خريطة الحلّ اليمنيّ… 3 سنوات

2023-04-15

خريطة الحلّ اليمنيّ… 3 سنوات

طريق الحلّ اليمني طويلة. تمتدّ بين 6 أشهر و3 سنوات. هو “مسار طويل”، بحسب العارفين، وليس اتفاقاً سياسياً “يُنجز” عند التوقيع على أوراقه. هو ليس “حلّاً” بالمعنى المباشر. بل هو أقرب إلى مجموعة اتفاقات، على مراحل، لم تبدأ بتبادل الأسرى، ولن تنتهي بإعادة فتح الموانىء جزئياً، وذلك ضمن سياسة “الخطوة خطوة” غير المعلنة، لكن الواضحة.
عبّدَ هذه الطّريق الاتفاقُ بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران. بعد اتفاقِ القُطبَيْن، صارَ على طرفَيْ النّزاع في اليَمَن، الحكومة الشّرعيّة وميليشيات الحوثيّ، تطبيق خارطة الطّريق الطويلة، أملاً في الوصول إلى حلّ نهائيّ.
جاءَت أميركا إلى السّعوديّة مُبارِكةً خطواتها لحلّ الأزمة اليمنيّة، وحملَ وفدها الذي زارَ جُدّة الخميس رسالةً من المكتب البيضاويّ عنوانها: “ندعمكم في اليمَن.. ونُريد عودة العلاقات إلى سابق عهدها”.
في الآتي، يكشف “أساس”، نقلاً عن مصادر إقليميّة واسعة الاطّلاع، مراحل خارطة طريق لحلّ الأزمة التي بدأت في 2014. وستشمل الخارطة 3 مراحل.

يكشَفَ المصدر عن “خلافات بين قيادات الحوثيين أنفسهم”، خصوصاً بين “رئيس المجلس السّياسي الأعلى” مهدي المشّاط، صهر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثيّ، ورئيس ما يُسمّى بـ”اللجنة الثّوريّة” محمّد علي الحوثي

المرحلة الأولى: تمتدّ على 6 أشهر، وتشمل:
– تثبيت وقف إطلاق النّار حتّى نهاية العام الجاري، ثمّ يتحوّل إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار.
– إعادة فتح الموانئ والمطارات اليمنيّة، وإيصال المُساعدات الإنسانيّة، واستئناف تصدير النّفط.
– دفع رواتب الموظّفين في المناطق الخاضعة لسيطرة الشّرعيّة اليمنيّة وميليشيات الحوثيّ.
– استكمال تبادل الأسرى والمُعتقلين بين الحكومة والحوثيين.

المرحلة الثّانية: تمتدّ على 6 أشهر بعد انتهاء المرحلة الأولى. وتشمل:
سحب جميع القوّات الأجنبيّة من الأراضي اليمنيّة، تمهيداً لبدء حوار سياسي بين طرفَيْ النّزاع. وفي هذا الإطار، أشارت مصادر خاصّة لـ”أساس” إلى أنّ الحزب سحَبَ خُبراء ومُستشارين عسكريين من اليَمَن خلال الأسابيع الماضية عبر سلطنة عُمان التي تلعب دوراً أساسيّاً في الحوار بين الشّرعيّة والحوثيين.

المرحلة الثّالثة: تمتدّ إلى سنتَيْن، وهي المرحلة الأدقّ لأنّها تشمل بدء حوارٍ سياسيّ جدّيّ بين الحكومة اليمنية والحوثيين يخلص إلى إعادة تكوين السّلطة وتذليل النّقاط الخلافيّة التي أدّت إلى اندلاع الحرب في الأساس.
جاءَت خارطة الطّريق هذه نِتاج حِراك سياسيّ قادته سلطنة عُمان ودولة قطر منذ الصّيف الماضي، وظهرت على أرضِ الواقع بعد توقيع الاتفاق السّعوديّ – الإيرانيّ بوساطة صينيّة.

خلافات بين الحوثيّين
زار سفير المملكة لدى صنعاء محمّد آل جابر العاصمة اليمنيّة قبل أسبوع برفقة وفدٍ عُمانيّ، وأجرى مباحثات استمرّت لـ6 أيّام التقى خلالها مسؤولين حوثيين، وبحث معهم تثبيت الهدنة ودفع العمليّة السّياسيّة قُدُماً.
يقول المصدر العربي لـ”أساس” إنّ زيارة آل جابر لصنعاء “كانت إيجابيّة بشكلٍ عامٍّ” وإن بقيَت بعض الملفّات التي تحتاج إلى مُعالجة. وكشَفَ أنّ الزّيارة لم تكن الأولى من نوعها، بل هي الثانية من نوعها، إذ كانت الأولى قبل شهر.
يكشَفَ المصدر عن “خلافات بين قيادات الحوثيين أنفسهم”، خصوصاً بين “رئيس المجلس السّياسي الأعلى” مهدي المشّاط، صهر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثيّ، ورئيس ما يُسمّى بـ”اللجنة الثّوريّة” محمّد علي الحوثي. إذ يُؤيّد المشّاط المساعي السّعوديّة لحلّ الأزمة، فيما يُعارضها محمّد علي الحوثيّ.
على الرّغم من تغريدات محمّد علي الحوثي الذي زَعَمَ أنّ المملكة طرفٌ لا وسيط، انعقد لقاءٌ جمعه بالسّفير محمّد آل جابر بعد إلحاح الأوّل على إتمام هذا اللقاء الذي حاولَ الحوثيّ أثناءه تكرار تغريداته على مسمع السّفير آل جابر، إلّا أنّ الأخير انتفضَ وقال له: “أنتم لا تصلحون أن تكونوا نِدّاً للمملكة”.

أهمّيّة استقرار اليَمن
يشير مصدرٌ دبلوماسيّ عربيّ مُطّلع لـ”أساس” إلى أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة تتعاطى بإيجابيّة تامّة مع مساعي حلّ أزمة اليَمن. إذ كانَ الهدَف الأساسي من إطلاق عمليّة “عاصفة الحزم” وبعدها “إعادة الأمل” إعادة التّوازن السّياسيّ وإرساء الاستقرار في الجار الجنوبيّ للمملكة.
من المعروف أنّ السّعوديّة تعتبر جارها الجنوبيّ جزءاً من مجالها الحيوي وأساس أمنها القومي. وبالطبع من مصلحتها المباشرة أن يبقى مُستقرّاً. إذ إنّ أيّ اختلالٍ في أمن اليَمن ينعكس تلقائيّاً على أمن الجزيرة العربيّة والخليج العربيّ بشكلٍ عامّ، بسبب إطلالة اليَمن على البحر الأحمر وبحر العرب والمُحيط الهنديّ. من هنا تكمن أهمّيّة اليَمن في موقعه الجغرافيّ، إذ يُمثّل خلـيج عـدن ومضيق باب المندب المدخل الجنوبيّ للبحر الأحمر، ويلتقي عنده أهمّ 3 ممرّات بحريّة دوليّة: الخطّ الآتي من الخليج العربيّ، والخطّ الآتي من شرق آسيا، وخطّ شرق إفريقيا وجنوبها.
لهذا يُعتبر استقرار اليمَن أساساً في تأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر، ومعها حركة التّجارة العالميّة. كما أنّ اليمَن يُمثّل بالنسبة إلى دول مجلس التّعاون الخليجيّ حاجزاً أمام الهجرة غير النّظاميّة الآتية من سواحل القرن الإفريقيّ وأفراد التّنظيمات الإرهابيّة مثل تنظيم القاعدة الذي استعادَ نشاطه في اليمَن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدن في بداية الأزمة.
كانَ اليَمن في تسعينيّات القرن الماضي ملاذاً لناشطي “القاعدة”، وقد رُصِدَ عبر السّنين عددٌ من الحوادث الإرهابيّة أبرزها الهجوم الانتحاريّ الذي استهدَف المُدمّرة الأميركيّة USS Cole في ميناء عدَن سنة 2000، والذي نجَمَ عنه مقتل 17 بحّاراً أميركيّاً وإصابة 28 بجروح وإلحاق ضررٍ واسعٍ بهيكل المُدمّرة، واستهداف ناقلة النّفط الفرنسيّة “ليمبورج” في ميناء المُكلّا في حضرموت.

يشير مصدرٌ دبلوماسيّ عربيّ مُطّلع لـ”أساس” إلى أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة تتعاطى بإيجابيّة تامّة مع مساعي حلّ أزمة اليَمن

أميركا تُشجّع: نُريد تحسين العلاقات
تقدّم الحلّ في اليَمن، فجاءت أميركا إلى السّعوديّة. أرسَلت الإدارة الأميركيّة إلى مدينة جدّة السّعوديّة كُلّاً من مُنسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القوميّ بريت ماكغورك ومبعوثها الخاصّ إلى اليمن تيموثي ليندركينغ والمبعوث الخاصّ لشؤون الطّاقة آموس هوكستين. جاءَت الزّيارة بعد اتصالٍ بين وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان ومُستشار الأمن القوميّ جايك سوليفان.
بحسب مصدر في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس”، فإنّ الوفد الأميركيّ نقَلَ إلى وليّ العهد ووزير الخارجيّة الأمير فيصل بن فرحان تشجيع الإدارة الأميركيّة للخطوات التي تتّخذها المملكة لإرساء الاستقرار في المنطقة، خصوصاً عملها على حلّ الأزمة اليمنيّة. كما حمَل الوفد رسالةً من البيت الأبيض تشير إلى إرادة الرّئيس الأميركيّ دفع العلاقات الثّنائيّة قُدُماً.
أثنى ماكغورك على الخطوات التي تقوم بها المملكة على صُعدٍ أخرى، مثل الزّيارة التي قامَ بها الأمير فيصل بن فرحان للعاصمة الأوكرانيّة كييف وإعلانه حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، والاتفاق على التعاون في مجال شبكات اتصالات الجيل الخامس (5G)، واستمرار المملكة بتعاونها مع شركة بوينغ الأميركيّة في مجال النّقل.

إقرأ أيضاً: مُفاوضات اليمن: 3 نقاطٍ على الطّاولة… وخطّان أحمران لإيران

بدوره استفسر هوكستين عن قرار المملكة خفض إنتاج النّفط، فأجابه الأمير فيصل بن فرحان أنّ هذا أمر سياديّ لم تتّخذه المملكة مُنفردة، بل هو إجراء مُتّفق عليه بين جميع أعضاء مُنظّمة “أوبك بلاس”، ولا يُتوقّع أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على أسعار النّفط العالميّة في حال بقيت الأمور في السّوق على ما هي عليه لجهة العرض والطّلب.
يختم المصدر بأنّ العلاقة بين واشنطن والرّياض قطعَت شوطاً كبيراً في التّحسّن، خصوصاً بعد الخطوات السّعوديّة، وأنّ الولايات المُتّحدة أظهرت أخيراً للمملكة التزاماً واضحاً بأمنها على اعتبارها شريكاً استراتيجيّاً لا شريكاً نفطيّاً، كاشفاً عن اتفاق الوفد مع القيادة السّعوديّة على تكثيف اللقاءات بين فريقَيْ الأمن القوميّ لكلا البلدَيْن.
الطريق طويلة، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. نحن على أعتاب الخطوات الأولى، ليس إلّا.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…