سُنّة لبنان ما لهم وما عليهم

مدة القراءة 7 د


تنتشر من جديد الشائعات أنّ لودريان عائد في 17 تموز، وأنّه بعد التشاور مع الدول الأربع أو الخمس سيدعو إلى طاولةٍ للحوار الوطني للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. فهل الفكرة مطروحة فعلاً؟ وإذا كانت كذلك فمن يدعو إليها من الفرقاء السياسيين ويرأسها؟ أوّل ما يرد على الخاطر الرئيس نبيه برّي، لكنّه صار فريقاً وعنده مرشّح محدّد مع الحزب. ومن الجهة المسيحية هل تكون هناك حماسة للفكرة، وبخاصّةٍ أنّ الفرقاء المسيحيين الرئيسيين يرون كما أعلنوا أنّ الدستور يحدّد موطن الانتخاب في مجلس النواب، وفي دوراتٍ متتالية إلى أن يتمّ الانتخاب؟

من يمثل السُنّة على الطاولة؟
إنّ المقصد من هذه المقدّمة التساؤل عن موقع ودور أهل السُّنّة في سائر هذه الأفكار على مشارف الانتخاب. معظم أهل السُّنّة نوّاباً وغير نوّاب مع الطائف، وآليّة انتخاب رئيس الجمهورية وفق الطائف هي في مجلس النواب. وإذا كان يُراد إجراء حوار وطني فمن المنطقيّ أن يكون بعد تكوين السلطة، أي بعد انتخاب الرئيس. وسواء كان الحوار الوطنيّ قبل انتخاب الرئيس أو بعده، فإنّ الفرقاء السياسيين ذوي القوّة التمثيلية لدى الشيعة والمسيحيين معروفون، فمَن هو الفريق السنّيّ على هذه الطاولة المستديرة؟ دورة الاقتراع الثانية عشرة في مجلس النواب ما أظهرت فريقاً سنّيّاً أو فريقين، بل كان هناك تشرذم إلى أربعة فرقاء أو أكثر. ولا يستطيع أيٌّ من هؤلاء الفرقاء أن يدَّعي القوّة التمثيلية المرتجاة. ويعطي النوّاب السُّنّة الذين سألتُهم أهميّةً لرئاسة الحكومة بقدر رئاسة الجمهورية. ولا يقبلون حواراً من أيّ نوع يجري التعرّض فيه للطائف باتجاه التغيير أو التعديل، بل كلُّ ذلك يمكن التفكير فيه بعد تكوين السلطة بالرئاسة والحكومة. وليس هناك اليوم توازُنٌ لعدم وجود المرجعية السنّية التي ينبغي أن تكون مؤهَّلةً من حيث القدرة والخبرة وقوّة التمثيل لإحداث هذا التوازن الضروري في الحياة الوطنية والعيش المشترك.

السعوديون اليوم، وهم في مجموعة الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني، مع وحدة لبنان واستقراره، ومن ضمن ذلك السُّنّة

هكذا أولى مسؤوليّات أهل السُّنّة أو نوّابهم هو السعي الحثيث إلى اجتماع الكلمة بحيث يكون للأكثرية المجتمعة أن تكتسب دوراً معتبراً في انتخاب الرئيس، وبالتالي في تشكيل الحكومة المقبلة وتكليف رئيسها. هل اجتماع الكلمة أو الأكثريّة ممكن؟ هو بالطبع ممكن بل مرجَّح لأنّ هناك عدّة تكتّلات صغيرة أو متوسّطة، وإذا توافق تكتّلان أو ثلاثة على الاجتماع في انتخاب الرئيس، وفي ترشيح رئيس الحكومة والتحادث بشأنه مع الآخرين فيكون ذلك خطوةً واسعةً باتجاه استعادة الدور، وبالتالي استعادة التوازن، وهو الأمر الذي يخدم الحياة الوطنية في الحاضر والمستقبل.

استعادة التوازن الوطني
الملاحَظ في الفضائيّات والمواقع الإخبارية في الأسابيع الأخيرة المناقشات المستفيضة في موضوع الفدرالية. ومع أنّ المشاركين في الحوارات وكتابة الدراسات أفراد، فالمفروض أنّ هناك جهات دافعة. والأمر على كلّ حال هو من حقوق المواطنة والحرّية. لكنّنا نختلف في المبادئ والأهداف، ونلاحظ أنّ الضحية الأولى في كلّ هذه المناقشات إنّما هو ميثاق الوفاق الوطني والدستور. لكنّني أودُّ الملاحظة أيضاً وأيضاً أنّ حزب القوات اللبنانية أصدر بياناً واضحاً بشأن الالتزام بميثاق الوفاق الوطني والدستور وآليّتهما لانتخاب الرئيس في مجلس النواب، وكلُّ من يحيد عن ذلك يريد الخروج عليهما وعلى العيش الوطني الجامع. وبعد يومين ردَّ الحزب ببيان جاء فيه أنّه لا يسعى إلى أن يغيّر ولو حرفاً واحداً من الدستور وبالأمس عبّر الرئيس برّي على طريقته رفضه التام لأيّ تعديل دستوري. وفي هذا المنحى ما يدعو للتفاؤل والتشجيع. الحزب مستنفَر للوصول إلى شرعنة سلاحه وتقنينه. والمسيحيون مستنفَرون لأنّهم لا يقبلون الغلبة واستمرار اختلال النظام بالإصرار من جانب الثنائي الشيعي على عدم الخضوع للدستور في امتلاك السلاح، وانتخاب رئيس الجمهورية.
إنّ هذا هو الدور الآخر للسُّنّة في سياق استعادة التوازن في النظام، لأنّهم بذلك يعودون لدورهم الوطني في تشكيل اللحمة الوطنية التي تستطيع العمل استناداً إلى وحدتهم الداخلية، ويسهمون في إيقاف الانقسام والتوصّل إلى حكومةٍ متوازنةٍ أيضاً، لأنّها هي السلطة التنفيذية أو الإجرائية التي تطبّق الشراكة في إدارة الشأن العامّ.

عروبة لبنان
فلننظر في المسائل الأخرى قبل العودة للشأن الداخلي. لبنان عربي الهويّة والانتماء بحسب مقدّمة الدستور. ولذلك شأن السُّنّة
مثل شأن كثرة من المسيحيين في اعتبار العلاقات العربية، وبخاصّةٍ مع المملكة العربية السعودية، عملاً أساسياً في التوازن المنشود. لقد كان الأمر على هذا النحو في تاريخ لبنان الحديث، وكان كلّ نزاعٍ سياسيّ أو أمنيّ يستهدف أوّل ما يستهدف البُعد العربي للبنان. ونحن نشهد التدخّل الإيراني الذي هدَّد وحدة البلاد واستقرارها، وأبعد العرب عنها. فمن الطبيعي التوجُّه لتصحيح الوضع. فليس للسعوديّة ولا لمصر مثلاً ميليشيا في لبنان، ولا تريد التدخّل السلبي في شؤونه. السعوديون اليوم، وهم في مجموعة الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني، مع وحدة لبنان واستقراره، ومن ضمن ذلك السُّنّة، وقد تدخّلوا في السابق لإحقاق هذا الهدف: الوحدة والاستقرار، وأهمُّ مرّات التدخّل هي دعوة النواب إلى الاجتماع في مدينة الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب وصنع الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تجلّت آثاره في ميثاق الوفاق الوطني والدستور وإعادة إعمار البلاد في التسعينيات، وبعد الحرب على لبنان عام 2006. هم يقولون اليوم إنّهم مع لبنان على الصُعُد كافّة، ويريدون أن يتوحّد اللبنانيون من وراء مؤسّساتهم الدستورية، التي أُعيد تشكيلها في الطائف. خبراء الدساتير والقانون الكبار يقولون إنّ دستور الطائف ما يزال أفضل الصيغ لإدارة المجتمعات المتنوّعة.

اتحاد الجمعيات الأهلية
ملفّات أهل السُّنّة الأُخرى وهي لا تقلُّ في الأهميّة عمّا سبق: التعليم والمؤسّسات الاجتماعية. عندنا قصورٌ وعجزٌ مؤثّران في الحاضر والمستقبل. لا بدّ أن نتحرّك في الدواخل للتضامن وسدّ الحاجات والنهوض من الكبوات. وبالطبع نذهب دائماً إلى العرب كما كنّا نفعل من قبل. لا ينقصنا المال فقط، وقد ظهرت جهاتٌ عديدةٌ فاعلةٌ، سواء في المجالات الاجتماعية أو في مجال التعليم. إنّما غياب الدولة واختلالات السنوات الماضية في سياساتها الماليّة والتنموية وضعف العلاقة مع العرب، كلّ ذلك يجعل من المسألة السياسية جزءاً أساسيّاً في إصلاح الأوضاع الاجتماعية والتعليمية. والإدارة الذاتية في المجتمعات الحديثة تظلُّ قاصرةً، إن لم تكن غير ممكنة، والمؤسّسات الخيرية مهما بلغت فعّاليّتها لا تحلُّ محلَّ الدولة، ولا محلّ العرب، وهي لسوء الحظ تُعاني الآن من الضعف ونقص الاستثمار فيها.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن للسنّة التغلّب على الأوهام؟

كيف يمكن الاتجاه إلى الفعل؟ سمعتُ كلمة مفتي الجمهورية عندما عاد من الحجّ، وكانت كلمةً مؤثّرة. وعلى المستوى السياسي يتقدّم النواب الأفراد والتكتّلات لصنع الإدارة الجديدة. وعلى المستوى الاجتماعي تتقدّم الجمعيات التعليمية والاجتماعية لتشكيل اتّحادٍ يصنع الفرق الذي ننتظره جميعاً. ليست هذه آخِر الدنيا، فخلال مئةٍ وخمسين عاماً، كان هذا العقد من المؤسّسات التعليمية والاجتماعية مؤسِّساً وبانياً ومطوِّراً. وقد دعت إلى الإنشاء الاحتياجات والطموحات آنذاك، وهي اليوم أشدّ وأدهى. إرادة النهوض هي التي دفعت في الماضي إلى توليد المؤسّسات وتنظيمها ومدّ نشاطاتها واهتماماتها وتطويرها. وللزمن الحاضر احتياجاته وضروراته الجديدة التي يجب تلبيتها اليوم قبل الغد.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: RidwanAlsayyid@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…