معارضة فرنجيّة حسيرة البصر السياسيّ (1/2)

2023-07-02

معارضة فرنجيّة حسيرة البصر السياسيّ (1/2)


عديدة ومتكاثرة الأسباب التي قدّمتها “معارضة التقاطعات الظرفيّة” لممانعتها وصول سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة الأولى. “المسيحية السياسية” التي أفرزتها الحرب الأهلية وتصدّرت البلد منذ عام 2005 وراحت تعرض مرةً تلو أخرى أسباباً مانعة لوصول رئيس تيار المردة كانت حسيرة البصر السياسي. كانت ذرائعها من النوع الملتوي الذي لا يرتكز على السويّة السياسية لبلد تتعاظم مشاكله منذ “لبنان الكبير” عام 1920.
“المعارضة المتقاطعة” بغلبتها المسيحية لم تقدّم أسباباً مقنعة في السياسة. فهي إلى عدم تحالفها، لم تطرح ورقة سياسية قادرة على إعادة تعريف البلد، إضافة إلى انعدام ضماناتها السياسية في إقليم كثيف التشابك سياسياً.

“المسيحيّة السياسيّة” وورثتها
“ورثة المسيحية السياسية” في الجمهورية الثانية على خطى “الأهل” الذين كانوا في الجمهورية الأولى. سنة 1952 اجتمع كميل شمعون وبشارة الخوري وفؤاد شهاب ضدّ حميد فرنجية. عام 1970 تكتّل كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إدّه ضدّ الرئيس سليمان فرنجية. كذلك فعل ميشال عون وسمير جعجع سنة 1988 ضدّ الرئيس فرنجية.
في التاريخ الحديث والقريب جدّاً تكرّر ما يشبه ذلك عام 2016 يوم تحالف عون وجعجع ضدّ سليمان فرنجية. الآن يجتمع جبران باسيل وسمير جعجع وسامي الجميّل أيضاً ضدّ سليمان فرنجية.
صحيح أنّ المسيحية السياسية المُستجدّة تعبّر عن مزاج مسيحي عريض، إنّما هذا المزاج مرتبط بـ “القائد” المسيحي. هكذا هي أحوال الثلاثي: جبران باسيل ، سمير جعجع، سامي الجميّل.

بين المرشّحين الرئاسيَّين سليمان فرنجية وجهاد أزعور أفضلية واحدة لكلّ منهما. الأوّل هو الأكثر تميّزاً بين التقليديين. والثاني الأفضل بين التجديديّين

أحوال الثلاثيّ المسيحيّ
1- باسيل لا يريد فرنجية لأنّه يعتبر أنّ الرئاسة من حقّه لأنّه الأكثر تمثيلاً. يتناسى أنّ حجم كتلته ملتبس من حيث شرعيّتها المسيحية لأنّها تشكّلت من دعم حلفاء كالحزب والحزب السوري القومي الاجتماعي. الأخيران يعارضانه لأنّ مرشّحهما هو فرنجية استناداً إلى وعد يعرفه رئيس التيار العوني، ويعرف أنّ الرصيد السياسي لرئيس المردة رفعه الحزبان إلى مستوى قياسي بسبب ما يجمعهما مع الرئيس بشار الأسد.
2- قد يكون لجعجع الحقّ من بين القوى المسيحية أن يتحدّث عن “تمثيل مسيحي” ثابت باعتباره الأقدم من الأحياء في المقاومة المسيحية المسلّحة. لكنّ رئيس القوات اللبنانية يردّ أسباب اعتراضه إلى ماضٍ بغيض ينشطر إلى جزءين:
ـ الأوّل اغتيال عائلة فرنجية والتباساته، على الرغم من أنّ المرشّح الرئاسي صافح وسامح منذ زمن وقبل أن يكون موضوع الرئاسة مطروحاً. سليمان فرنجية هو الذي سامح وعفا عن مرتكبيها متنقلاً من بيت إلى بيت من أهالي الضحايا واضعاً مسامحته الأليمة مقابل مسامحتهم فلا يجدون غير القبول بقلب مذبوح. مهما بلغ وجعه لا يقارن بوجع “البيك”.
ـ أمّا الشطر الثاني الذي يرتكز عليه وريث بشير الجميّل فهو علاقة فرنجية مع سوريا التي لم ترشّحه في ذروة سيطرتها على لبنان.
بمعنى من المعاني كان للمرء أن يحسب حساباً لعقلانية جعجع و”تكتيكه السياسي” في تقديره لمعنى العلاقة مع سوريا راهناً والانفتاح العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية. هذا لم يحصل. ما حصل فعليّاً أنّ جعجع استعاد ماضياً كان اعتقد لبنانيون كُثر أنّه انقضى؟ ماذا لو أُعيد الآن نبش ماضي علاقة جعجع مع إسرائيل واستخباراتها رداً على الدور المسلّح الفلسطيني في الحرب الأهليّة؟
3- أمّا على صعيد حزب الكتائب، فإنّ في وسع سامي الجميّل الزعم أنّه “ضمير” المسيحية السياسية في أطوارها الأولى، لكنّ هذا حديث غابر عن غابر.
لا يملك هذا الحزب رافعة سياسية تجعل من حقّ “فتى الكتائب” ورئيسها ادّعاء “التمثيل المسيحي”، ذلك أنّ حجم كتلته النيابية واضح. بعدما ترأس ما بقي من حزب الكتائب بعد سلسلة من الانشقاقات والتحوّلات.
لقد بات أداء الجميّل مربكاً لكلّ متابع. حيناً يذهب إلى اليسار من دون أن يغادر اليمين. وأحياناً يتحدّث عن وطنية لبنانية، وما يلبث أن يرتدّ إلى التمسّك بـ “الفدرالية” تمسُّكه بالحياة.
سامي الجميل لا يلفظ كلمة “الطائف” لا تأييداً لانّه يرفضه منذ توليه القيادة، ولا رفضاً تحسباً للمواجهة مع المسلمين.

صحيح أنّ المسيحية السياسية المُستجدّة تعبّر عن مزاج مسيحي عريض، إنّما هذا المزاج مرتبط بـ “القائد” المسيحي. هكذا هي أحوال الثلاثي: جبران باسيل ، سمير جعجع، سامي الجميّل

حقيقة الاعتراض
إبّان سنوات الحروب الأهلية الملبننة، كان تمجيد الكراهية ينتسب إلى فصاحة إنشائية سيّئة. كان ينهض على الغريزة لا على العقل، كأن تخصّص كلّ الأطراف في صُحفها ومجلّاتها فصلاً تحت عنوان “إعرف عدوّك”. تبدّل العالم اليوم. صار مبنيّاً على علاقات اقتصادية وشراكات، إضافة إلى تقاطعات حداثوية.
في الأثناء، لا تني مشاكل لبنان تتشابك طولاً وعرضاً. كان بعضها منذ تشكيل الكيان عام 1920. واستجدّ بعضها الآخر، وأكثرها فجاجة سلاح الحزب. وبين الأمرين صارت تُستدعى ثقافة الفصل والتقسيم والفدرالية. وكلّ هذه الثقافة تعني إعلاناً مضمراً بين اللبنانيين لاستحالة العيش المشترك، وهو ما يطيح بإحدى أهمّ ركائز الطائف.
يخوض الكلّ “حرب وجود”. هذا الكلّ لا يعرف إلى السياسة طريقاً. الدرب الوحيد هو “الحرّية الحمراء” التي لا يُدقّ بابها إلا بـ “اليد المضرّجة”.
يتناسى الذين يعيبون على فرنجية علاقته بسوريا، وهي “نقيصة” يوم كانت الأخيرة تحتلّ لبنان، أنّ الجيش السوري دخل بناء على طلبهم، وأنّ جهودهم “الوطنية” و”فضائل” مغامراتهم أدّت إلى سقوط بيروت تحت الاحتلال مع رفع العلم الإسرائيلي في القصر الجمهوري.
الأجدى بكلّ اللبنانيين القطع المعرفيّ مع الماضي الحربي. فقد استولت على البلد أعلام كثيرة. وفي الحالات كلّها دلّ هذا على غياب لبنانيّة الجميع.
الاعتراض الحقيقي عند ورثة “المسيحية السياسية” هو اتّهام تقليدي لفرنجية بـ “نقص” في لبنانيّته، لا لشيء إلا بسبب متانة علاقته بالمسلمين وتشعّب علاقاته العربية مع صلات دولية لا بأس بها، لكنّها لا تضاهي ما يتحصّل عليه أزعور بسبب من طبيعة “عمله الدوليّ”.

أفضليّة لفرنجيّة ومثلها لأزعور
بين المرشّحين الرئاسيَّين سليمان فرنجية وجهاد أزعور أفضلية واحدة لكلّ منهما. الأوّل هو الأكثر تميّزاً بين التقليديين. والثاني الأفضل بين التجديديّين.

إقرأ أيضاً: الحزب يمهّد: فرنجيّة أو النظام

فرنجية من صلب النظام. وهذا قد يُسجّل له أو عليه. لكنه ضمانة دستورية حقيقية. هو ضمانة لاتفاق الطائف لأنه الأوضح بإعلانه التمسّك به من على بوابة الصرح البطريركي مرّتين متتاليتين. أمّا أزعور فقد ولجه وزيراً عندما كان البلد ينام على شيء ويصحو على غيره. التسييس الذي يحوزه الأوّل فيه مصلحة مرئية للمسيحية السياسية ودورها بالنظام. فالرجل قادر على حلّ مشاكل فعليّة عَطَبَت البلد منذ نشأته وتراكَم عليها جديدٌ هو هيمنة الحزب.
منذ نشأة الكيان ثمّ الاستقلال لم تُرسَم الحدود بين لبنان وسوريا. وهذه مشكلة سبّبت بلاءً تلو آخر للبلد، منذ تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان، ثمّ تهريب السلع والمهرّبين والأموال بين بيروت ودمشق.
المعضلة الثانية التي استعصت على الحلّ اسمها سلاح الحزب الذي وعد بالانخراط نقاشاً وتقريراً في وضع استراتيجية دفاعية تجعل من قرار الحرب والسلم في يد السلطة السياسية في حال وصول الزعيم الشمالي.

مواضيع ذات صلة

لبنان اليوم التّالي… تصوّر إيران لدور الحزب

من الصعب التكهّن بما سيؤول إليه الوضع اللبناني وهل من قيامة للبنان في اليوم التالي للحرب… هذا في حال أوقفت إسرائيل تلك الحرب التي تشنّها…

الاجتماع الثّلاثيّ يغطّي تراجع الحزب… بعد فوات الأوان؟

هل سيتمكّن لبنان من خفض خسائر الحرب المرشّحة للامتداد، بعدما استُدرج إليها بقرار إيراني لجرّ الحزب إلى شباكها؟ أم فات أوان الحدّ من الأضرار الهائلة…

التّصالُح مع “السيّد”… بعد رحيله

كثيرون تصالحوا مع الأمين العام للحزب بعد رحيله. تماماً كما تصالح نصف اللبنانيين مع رفيق الحريري في 14 شباط 2005… هنا محاولة لفهم أسباب هذه…

غابت الأسطورة… “الإطار” باقٍ!!

في سيرة الأسطورة ثمّة لحظة واحدة هي لحظة كافية لولادتها، لحظة يصير فيها صاحبها أسطورة. في سيرة السيّد حسن نصرالله لحظاتٌ كثيرة. البعضُ يحدّدها في…