسة

صحيح أنّ الرئيس مودي حصل على الأكثرية التي أوصلت حزبه الهندوسي إلى الحكم وأوصلته إلى الرئاسة. لكن هذه الأكثرية جاءت نتيجة مشاركة 37 في المئة فقط من المواطنين في الاقتراع. ومن الذين لم يشاركوا، الملايين من المواطنين في الأرياف الذين لا يحملون الجنسية الهندية.
أثناء الاحتلال البريطاني جرى اغتيال المهاتما غاندي حكيم الاعتدال ورجل التسامح والسلام، على يد أحد المتطرّفين الهندوس. واليوم يتعرّض غاندي الرمز وأخلاقياته الإنسانية الرفيعة للاغتيال مرّة ثانية.

مواضيع ذات صلة

3 عبارات قالها لاريجاني ولم تُنشر!

من قال إنّه لا يمكن التعلّم من العدوّ؟ بل على العكس. أهمّ الدروس تكون غالباً مستخلصة من مراقبة العدوّ، خصوصاً بعد معركة، وبالأخصّ بعد ما…

الحزب فتح باب التّغيير: “الدّولة” و”الطّائف” بلا سلاح

يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2024 سيكون يوماً استثنائياً، حتّى لو لم يتمّ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، لأنّ الأمين العامّ للحزب الشيخ نعيم قاسم…

7 أعمدة في قمّة الكويت الخليجيّة السّابعة

وسط أمواج مُتلاطمة وتحدّيات ضخمة آنيّة ومستقبلية تواجه المنطقة، تنعقد القمّة الخامسة والأربعون لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بالكويت في أول أيام شهر كانون الثاني…

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….