محمد حسن الأمين: الطريق إلى فلسطين تمرّ من فوهة العقل العربيّ

مدة القراءة 5 د

مرّت في العاشر من نيسان الجاري الذكرى الثانية لغياب العلامة السيد محمد حسن الأمين، الذي ما زالت مواقفه على كلّ المستويات الوطنية والعربية والإسلامية حاضرة وكأنّها صدرت بالأمس، وتجيب على كلّ الأسئلة التي يطرحها الزمن الحاضر.
في ندوة عقدها موقع “جنوبية” إحياء لذكراه، حاضر مفتي صور وجبل عامل سابقاً، السيد علي الأمين، من موقع العارف بمسيرة الراحل منذ ستّينيات القرن الماضي عندما كانا في النجف زميلَي دراسة وكان الراحل قد سبقه إليها قبل سنوات.
تشاء الصدف أن تمرّ ذكرى العلّامة الأمين الثانية، في وقت كانت تطوّرات المسجد الأقصى عنواناً بارزاً على مسرح الأحداث نتيجة التعدّيات الإسرائيلية وبفعل التداعيات الأمنيّة التي وصلت إلى جنوب لبنان في 6 نيسان الجاري عبر الصواريخ التي جرى إطلاقها من جنوب صور وسقطت في شمال إسرائيل، وهو ما أدّى إلى قصف إسرائيلي أشعل حرائق في المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ.

فلسطين والسيّد الراحل
في ذكرى الأمين، لم يكن الوقت مناسباً لاستئناف النقاش الداخلي الذي اشتعل بين مؤيّد ومعترض على جواز أو عدم جواز إعادة جنوب لبنان إلى حلبة الصراع المسلّح مع إسرائيل. لكنّ الوقت كان مناسباً جدّاً للعودة إلى قراءة كتاب محمد حسن الأمين، وهو كتاب لم يمضِ على حبره سوى أعوام قليلة.
في السادس من كانون الأول من عام 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس المحتلّة عاصمة لإسرائيل. وقد أدّى هذا الاعتراف إلى موجة عاتية من ردود الفعل المندّدة. حينذاك قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في هذا الصدد إنّ هذه “لحظة قلق بالغ”.

خلص الأمين إلى القول بعد 20 عاماً من تلك المحاضرة إنّ “الطريق إلى فلسطين لا تمرّ في فوهة البندقية، بل من فوهة العقل العربي

من ناحيته، قال السيد الأمين في ذلك الوقت للشيخ محمد علي الحاج الذي وضع كتاب “أمالي الأمين” الذي هو بمنزلة مذكّرات العلّامة الراحل: “السؤال الدائم هو: هل صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع المتنازعين على أرض فلسطين؟ وفي هذه الحالة، يفترض أن تكون موازين القوى لصالح العرب والمسلمين، سواء بالنسبة للعدد أو الجغرافيا العربيَّين اللذين يقابلان العدد القليل للإسرائيليين ومحدودية جغرافية إسرائيل”.
أضاف الأمين: “نصل إلى أنّ الأزمة العربية هي أزمة حضارة لم تتجدّد، ولو قيل إنّ موازين القوى هي لصالح العدوّ…”. وعاد إلى محاضرة ألقاها في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1998 في ذكرى النكبة فخاطب الحضور قائلاً إنّ “الخطأ الاستراتيجي الذي أصاب موقفنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين هو التركيز على مبدأ السلاح وأنّ الطريق المؤدّية إلى فلسطين تمرّ من فوهة البندقية. وقد تحوّل هذا المبدأ إلى شعار، واستُبعدت أيّة فعّاليات أخرى منهجية في التعامل مع القضية الفلسطينية”.
خلص الأمين إلى القول بعد 20 عاماً من تلك المحاضرة إنّ “الطريق إلى فلسطين لا تمرّ في فوهة البندقية، بل من فوهة العقل العربي، ذلك أنّ التركيز على موضوع السلاح بوصفه الطريق الحصري للوصول إلى فلسطين كان من شأنه أن يجعل من السلاح القوة الآمرة الناهية وأن يصبح العقل العربي موجّهاً لصالح البندقية، ومن الطبيعي في حالة كهذه أن يكون خلل في التوازن بين سلاحنا وسلاح العدوّ، فهو مزوّد بهذا السلاح، الذي احتضنّاه وأعطيناه الأهمية الكبرى، أكثر بكثير ممّا نملك نحن”.

في ذكرى الأمين، لم يكن الوقت مناسباً لاستئناف النقاش الداخلي الذي اشتعل بين مؤيّد ومعترض على جواز أو عدم جواز إعادة جنوب لبنان إلى حلبة الصراع المسلّح مع إسرائيل

عمر الخيام… و”عمق” الالتزام
“إن لم أَكُنْ أَخلصتُ في طاعتِك
فإنّني أطمَعُ في رَحْمَتِك
وإنّما يَشْفعُ لي أنّني قد عِشْتُ  
لا أُشرِكُ في وَحْدَتِك”.
هذا المقطع من رباعيّات عمر الخيّام غنّته أمّ كلثوم، وترجمه أحمد رامي، ولحّنه رياض السنباطي، وأصبح أغنية عام 1950.
الغاية من العودة إلى عمر الخيام أنّ ما يشفع للأمين أنّه آتٍ من عمق الالتزام بالقضية الفلسطينية منذ أن كان شابّاً يتلقّى العلم في النجف حيث تلاقى مع رفيق عمره السيد هاني فحص وانخرطا معاً في هذه القضية. تحدّث الأمين عن هذا الجانب من حياته قائلاً إنّ “الأمر الأساسي الذي كان يشكّل هاجساً قوياً في فكري وعاطفتي هو القضية الفلسطينية، وخاصة في السبعينيات من القرن الماضي، فساهمت في نهضة المقاومة مساهمة أكاد أقول إنّها شبه كاملة من دون أيّ تقصير، حتى إنّ ذلك شغلني عن همومي العلمية والفكرية، مع العلم أنّني شاركت في كتابة عدد كبير من الأبحاث والمقالات ذات الطابع التنظيري لمشروع المقاومة. وقد نشرت من هذه الأبحاث كميّة كبيرة في مراكز الدراسات الفلسطينية، وكانت حركة فتح هي الأبرز والأهمّ، وكانت لها مراكز دراسات تُصدر دوريّات يكتب فيها مناضلون ومفكّرون وسياسيون، وكانت تشكّل مرجعاً للقضية الفلسطينية، لكنّ أكثر هذه الأبحاث تُنشر من دون أسماء”.

إقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: لا لولاية الفقيه والأسد و”الحزب”

الاسترسال في ماضي الأمين الفلسطيني سيطول كثيراً، ولا سيما عند الحديث عن علاقته الوثيقة بالشخصية الفلسطينية الأبرز في تاريخ قضية فلسطين، أي ياسر عرفات (أبو عمّار). وفي صفحات هذه العلاقة، كان الأمين الوسيط الشخصي والمباشر بين أبي عمّار وبين قائد الثورة الإيرانية الإمام الخميني عندما كان الأخير في النجف ثمّ بعد انتقاله إلى باريس قبل أن يعود إلى طهران عام 1979. إنّ قامة على هذا المستوى في القضية الفلسطينية تقول ما يجب أن يستمع إليه العرب والمسلمون في هذا الزمن، وتدعوهم إلى الالتفات جيّداً الى “فوهة العقل” المغلقة تقريباً في هذا الزمن.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…