في الذكرى السنوية الثالثة عشرة لرحيل المرجع الديني السيّد محمد حسين فضل الله (الرابع من تموز من عام 2010) نستعيد بعض الأفكار المهمّة التي طرحها وأثارت الكثير من النقاشات، سواء داخل البيئة الإسلامية أو خارجها، والتي تؤكّد عقله الاستشرافي ورؤيته المستقبلية الثاقبة التي نحتاج إليها اليوم في مواجهة التحدّيات المختلفة الداخلية والخارجية.
سأتحدّث عن ثلاث نقاط مركزية طرحها في كتاباته ومن خلال فتاويه وأفكاره وطروحاته الفقهية، تتناول الموقف من الدولة والدعوة إلى الحوار والتجديد الفقهي الذي يدعم الوحدة الاسلامية والإنسانية.
– أوّلاً، على صعيد الموقف من الدولة والانخراط في مؤسّساتها وكيفية التعاطي معها: كان السيّد فضل الله من أوائل علماء الدين الذين دعوا إلى الانخراط في مؤسّسات الدولة واعتبار قيام الدولة هو الهدف الأساسي لأيّ حراك شعبي أو تغييري أو ثورويّ. وقد برزت مواقفه الجريئة في عدّة محطّات مهمّة، منها النقاش في شأن الثورة الإسلامية في إيران والصراع الذي شهدته بين الثورة والدولة، الذي كان موقفه فيه حاسماً بأنّ قيام الثورة هدفه قيام الدولة وعندما تقوم الدولة تتراجع الثورة. وكانت له مقالات عديدة في هذا المجال، ولاحقاً في ذروة انطلاق العمل الإسلامي في لبنان، ولا سيما في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، وعلى الرغم من أنّ مؤسّسات الدولة في لبنان كانت متراجعة بسبب الحرب وانتشار الفوضى، دعا السيّد فضل الله إلى الانخراط في مؤسّسات الدولة والالتزام بقوانينها وإقامة المؤسّسات بعد الحصول على ترخيص رسمي، وأكّد أهميّة المشاركة في الانتخابات ودخول سلك الدولة، وأثارت مواقفه التي كانت تُنشر في مجلّة “المنطلق” الإسلامية الكثير من ردود الفعل السلبية آنذاك، لكن تمّ الالتزام لاحقاً بما طرحه، وكان السيّد فضل الله يدعو دوماً إلى الالتزام بالقوانين وحفظ النظام العامّ، ويرفض الفوضى مهما كانت الأسباب، ويؤكّد ضرورة العمل في إطار الدولة ومؤسّساتها.
كان السيّد فضل الله من أوائل علماء الدين الذين دعوا إلى الانخراط في مؤسّسات الدولة واعتبار قيام الدولة هو الهدف الأساسي لأيّ حراك شعبي أو تغييري أو ثورويّ
– ثانياً، على صعيد الدعوة إلى الحوار: كان هذا نهجه الدائم، سواء في القضايا الفقهية أو العقائدية أو الفكرية أو السياسية أو الحزبية، وكانت له مقولة شهيرة: الحقيقة بنت الحوار. وقد التزم هذا النهج في حياته كلّها، في الدروس الخاصة وفي اللقاءات السياسية والفكرية، وكان يؤكّد دوماً أنّ الله عزّ وجلّ حاور إبليس، وأنّ القرآن الكريم نقل لنا تفاصيل الحوار بين إبليس والله عزّ وجلّ ليؤكّد لنا أهميّة الحوار وضرورته للوصول إلى الحقيقة. وكان من دعاة الحوار مع العلمانيين واليساريين والشيوعيين وأصحاب الأفكار المتناقضة مع الدين، وتبنّى الحوار الإسلامي- المسيحي، وأصدر عدّة كتب في هذا الشأن، إضافة إلى دعم الحوار الإسلامي- الإسلامي، إذ حاور السلفيّين ونشر هذا الحوار المهمّ في صحيفة عكاظ السعودية ونال جائزة مهمّة من جوائز الإعلام العربي، والتقى السيّد فضل الله شخصيّات عربية وأجنبية، وكان يحاور الصغير والكبير، ولم يكن لديه أيّ تحفّظ على أيّ سؤال يوجَّه إليه في دروسه ومحاضراته. وكان لهذا النهج دور مهمّ في تعزيز علاقاته مع كلّ الأطراف والجهات.
– ثالثاً، في شأن التجديد الفقهي الذي يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والإنسانية والإسلامية: هو من الذين تبنّوا فتوى طهارة الإنسان ورفض نجاسة الكافر أو المشرِك، وهذه الفتوى مهمّة على صعيد التواصل الإنساني. وفي تحديد موعد الغروب أكّد على الحكم الشرعيّ القائل بأنّ موعد الغروب هو موعد سقوط قرص الشمس في البحر وليس غياب الحمرة المشرقيّة. وهذه الفتوى توحّد موعد الإفطار وموعد إقامة صلاة المغرب. تبنّى أيضاً الفتوى المتعلّقة برؤية الهلال وفقاً للعلوم الفلكية وليس للرؤية البصرية، وهو ما يمكّن العلماء من تحديد مواعيد ظهور الهلال لسنوات طويلة. وهذه الفتوى يمكن أن تحلّ مشاكل عديدة على صعيد تحديد بداية شهر رمضان المبارك وعيدَيْ الفطر والأضحى.
إقرأ أيضاً: محمد حسين فضل الله (1): مرجع مجدّد واجه التخلّف والمذهبية
هذه بعض النماذج من الأفكار الاستشرافية والمستقبلية للمرجع الديني الراحل السيّد محمد حسين فضل الله التي ستساعدنا اليوم على تجاوز الكثير من التحدّيات في حال الالتزام بها وتؤكّد أهميّة الحوار والتوافق العربي والإسلامي الذي بدأنا نشهد بعض تجلّياته أخيراً. ومن هنا أهميّة العودة لفكر السيّد فضل الله وغيره من العلماء المجدّدين كالإمام موسى الصدر والإمام محمد مهدي شمس الدين والمرجع السيّد محسن الأمين وغيرهم من العلماء ورجال الدين.
لمتابعة الكاتب على تويتر: KassirKassem@