طهران وتل أبيب.. صواريخ تصويب المسارات!

مدة القراءة 6 د

لم تكن الغارات المتتالية، التي شنّها سلاح الجوّ الإسرائيلي على قواعد ومراكز لحرس الثورة الإسلامية الإيراني داخل الأراضي السورية، من باب الحرص الإسرائيلي على منع وصول شحنات أسلحة صاروخية دقيقة ونقلها أو تسليمها للحزب، أو كما قيل في بعض التسريبات لإحباط مخطّط لاستخدام الطائرات المسيّرة لشنّ هجوم داخل العمق الإسرائيلي، بل كانت الرسالة لهذه الغارات واضحة، وكان من المفترض أن تكون متدرّجة للوصول إلى الهدف منها، وهو جرّ النظام الإسرائيلي ومؤسّسته العسكرية إلى الدخول في مواجهة مباشرة تعيد خلط الأوراق وتوقف أو تعطّل مسارات التسوية التي بدأتها طهران مع محيطها العربي، وإمكانية التوصّل إلى تفاهمات أو اتفاق مرحليّ مع الإدارة الأميركية حول أنشطة تخصيب اليورانيوم مقابل تعطيل جزء من العقوبات الاقتصادية.

الرسائل المتبادلة
وإذا ما كانت الغارات، التي قامت بها القيادة الإسرائيلية على القواعد والمقرّات التابعة لحرس الثورة في سورية، تهدف في جانب منها إلى تخفيف وطأة وآثار الأزمة الداخلية التي اندلعت نتيجة الأزمة القانونية والقضائية، إلّا أنّ الرسالة الإسرائيلية كانت وتبقى باتجاه طهران، وتقول للداخل والخارج إنّ ما تواجهه تل أبيب من تحدّيات أمنية وعمليات متنقّلة واستنزاف مستمرّ داخل أراضي الضفّة الغربية، والتصعيد الذي تمارسه الفصائل الفلسطينية الحليفة أو المتحالفة مع إيران (حركتا الجهاد وحماس) في الضفة وقطاع غزّة، يشكّلان أعمالاً تصبّ في إطار المصلحة الإيرانية واستراتيجية النظام لتعطيل الأهداف الإسرائيلية في التأثير على مساعي طهران إلى تطبيع علاقاتها مع محيطها الإقليمي والانتقال إلى تسييل الاستثمارات التي وظّفتها على مدى العقود الماضية من أجل تثبيت وتكريس دورها ونفوذها وشراكتها في المعادلات الإقليمية والدولية، خاصة بعد الفرصة التي وفّرها الاتفاق الثلاثي الذي توصّلت إليه إيران مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية والذي أربك طموحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ورهاناته على بناء جدار مواجهة أو “دفرسوار” عربي أمام إيران. إذ جاء التوقيع على خريطة الطريق أو خطة العمل المشترك بين وزيرَي خارجية البلدين الأمير فيصل بن فرحان وحسين أمير عبدالليهان تحت المظلّة الصينية لينهي أيّ رهان على إمكانية العرقلة أو تحقيق خرق يعيد العلاقة بينهما إلى ما قبل الاتفاق.

تستمرّ طهران في تقديم مؤشّرات إلى جدّية نواياها الانفتاح على الجوار الخليجي، ولعب دور إيجابي في حلّ الأزمات في الإقليم التي كانت جزءاً منها

حسابات نتنياهو وبيدر التطورات
لم تتوافق حسابات نتانياهو مع حساب بيدر التطوّرات، فإذا ما كان يعتقد بإمكانية جرّ النظام الإيراني من خلال إحراجه إلى ردّ يفتح الطريق أمام مواجهة مباشرة قد تكون تل أبيب تنتظرها وتريدها لتوسيع دائرة النار خارج الحدود السورية من خلال الانتقال إلى هدفها النهائي، وهو استهداف المنشآت النووية والاستراتيجية داخل الأراضي الإيرانية بعملية منفردة ومن دون تعاون مع الإدارة الأميركية وقوات قيادة المنطقة الوسطى “سنتكوم”، حسب أكثر من موقف وتصريح لمسؤولين كبار في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فإنّ النظام الإيراني في المقابل لا يرى مصلحة في الاستجابة للاستفزازات والتحدّيات الإسرائيلية، فهو لا يريد التفريط بما استطاع تحقيقه من خروقات في الجدار الذي بدأ يتشكّل حوله إقليمياً، وأهمّها التوصّل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية وترسيخ تفاهمات متقدّمة مع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة والبدء بترميم العلاقة مع مملكة البحرين، فضلاً عن التطوّرات التي حدثت على مسار العلاقات السورية العربية، وكذلك تكريس شراكته في الحوارات والمفاوضات التركية السورية برعاية روسية.
هي تطوّرات وخطوات تريدها طهران للتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية تساعد على تفكيك الضغوط الأميركية التي عملت واشنطن على توظيفها لوضع العراقيل أمام استئناف الحوار والتفاوض حول البرنامج النووي. وبالتالي فإنّ الحفاظ على ما تحقّق حتى الآن سيسمح للنظام الإيراني في حال العودة إلى التفاوض النووي مع واشنطن بالدفاع عن السقوف التي حدّدها لهذه المفاوضات، وإفراغ المطالب الإسرائيلية وشروط تل أبيب على أيّ مفاوضات حول الأنشطة الإيرانية.

يبدو أنّ الطرف الإيراني فهم وأدرك أبعاد الرسالة الإسرائيلية، لكنّه استبعد خيار الانتقام المباشر، وذهب إلى ترك الخيار للقوى الحليفة له في إشغال تل أبيب

الهروب باتجاه سوريا
هذا الهروب الإسرائيلي باتجاه سورية من خلال الغارات التي استهدفت قواعد إيرانية وأدّت إلى سقوط قتلى في صفوف ضباط حرس الثورة، أرادته تل أبيب رسالة رادعة لطهران تحمِّلها فيها مسؤولية ما تشهده الضفة الغربية من مواجهات وعمليات. وكانت تأمل أن يكون هذا التصعيد المدروس بمنزلة إنذار للنظام الإيراني بعدم اللعب بالمعادلة الداخلية وعدم استثمار ما حقّقه من تقدّم في إعادة ترميم علاقاته الإقليمية العربية، التي قد يستخدمها في محاصرة الهواجس الإسرائيلية وتوظيفها على طاولة التفاوض مع واشنطن.
يبدو أنّ الطرف الإيراني فهم وأدرك أبعاد الرسالة الإسرائيلية، لكنّه استبعد خيار الانتقام المباشر، وذهب إلى ترك الخيار للقوى الحليفة له في إشغال تل أبيب، وذلك لإبعاد شبح المواجهة المباشرة التي إن حصلت فلن يكون قادراً على استخدام الساحات الحليفة بحرّيّة، خاصة في ظلّ حالة التهدئة القائمة مع الجوار العربي.
هنا يصبح خيار التصعيد الذي انطلق من الحدود اللبنانية الجنوبية والصواريخ التي أُطلقت باتجاه الجليل، والتي ترافقت مع تصعيد صاروخي من قطاع غزّة، بالإضافة إلى العمليات المتنقّلة في الداخل الإسرائيلي الموزّعة بين الضفة وأراضي 1948، بمنزلة ردّ إيراني ورسالة واضحة، من دون أن تتحمّل طهران المسؤولية المباشرة عنها، بأنّ هذه القوى والفصائل قادرة على فتح جبهات مباشرة معه وأن تُدخله في حرب متعدّدة الجبهات قد تمنعه أو تعرقل طموحاته في توجيه ضربة مباشرة لإيران. ولعلّ إشارة الأمين العام للحزب ليل الجمعة في 8 آذار 2023 إلى ترابط ما يحدث في الضفّة والقطاع وجنوب لبنان مع الغارات الإسرائيلية على سورية، مؤشّر واضح إلى أبعاد هذه الرسالة التي انطلقت بالتزامن من جنوب لبنان وقطاع غزّة.

إقرأ أيضاً: تسعير الجبهات: الثمن الإسرائيليّ في الجنوب السوريّ

فيما تستمرّ طهران في تقديم مؤشّرات إلى جدّية نواياها الانفتاح على الجوار الخليجي، ولعب دور إيجابي في حلّ الأزمات في الإقليم التي كانت جزءاً منها، وترجمة اللقاء بين وزير خارجيّتها ونظيره السعودي في بكين الذي توصّل فيه الطرفان إلى اتفاق على هدنة دائمة في اليمن وإطلاق مسار حواريّ بين القوى المعنيّة بالأزمة يؤسّس لحلّ نهائي، يبدو أنّ القيادات الإسرائيلية العسكرية الحالية والسابقة، حتى السياسية، قد التقطت أبعاد الرسالة من هذا التصعيد التي تتمثّل في أّن تل أبيب ستكون في مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، وأنّ أيّ حسابات خاطئة ستؤدّي إلى صراع قد يخرج عن نطاق السيطرة ويغيّر منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وقد نقل الإعلامي الإسرائيلي باراك رافيد عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قوله إنّ “المصلحة الإسرائيلية هي إبقاء الحزب خارج المعادلة، وللقيام بذلك يجب أن يظلّ ردّ إسرائيل مركّزاً على حركة حماس”.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…