كلّف قرار “النأي بالنفس” عام 2011 لحكومة نجيب ميقاتي لبنان انفلاش أكثر من مليونَيْ نازح سوري اليوم على الأراضي اللبنانية بكلفة خيالية كبّدت الخزينة “المثقوبة” حتى الآن 47 مليار دولار في مقابل دعم أممي لم يتجاوز عتبة 9 مليارات دولار واستفادة UNLIMITEDمن الكهرباء والمياه والفيول والقمح والخبز والأدوية وجميع أصناف الموادّ المدعومة، وخصوصاً بعد اندلاع الأزمة عام 2019.
المسجّلون من النازحين في “قيود” المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR، البالغ عددهم فقط نحو 826 ألف نازح، يَنعمون بدولارات “فريش” ورعاية صحّية ومساعدات واهتمام أمميّ و”تطنيش” لبناني رسمي “فوق فوق العادة” أتاح لهذه الفئة من النازحين إمساك اللعبة من طرفَيها: استفادتهم من غطاء دولي لتثبيت وجودهم في لبنان والعمل، خلافاً لقوانين النزوح، في مهن متعدّدة تصل إلى حدّ “البيزنس” الخاص. هو واقع يستفيد منه عمليّاً جميع النازحين الموجودين على الأراضي اللبنانية من دون استثناء.
ميقاتي المسؤول الأوّل عن فتح الحدود على أخطر أزمة وجودية تهدّد الكيان اللبناني عام 2011 “لوازم” شدّ العصب والشعبوية والمزايدة آنذاك، ما يزال يتغنّى بالثناء الدولي على أدائه “المُفرط” في حماية السوريين على حساب مصلحة اللبنانيين العليا
أمّا الفئة غير المُسجّلة من النازحين، التي استفاقت الحكومة اليوم على أخطار كتلتها المُتضخّمة، فتشكّل مع “نازحي الأمم” (كما يطلق عليهم) القنبلة الأكثر خطورة التي تهدّد الداخل اللبناني على مستوى الأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والوضع الأمني، في وقت يسجّل فيه السوريون نِسباً عالية من حيث التورّط في الارتكابات والجرائم الجنائية، متجاوزين في ذلك “المُعدّل” اللبناني.
محاكمة علنيّة
من دون أدنى شكّ تستحقّ الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 حتى اليوم مُحاكَمة عَلنيّة من دون سقوف في شأن تعاطيها “المشبوه” مع قنبلة النازحين.
لا تكفي في هذا الإطار الرسالة التي وجّهها ميقاتي إلى الأمين العامّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس نهاية العام المنصرم، والتي رأى فيها أنّ “ما يواجهه لبنان يقتضي مقاربة مختلفة في التعاطي مع أزمة النزوح السوري قبل أن تتفاقم بشكل يخرج عن السيطرة”، مطالباً “بتنفيذ الآليّات الدولية المعتمَدة حول عودة اللاجئين”.
ميقاتي المسؤول الأوّل
ميقاتي المسؤول الأوّل عن فتح الحدود على أخطر أزمة وجودية تهدّد الكيان اللبناني عام 2011 “لوازم” شدّ العصب والشعبوية والمزايدة آنذاك، ما يزال يتغنّى بالثناء الدولي على أدائه “المُفرط” في حماية السوريين على حساب مصلحة اللبنانيين العليا.
في كانون الأول 2012 أثنت السفيرة الأميركية مورا كونيللي خلال لقائها ميقاتي على “كَرَم الشعب اللبناني، وجهود الحكومة بالتعاون مع شركاء ومنظّمات دولية من أجل توفير المساعدات الإنسانية للعدد المتزايد من اللاجئين السوريين والفلسطينيين والمجتمعات اللبنانية التي استقبلتهم”، فيما كانت الأصوات داخل حكومته تحذّر من تمدّد بقعة زيت النزوح في ظلّ عجز لبناني كامل عن تحمّل عبء النزوح غير المنظّم. يومها كان عدد النازحين 160 ألف سوري.
دعوة لاستيعاب النازحين… في لبنان
في خطابه في العام نفسه بالأمم المتحدة بنيويورك قال رئيس الحكومة لرؤساء دول العالم: “أنا والآن في نيويورك أصبح عدد اللاجئين 70 ألفاً (أقلّ من الرقم المقدّر يومها)، وهو رقم مرشّح للتزايد. صحيح أنّ الحكومة اللبنانية اعتمدت سياسة النأي بالنفس سياسياً، إلا أنّها لم تنأ بنفسها عن تقديم أوسع نطاق من المساعدات الإنسانية للنازحين، الذين وفدوا إلى المناطق اللبنانية. وأنا أدعو المجتمع الدولي إلى مساعدة لبنان على استيعاب الكمّ المتزايد من النازحين”.
من دون أدنى شكّ تستحقّ الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 حتى اليوم مُحاكَمة عَلنيّة من دون سقوف في شأن تعاطيها “المشبوه” مع قنبلة النازحين
تذرّع ميقاتي يومها “بتجربة مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتجربة مخيّمات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن التي لم تُثبت جدواها” ليبرّر عدم تبنّي لبنان سياسة إنشاء مخيّمات على الحدود.
قال حرفيّاً: “منذ رفض لبنان إنشاء مخيّمات لهم على أراضيه، اختار أن يؤمّن إسكانهم. قطنوا لدى عائلات لبنانية، وقدّمنا مساعدات اجتماعية وإنسانية إلى الضيف، وكذلك إلى المضيف، من أجل استيعاب وزر العبء الإضافي، نظراً إلى قدراتنا المحدودة. لم نكن مستعدّين، ولا نزال، لإقامة مخيّمات. إلا أنّنا لا نتأخّر عن القيام بأيّ دور أو واجب إنساني حيال هذه المشكلة المتفاقمة”.
العونيّون: صوت في “براري” الحكومة
كلّ ذلك من دون خطّة واضحة للحكومات المتعاقبة في لجم الأخطار المتزايدة نتيجة تكريس حالة النزوح “المفتوحة” من دون ضوابط، مع تسجيل موقف اعتراضي لا لبس فيه للفريق العوني المُمثّل بميشال عون وجبران باسيل الذي رفع الصوت عالياً وبشكل متكرّر وصولاً إلى حدّ المطالبة عام 2013 بوقف استقبال النازحين السوريين والفلسطينيين وضبط الحدود بشكل كامل من دون النجاح في فرض خطّة حكومية لمواجهة أخطر أزمة إنسانية في تاريخ لبنان الحديث.
ميقاتي في دمشق
على مدى 12 عاماً لم يغيّر ميقاتي موقفه من “حسن إدارة” حكومته لملفّ النازحين إلى اللحظة التي تقصّد فيها تسريب كلامه live إلى الإعلام خلال اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة ملفّ النازحين السوريين، وفيه تحدّث عن “عصابات تُدخِل السوريين بطريقة غير شرعية عبر البقاع وعكار إلى لبنان مقابل مبالغ مالية ضخمة، فيما البلد لم يعد يتحمّل أعباء النزوح”.
بعض الوزراء المُقاطعين لجلسات الحكومة سأل “ماذا فَعَلت حكومة ميقاتي للجم أخطار النزوح التي تشكّل العصابات التي تحدّث عنها جزءاً منها؟ فليُرِنا جدول رحلاته إلى الخارج أو جدول لقاءاته مع المسؤولين الغربيين في لبنان التي دقّ فيها ناقوس خطر اللجوء السوري. أين مواقفه المحذّرة من المشروع الدولي المشبوه لتوطين السوريين في لبنان؟ وهل يعقل أنّ الحكومة حتى الآن لا تملك داتا النازحين الموجودة لدى مفوضية النازحين؟ وما المانع من ذهاب ميقاتي بنفسه إلى سوريا التي سبقه إليها السعوديون لحسم ملفّ النازحين واللحاق بالنظام السوري إلى باب داره لمعرفة موقفه الحقيقي من عودتهم؟”.
وفق المنطق الأمنيّ ليس الجيش، الذي تعرّض لحملة غير بريئة، معنيّاً بترحيل النازحين، بل يقوم بعمله البديهي بترحيل كلّ سوري لا يتمتّع بصفة اللجوء أو مرتكب ومخلّ بالأمن. وواقع الحال أنّه يجب محاسبته إذا لم يفعل ذلك
وزير المهجّرين لاجئ خارج السراي
استغرب هؤلاء عدم دعوة ميقاتي “وزير المهجّرين عصام شرف الدين إلى الاجتماع مع العلم أنّ مجلس الوزراء وافق سابقاً على تسليمه ملفّ النازحين وكلّفه زيارة سوريا. وشرف الدين بصفته الوزارية أعلن في آب 2022 أنّه سيُعاد 15 ألف نازح سوري شهرياً”.
هذا وكان ميقاتي قد كلّف أمس المدير العام للأمن العام بالوكالة العميد الياس البيسري متابعة ملفّ إعادة النازحين السوريين “لتأمين العودة الآمنة والطوعية وتنفيذ مقرّرات اللجنة الوزارية والتواصل مع الجهات السورية المعنية والاستعانة بمن يراه مناسباً في سبيل إنفاذ المهمّة المطلوبة”.
الجيش والأمن العامّ
يقول متابعون حياديون لملفّ النازحين السوريين إنّ انصياع رؤساء الحكومات منذ 2011 لرغبة الغرب بتأمين مقوّمات بقاء النازحين في لبنان قابله شغل أمني على مستويَين تكفّل بالحدّ نوعاً ما من تداعيات الكتلة البشرية “النازِحة” في لبنان:
– جهد الجيش الحثيث، وخصوصاً منذ نيسان 2019، وتكثيف عمله الأمني لترحيل السوريين الذين لا يَحملون أوراقاً قانونية والمتسبّبين بإشكالات في المناطق والمُرتكِبين والمُلاحَقين بجرائم جنائية من خلال مداهمات لبعض الأوكار غير المنضبطة التي عادة ما تضمّ سوريين دخلوا خلسة وبطريقة غير شرعية إلى لبنان.
وفق المنطق الأمنيّ ليس الجيش، الذي تعرّض لحملة غير بريئة، معنيّاً بترحيل النازحين، بل يقوم بعمله البديهي بترحيل كلّ سوري لا يتمتّع بصفة اللجوء أو مرتكب ومخلّ بالأمن. وواقع الحال أنّه يجب محاسبته إذا لم يفعل ذلك.
إقرأ أيضاً: دبلوماسي غربي لهاشم صفي الدين: احذروا ما سينقلب عليكم
– المهمّة التي تولّاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والتي أدّت منذ بدء الخطة عام 2017 حتى تشرين الأول 2022 إلى استحداث 17 مركزاً للعودة إلى بلادهم ضمن إطار العودة الطوعية، مع تكرار إبراهيم لازمة “عدم خضوعنا لأيّ ضغوطات (غربية) في مقابل ترحيب وتسهيل من الجانب السوري وتأكيد على عدم إجبار أيّ سوري على العودة”.
في المقابل، لم تشفع تحذيرات إبراهيم من أنّ 42% من مجموع السجناء في لبنان هم من الجنسية السورية، وأنّ عدد النازحين السوريين تقريباً نصف عدد اللبنانيين المقيمين، في دفع الحكومة إلى إعلان الاستنفار، وهو الذي جاهر بـ “رفض طريقة التعاطي التي تتمّ معنا من قبل كثيرين، وعلى رأسهم منظّمات إنسانية وأخرى تدّعي الإنسانية تحاول أن تملي علينا إرادتها”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@