فاغنر في بيلاروسيا: التفاف عسكري على أوروبا؟

مدة القراءة 5 د


انتهى تمرُّد زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوجين المزعوم في غضون 24 ساعة. ثمّ مرّ أسبوع كامل من دون أن تأتي وسائل الإعلام الروسية على ذكر تفاصيل ما حصل، أو حتى تناوُل الزعيم المتمرّد بكلمة واحدة.

كتابٌ وأُقفل… وكأنّ الغد من بعد بريغوجين هو يوم آخر. فبعدما كان شاغل الإعلام الروسي والعالمي، فجأة اختفى ولم يُسمع له صوت ولا صراخ لا شتائم في روسيا، ما خلا التسجيل الصوتي الذي صدر عنه واعتذر خلاله عن مقتل الطيّارين الروس عن طريق الخطأ، وخبراً يتيماً نُشر قبل أيام كُشف فيه أنّ بريغوجين صفّى مجموعة Patriot الإعلامية التي يسيطر عليها، بعد فصل الموظّفين وتلقّيهم إخطارات بذلك، وخبراً آخر يتحدّث عن نزوة بريغوجين إلى جمع المال التي كانت خلف ميوله “التمرّديّة”.

أمّا رسميّاً فقد أصدر مجلس النواب الروسي (الدوما) ما يشبه توصيات وجّهها إلى النواب من أجل التواصل مع القواعد الشعبية وإخطارهم بـ”المواجهة الناجحة التي قادتها السلطات الروسية ضدّ التمرّد من دون إراقة دماء”، وبـ”دور الرئيس فلاديمير بوتين” في ذلك.

انتهى تمرُّد زعيم “فاغنر” يفغيني بريغوجين المزعوم في غضون 24 ساعة. ثمّ مرّ أسبوع كامل من دون أن تأتي وسائل الإعلام الروسية على ذكر تفاصيل ما حصل

يطرح كلّ هذا سؤالاً: لماذا كانت وسائل الإعلام والتلفزيونات الروسيّة تغطّي أخبار “التمرّد” وتنقل الأحداث وعمليّات التفاوض “مباشرة” على الهواء وفجأة انقطعت عن ذلك؟

يقود الاستنتاج السريع إلى القول إنّ مَن أوعز إلى وسائل الإعلام بوقف تداول أخبار “الطبّاخ المتمرّد” هو نفسه مَن كان يدفعها إلى تغطية أخباره وتحرّكاته حتى خلال التمرّد ونقل عمليّات التفاوض معه مباشرة على الهواء.

يمتنع الإعلام الروسي اليوم عن أمرين:

1- عن وصف حركة “فاغنر” بـ”التمرّد”.

2- عن اتّهام بريغوجين بأنّه “خائن”.

يدلّ هذا على أنّ ما حصل أقصى ما يمكن وصفه به هو أنّه “تباين في وجهات النظر” بين بريغوجين والقيادة الروسية ربّما وصل إلى حدود إحراج الرئيس بوتين وتصويره ضعيفاً وغير قادر على السيطرة على مجموعة صُرف عليها مليارات الدولارات (“ريا نوفوستي” تقول إنّ ما صرفته السلطات الروسية على “فاغنر” هو 19 مليار دولار).

“ألعوبة يديرها بوتين”؟

لكن على الرغم من ذلك يبدو أنّ التنسيق أو “حبل الودّ” بين الطرفين لم ينقطع تماماً إلى اليوم، وأنّ تدخّل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو في حينه جاء ليفصل بين الطرفين ويمنع تطوّر الخلاف إلى قطيعة نهائية. بل ربّما هناك ما هو أبعد من ذلك أيضاً، وهو ما أشارت إليه “أساس” سابقاً في تقرير أعقب التمرّد المزعوم بيوم واحد (تمرّد “فاغنر”: 3 احتمالات.. أبرزها “ألعوبة” يديرها بوتين).

أصدر مجلس النواب الروسي (الدوما) ما يشبه توصيات وجّهها إلى النواب من أجل التواصل مع القواعد الشعبية وإخطارهم بـ”المواجهة الناجحة التي قادتها السلطات الروسية ضدّ التمرّد من دون إراقة دماء”

أكثر ما يدلّ على ذلك اليوم هو ردّ فعل الغرب وإعلامه الذي تحوّل أيضاً من الحديث عن التمرّد المزعوم وقرب سقوط بوتين أو هروبه، إلى البدء بالتحذير من وجود مجموعات “فاغنر” في بيلاروسيا على مرمى نحو 150 كلم من العاصمة الأوكرانية كييف، أو على الحدود مع بولندا التي تفترض سلطاتها بأنّ وجود هذه المجموعة على حدودها “ليس من أجل التعافي، وإنّما لتنفيذ مهمّة ما”، معتبرة أنّ تلك المهمّة ربّما يكون مخطّطاً لها أن تُنفّذ على أراضيها أو على أراضي ليتوانيا أو أوكرانيا من محور مختلف.

لم تكتفِ بولندا بذلك، بل أعلنت انفتاحها على نشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها من أجل ردع الخطر الروسي. أمّا ألمانيا فأعلنت أيضاً أنّها تعتزم رفع عدد عناصرها في ليتوانيا من 23 عنصراً إلى 4,000 بشكل دائم من أجل تعزيز الجناح الشرقي لحلف “الناتو”.

حتى المعارضة في بيلاروسيا أثار وجود “فاغنر” في مينسك حفيظتها، إذ اعتبرت أنّ انتقال بريغوجين مع مقاتليه إلى بيلاروسيا سيشكّل تهديداً لأوروبا، محذّرة من استخدام لوكاشينكو لهذه المجموعات لقمع المعارضين، وذلك نتيجة ضعف الرئيس داخلياً، خصوصاً بعد الحملة القاسية التي أعقبت انتخابات 2020 المتنازَع على نتائجها، والتي أفضت إلى نفي زعيمة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكا إلى بولندا وسجن زوجها.

قلق أوروبي: التفاف عسكري؟

ذهب القلق الأوروبي والغربي أبعد من ذلك، بالغاً “ممرّ سوالسكي”، وهو الممرّ البرّي الافتراضي الذي يصل طوله إلى نحو 100 كيلومتر، ويربط أراضي روسيا بمقاطعة كالينينغراد المتّصلة بأراضي روسيا الاتحادية من خلال بيلاروسيا. إذ تخشى الدول الأوروبية من تعزيز روسيا سيطرتها على هذا الممرّ الذي يعبر أراضي بيلاروسيا، فحينئذٍ ستكون منطقة البلطيق بأكملها في مرمى النيران الروسية، وهذا ما يدفع بولندا إلى افتراض وجود “فاغنر” هناك من أجل هذا الهدف.

إقرأ أيضاً: “فاغنر” السوريّة باقية: النفط “أصدقُ إنباءً”

يعني هذا أنّ الحسابات الغربية لِما سمّته “تمرّداً”، وترفض روسيا هذا الوصف له، لا تتطابق مع تطلّعات أوروبا. لأنّ هزيمة بوتين وزعزعة صورته القويّة انقلبا مكاسب استراتيجية:

– أوّلها تمكُّن بوتين من فضّ الاشتباك بين القادة العسكريين وقائد “فاغنر”.

– ثانيها تثبيت حكم حليفه لوكاشينكو وحمايته عبر “فاغنر” من أيّ انقلاب أو اعتراض داخلي، كما حدث في السنوات الأخيرة.

– ثالثها ضمان أمن الأسلحة النووية التكتيكية التي أرسلها بوتين إلى بيلاروسيا ونشرها هناك.

– رابعها تحويل “التهديد” الذي تحدّث عنه الغرب إلى تفوّق استراتيجي، وبذلك يكون بوتين قد أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد اسمه: “فاغنر”.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…