مصرف لبنان “أهدر” 1.1 مليار بشهرين.. ليخفّض الدولار 1,300 ليرة

مدة القراءة 5 د

هبط سعر صرف الدولار في اليومين الماضيين من 97 ألفاً إلى نحو 95,700 ليرة، فتهافتت المواقع الإخبارية لإعلان “انهيار” الدولار أمام الليرة. هبوط الدولار بنحو 1,300 ليرة لبنانية فقط يعني تراجعه بنحو 1.3%.
بتشبيه أقرب، فلو كان سعر الدولار 1,515 (السعر الرسمي القديم) لكان هبط إلى 1,495 ليرة، وهو رقم هزيل جداً إذا ما قورن بحجم الدولارات التي ضخّها مصرف لبنان منذ شهرين إلى اليوم في السوق، أي منذ 1 آذار، يوم أعلن “المركزي” بداية تدخّله بائعاً للدولارات عبر منصّته “صيرفة”. مذّاك إلى اليوم، تدخّل مصرف لبنان 38 يومَ عملٍ رسمياً من خلال “صيرفة”، التي بلغ حجم التداول فيها قرابة 2.3 مليار دولار.
ولمّا كانت “صيرفة” مخصّصة لبيع الدولار فقط وليس لشرائه (لا أحد يبيع دولاراته على سعر صيرفة)، فإنّ مصرف لبنان، على الأرجح، يسجّل جميع عمليات بيعه للدولارات تحت مسمّيَين:
– في المرّة الأولى: يسجّل عملية بيعه الدولارات “عملية بيع”.
– في المرّة الثانية: يسجّل عملية شراء العميل لدولارات المصرف المركزي “عملية شراء”.
مجموع العمليّتين هو عمليّة واحدة. وهذا يعني في التقدير المنطقي أنّ حجم ما ضخّه مصرف لبنان في السوق منذ 2 آذار إلى اليوم هو نصف الرقم المعلن (حجم التداول). بمعنى آخر، لم يستطع حجم الدولارات التي خرجت من خزائن مصرف لبنان حتى تاريخه والبالغة قرابة 1.1 مليار دولار، أن تخفّض الدولار أكثر من 1,300 ليرة. وهذا يدحض جميع النظريّات التي كانت تقول إنّ “حجم الكتلة اللبنانية صغير ومصرف لبنان قادر على امتصاصها بأسابيع قليلة وبمبلغ 1 مليار دولار!”.

تكشف الأرقام المعلنة من “المركزي” أنّ حجم الاحتياطي الإلزامي الباقي هو تحت 10 مليارات بقليل، وهو رقم أقلّ من المسموح به بنحو 3 مليارات دولار نسبةً لحجم الودائع

يعزو البعض عدم هبوط سعر الصرف أكثر من هذا الرقم إلى سبب آخر مفاده أنّ مصرف لبنان لم يتخلَّ كلّياً عن شراء الدولارات من السوق، وهو يتدخّل لاسترجاع الفائض الهزيل من الصرّافين من أجل “تحديد خسارته”، وهذا ما يبرّر عدم هبوط الدولار بشكل كبير، لكنّ الخسارة واقعة واقعة بلا شكّ…

من أين كلّ هذه الأموال؟
لا أحد يدري من أين يأتي مصرف لبنان بكلّ هذه الدولارات لتمويل “صيرفة”، لكنّ ثمّة احتمالين:
1- وجود محفظة “كاش” استطاع “المركزي” أن يجمع دولاراتها من السوق قبل أشهر من بيان 1 آذار الذي أعقبه تحليق سعر الصرف إلى ما فوق 100 ألف ليرة وصولاً إلى نحو 145 ألفاً. لكنّ هذه الفرضية ضعيفة جداً باعتبار أنّ وفرة الدولارات في السوق وبين أيدي المواطنين لا تتخطّى 10 ملايين دولار يومياً بحسب تقديرات الصرّافين.
عليه سيحتاج مصرف لبنان إلى التدخّل في السوق بشكل يومي متواصل، ولمدّة 100 يوم، من أجل جمع 1 مليار دولار فقط. وهذا إذا اعتبرنا أنّه سيستطيع جمع 10 ملايين دولار يومياً!
2- احتياطات مصرف لبنان المكوّنة ممّا بقي من أموال المساعدات وصندوق النقد الدولي والتوظيفات الإلزامية، وهذا أقرب إلى المنطق، خصوصاً أنّ أرقام مصرف لبنان المعلنة، على الرغم من أنّها تخلو من الشفافيّة، تُظهر تخطّيه حاجز الـ14% الذي رسمه لنفسه منذ أشهر، حين خفض نسبة التوظيفات الإلزامية من 15% إلى 14% من أجل الاستمرار في التدخّل في السوق وشراء الوقت.
تكشف الأرقام المعلنة من “المركزي” أنّ حجم الاحتياطي الإلزامي الباقي هو تحت 10 مليارات بقليل، وهو رقم أقلّ من المسموح به بنحو 3 مليارات دولار نسبةً لحجم الودائع (94 مليار دولار) ونسبة التوظيفات الإلزامية. وهو ما يعني أنّ مصرف لبنان أنفق 3 مليارات دولار، بغير وجه حقّ، من أصل 13 مليار دولار يجب أن تكون قيمة التوظيفات وفق نسبة الـ 14%، ولا يُستبعد أن يلجأ مصرف لبنان إلى خفض تلك النسبة مجدّداً قبل نهاية ولاية رياض سلامة إلى نحو 12% أو ربّما 10% من أجل تغطية الفرق “المهدور”، وتبرير الخروج “القانوني” قبل نهاية حزيران.

يعزو البعض عدم هبوط سعر الصرف أكثر من هذا الرقم إلى سبب آخر مفاده أنّ مصرف لبنان لم يتخلَّ كلّياً عن شراء الدولارات من السوق، وهو يتدخّل لاسترجاع الفائض الهزيل من الصرّافين

مبرّرات التدخّل
من الواضح أنّ حاكم مصرف لبنان يحظى بـ”ضوء أخضر” من السلطة من أجل فرض استقرار سعر الصرف. وهذه السلطة تعتبر أنّ الاستقرار “حاجة ملحّة” في ظلّ الظروف الحالية، وذلك لاعتبارات عدّة:
1- من أجل تمرير عطلة أعياد الفصح لدى الطوائف الشرقية والغربية، وكذلك شهر رمضان وعيد الفطر.
2- من أجل امتصاص النقمة الاقتصادية – السياسية بسبب استمرار الفراغ الرئاسي، إذ لا يُعقل أن يطول الفراغ في بعبدا على وقع دولار فوق 100 ألف ليرة، لأنّ ذلك سيقود إلى مراكمة الضغوط فوق رؤوس المعطِّلين من أجل التسريع في إنجاز الاستحقاق، وهم يريدون شراء المزيد من الوقت.

إقرأ أيضاً: جمعيّات المودعين: أجندات سرّيّة.. تتآمر على الودائع

لم يعد أمام حاكم مصرف لبنان المحاصَر بالدعاوى القضائية داخلياً وخارجياً ملاذٌ يلجأ إليه سوى تلك السلطة، بعد تخلّي الجميع عنه في الداخل والخارج، وهذا ما أفقده جميع أوراقه، فحوّل حاكمية مصرف لبنان وما بقي من استقلاليّتها إلى أداة طيّعة في يد السلطة السياسية وأهوائها وتطلّعاتها التي راح يطبّقها بحذافيرها A la carte.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: emadchidiac@

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…