الصين “تهاجم” الغرب “تقنياً”: هل بدأت الحرب؟

مدة القراءة 6 د


فرضت الصين، الإثنين الفائت، قيوداً على تصدير عنصرين مهمّين في صناعة أشباه الموصلات والمكوّنات الإلكترونية. ووصف الإعلام الغربي خطوتها هذه بأنّها ردّ صينيّ “قاسٍ” و”مفاجىء” على القيود التي فرضها الغرب على مبيعات الرقائق وتقنيّاتها إلى الصين.

هذا وأصدرت وزارة التجارة الصينية بياناً أعلنت فيه أنّ بكين قرّرت فرض ضوابط على تصدير مادّتَيْ “الغاليوم” و”الجرمانيوم”، بالإضافة إلى بعض المركّبات التي تحتوي على هذين العنصرين النادرين.

هذا الأمر يعني أنّ أيّ جهة، إن كانت أفراداً أو شركات، سيتعيّن عليها الحصول على موافقة مسبقة من وزارة التجارة الصينية من أجل استيراد هاتين المادّتين.

ذكر بيان وزارة التجارة الصينية أنّ هذا الإجراء “ضروري من أجل حماية الأمن والمصالح الوطنية”، كاشفاً أنّ الفرض سيدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من أوّل شهر آب.

يرجّح الخبراء أن يكون الإجراء الصيني المفاجىء قد جاء ردّاً انتقاميّاً على الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وشركاؤها على صادرات التكنولوجيا إلى الشركات الصينية، من أجل تقييد تكنولوجيا معالجة الرقائق المتقدّمة

الجدير ذكره أنّ “الغاليوم” و”الجرمانيوم” هما مادّتان تهيمن الصين في تصديرهما عالمياً. إذ تصدّر قرابة 60% من “الجرمانيوم”، بحسب ما يكشف “تحالف الموادّ الخام”، بينما بقيّة الـ40% تُصدَّر إلى العالم من كندا وفنلندا وروسيا والولايات المتحدة. أمّا الغاليوم فالصين تهيمن على صادراته بشكل أكبر عالميّاً، إذ تقدَّر نسبة تصديرها لتلك المادّة بنحو 80%، بينما ينافسها عدد قليل جدّاً من الشركات في العالم، واحدة منها في أوروبا، مع الحفاظ على الجودة نفسها.

“الجرمانيوم” مادّة مهمّة جدّاً لصناعة الألياف الضوئية، وبصريات الأشعّة تحت الحمراء، والخلايا الشمسية، والصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LEDs)، وكلّها تدخل في الصناعات العسكرية، وخصوصاً صناعة صواريخ “الباتريوت” الأميركية والرادارات العسكرية. بينما مادة “الغاليوم” تشمل الصناعات الخاصّة بالموجات الدقيقة. وأهمّ المستوردين لهما هي شركات الأسلحة الأميركية، مثل “رايثون” و”لوكهيد مارتن”.

حرب تكنولوجيّة.. حرب الرقائق

يرجّح الخبراء أن يكون الإجراء الصيني المفاجىء قد جاء ردّاً انتقاميّاً على الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيين على صادرات التكنولوجيا إلى الشركات الصينية، من أجل تقييد تكنولوجيا معالجة الرقائق المتقدّمة في إطار التسابق على تكنولوجيا الذكاء الصناعي، خصوصاً بعدما اتهمت واشنطن غريمتها الصين، بمحاولة الهيمنة على هذه التكنولوجيا من خلال تصنيع الرقائق الإلكترونية، عصب الصناعات الحديثة.

وقد نجحت واشنطن مؤخراً في استمالة الحلفاء في أوروبا وآسيا إلى جانبها، وعلى رأس هؤلاء هولندا، التي فرضت الأسبوع الماضي، أيضاً، ضوابط مشابهة طالت الشركة الهولندية”ASML”  التي تصنع آلات لصناعة رقائق الكمبيوتر المتقدمة، وهي الشركة الوحيدة في العالم التي تمتلك هذا النوع من التكنولوجيا، ومنعتها من بيع صناعاتها للزبائن الصينيين.

كان يُنتظر أن تدرس واشنطن فرض المزيد من القيود على تصدير الرقائق المتقدّمة المستخدمة في معالجة الذكاء الصناعي إلى الصين. لكن يبدو أنّ الولايات المتحدة تراجعت عن تلك الخطوة التصعيدية، في محاولة لتهدئة الأجواء مع الصين، خصوصاً بعد “أزمة المناطيد” التي تلتها موجة تصريحات قاسية من الرئيس الأميركي جو بايدن ضدّ الصين، التي اعتبرتها استفزازية.

من أجل ترطيب الأجواء، أوفد بايدن قبل نحو أسبوعين وزير خارجيّته أنتوني بلينكن إلى بكين في زيارة كانت الأولى لدبلوماسي أميركي رفيع المستوى منذ نحو خمس سنوات.

أوفد بايدن الأربعاء وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى بكين أيضاً، في مهمّة وصفتها واشنطن بأنّها محاولة لخلق إدارة “مسؤولة” للعلاقات بين القوّتين المتنافستين.

لا ينفي الغرب مخاطر حظر المادّتين المذكورتين، ويرجّح فرضية خلق جاذبية اقتصادية تجاه المزيد من تعدين العنصرين الحيويّين، وهو ما قد يتسبّب مستقبلاً بارتفاع أسعارهما وتأثّر الصناعات الغربية

هذا ويعتبر خبراء، منهم الاقتصادي الشهير والمثير للجدل ستيف هانكي، أنّ مهمّة يلين قد تكون “مستحيلة” بسبب “الحرب الاقتصادية” التي شنّتها الولايات المتحدة بشكل مسبق ضدّ الصين.

يحاول الغرب التقليل من أهميّة الحظر الصيني المستجدّ، وتقول الأوساط الإعلامية إنّ الحظر لن يؤدّي إلى نقصٍ “فوريّ” في هذين العنصرين، لأنّهما يُنتجان على نطاق واسع في العديد من البلدان والمناطق في العالم. وتعتبر تلك الأوساط أنّ الخطوة الصينية قد لا تكون انتقامية مثلما يحاول البعض تصويرها، وإنّما هي استراتيجية تعتمدها الصين من أجل الحفاظ على إمداداتها الداخلية بحيث تكون كافية للإنتاج المحلّي الصيني، خصوصاً بعد عودة العجلة الاقتصادية الصينية إلى الدوران إثر انتهاء جائحة “كوفيد”.

لكن في الوقت نفسه لا ينفي الغرب مخاطر حظر المادّتين المذكورتين، ويرجّح فرضية خلق جاذبية اقتصادية تجاه المزيد من تعدين العنصرين الحيويّين، وهو ما قد يتسبّب مستقبلاً بارتفاع أسعارهما وتأثّر الصناعات الغربية.

بالنسبة لمادّة “الجرمانيوم”، ترجّح أوساط غربية أن تكون مخاطر حظرها أكبر من مخاطر حظر “الغاليوم”، لأنّ إنتاجها تركّز أخيراً في الصين وروسيا إلى حدّ بعيد، وربّما يكون ذلك من باب التقاطع بين موسكو وبكين:

أوّلاً: لممارسة الضغوط الصينية على واشنطن وحلفائها نتيجة العقوبات.

وثانياً: لممارسة الضغوط الروسية في إطار الردّ على تبعات الحرب في أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: مواجهة الإصلاح.. بالإهتمام بالرسوم وإهمال للضرائب

لكن مع ذلك يُتوقَّع أن تسعى الدول الغربية إلى تلافي تلك النتائج، خصوصاً إن استمرّت الصين بهذا الحظر طويلاً، وذلك من خلال التسريع بما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي عازمين على تنفيذه، وهو تشكيل “نادٍ للمعادن النادرة” يرمي إلى تنويع إمداداتها، وإيجاد آليّات جديدة من أجل تقليل الاعتماد على دول مثل الصين وروسيا.

لكنّ هذا كلّه لا ينفي أمراً بات واقعاً يفيد بأنّ الخلافات بين الصين وروسيا من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، بدأت تتصاعد متحوّلةً إلى ما يشبه “حرباً اقتصادية شاملة” تُضاف إلى التوتّرات العسكرية الواقعة في الأصل بين الأطراف كلّها.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…