سيكون صعباً على الحزب التراجع عن دعم المرشّح سليمان فرنجيّة من دون تدخّل إيراني تفرضه حسابات ذات طابع يتجاوز لبنان… حسابات خاصة بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” ومشروعها التوسّعي في المنطقة. يُستبعد حصول ذلك بعدما قرّرت طهران الفصل بين العلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة من جهة والملفّات العالقة في المنطقة من جهة أخرى، بما في ذلك العراق وسوريا ولبنان، على وجه التحديد.
في أساس صعوبة الإقدام الإيراني على فرض مثل هذا التراجع وصول الحزب إلى موقع مَن يقرّر مَن هو رئيس الجمهوريّة المسيحي للبنان. حصل ذلك مع انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، بضمانة من صهره جبران باسيل، بصفة كونه مرشّح الحزب أوّلاً وأخيراً.
تكفي نظرة سريعة إلى ما مرّ فيه البلد منذ اغتيال رفيق الحريري، وهو اغتيال لبيروت ولمشروع إعادة بناء لبنان، للتأكّد من أنّ وصول جهاد أزعور، الذي يتبيّن يوميّاً أنّه رجل شجاع، ما يزال مستبعَداً
الأكيد أنّ الحزب بلغ هذا الموقع المهيمن في الحياة السياسيّة اللبنانية في ضوء جهود كبيرة ومتواصلة بذلها منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005. مَن لديه أدنى شكّ في هذه الجهود التي بذلتها إيران من أجل تحقيق إنجاز يجعلها تسيطر على رئاسة الجمهوريّة اللبنانية، يستطيع التفكير مليّاً في إغلاق مجلس النواب سنتين وخمسة أشهر من أجل ضمان انتخاب ميشال عون رئيساً خلفاً لميشال سليمان.
أُغلق مجلس النوّاب من أجل “إقناع” كلّ من يهمّه الأمر بأنّ ميشال عون تحوّل بين ليلة وضحاها إلى مرشّح تسوية على مسافة من الجميع. لم يكد رئيس الجمهوريّة السابق يجتاز عتبة قصر بعبدا في 31 تشرين الأول من عام 2016 حتّى صار في خدمة الحزب. لم يجرؤ ميشال عون يوماً على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع. ليس قطعه الطريق على أيّ تحقيق دولي في كارثة تفجير مرفأ بيروت، في الرابع من آب 2020، سوى مثال بسيط على مدى سطوة الحزب على موقع رئاسة الجمهوريّة، وهي سطوة يعبّر عنها وقوف ميشال عون موقف المتفرّج من انهيار النظام المصرفي اللبناني في سياق حملة مكشوفة شنّها الحزب على المصارف اللبنانيّة تحت لافتة “ليسقط حكم المصرف”.
احتلال المناصب… بشكل نهائي
لم يحتلّ الحزب موقعاً وخرج منه. هناك أمر واقع يسعى الحزب إلى فرضه من منطلق أنّ “تحرير الجنوب” في عام 2000 ليس سوى مقدّمة لتسلّم السلطة في لبنان. لم يخفِ الأمين العامّ للحزب ذلك يوماً. تحدّث عن هذا الأمر في أحد خطاباته القديمة عندما تطرّق صراحة إلى تجارب في دول معيّنة تسلّم فيها مَن حرّر الأرض السلطة.
منذ انتصار الحزب على حركة “أمل” في حرب إقليم التفاح أواخر ثمانينيات القرن الماضي، صار الكلام عن ثنائي شيعي من النوع الذي لا معنى له. هناك حزب حاكم واحد في لبنان هو الحزب، خصوصاً بعد ذلك اليوم المشؤوم الذي أصبح فيه ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. اعترف الرئيس السابق نفسه بأنّ البلد ذاهب إلى “جهنّم”. ربّما كانت تلك المرّة الوحيدة التي كان صادقاً مع نفسه ومع الذين تعاطوا معه، بمن في ذلك أقرب الناس إليه.
من هذا المنطلق، ليس منطقياً، في غياب حدث استثنائي على الصعيد الإقليمي، وصول مرشّح المعارضة جهاد أزعور إلى قصر بعبدا. المعادلة التي كرّسها الحزب في غاية البساطة… بما في ذلك معادلة أن يكون وزير المال شيعياً كي يكون لديه ما يُسمّى “التوقيع الرابع”.
لم يحتلّ الحزب موقعاً وخرج منه. هناك أمر واقع يسعى الحزب إلى فرضه من منطلق أنّ “تحرير الجنوب” في عام 2000 ليس سوى مقدّمة لتسلّم السلطة في لبنان
من الواضح الحاجة إلى معجزة كي يتخلّى الحزب عن رئاسة الجمهوريّة، خصوصاً بعدما نجح في خوض تجربة ميشال عون – جبران باسيل في ظلّ معادلة السلاح يحمي الفساد.
لا بدّ من الاعتراف بأنّ سليمان فرنجيّة لا يمكن أن يكون ميشال عون أو جبران باسيل آخر. بكلام أوضح، لا يمكن لسليمان فرنجيّة الهبوط، على سبيل المثال، إلى المستوى الذي هبط إليه رئيس الجمهوريّة السابق وصهره وصولاً إلى فرض رامي عدوان سفيراً في باريس. لكن لا مفرّ أيضاً من الاعتراف بأنّ الزعيم الزغرتاوي لا يمتلك خبرة تُذكر في الاقتصاد ولا في العلاقات العربيّة والدوليّة.
أمل أزعور الضئيل
ما يدعو إلى التشاؤم أنّ الحزب لا يرتاح إلى أيّ شخصيّة مارونيّة ليست في جيبه. ما يثير التشاؤم أكثر أنّه لم يحتلّ يوماً موقعاً في تركيبة النظام اللبناني وقبِل التخلّي عنه حتّى لو كان هذا الموقع مديرية من المديريات مثل الأمن العام أو سفارة من السفارات. ليس ما يدفعه إلى قبول شخص آخر غير مرشّحه في موقع رئاسة الجمهوريّة. تكمن قوّة الحزب المسلّح في أن لا فارق لديه بين أن يكون لدى لبنان رئيس للجمهوريّة أو أن يستمرّ الفراغ إلى ما لا نهاية… أي إلى نهاية لبنان الذي عرفناه، أي لبنان المرتبط بثقافة الحياة. كلّ ما يعني الحزب أن يكون البلد مجرّد ورقة إيرانيّة، بين أوراق أخرى، في لعبة كبيرة تدور على مستوى المنطقة والعالم.
يبدو الأمل بوصول جهاد أزعور إلى موقع الرئاسة ضئيلاً في غياب سبب قاهر يفرض على إيران التراجع.
هل مثل هذا السبب القاهر وارد؟
الجواب أنّ تجارب لبنان واللبنانيين مع الحزب لا تشجّع على التطلّع إلى وجود رئيس للجمهورية من نوع مختلف ومستوى متقدّم.
إقرأ أيضاً: الشيعة لا يخسرون بفارق الأصوات
تكفي نظرة سريعة إلى ما مرّ فيه البلد منذ اغتيال رفيق الحريري، وهو اغتيال لبيروت ولمشروع إعادة بناء لبنان، للتأكّد من أنّ وصول جهاد أزعور، الذي يتبيّن يوميّاً أنّه رجل شجاع، ما يزال مستبعَداً.
على الرغم من ذلك كلّه، لا يمكن قطع الأمل نهائياً من حصول نقلة نوعيّة على صعيد الرئاسة اللبنانيّة. في النهاية من كان يصدّق أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” ستعطي الضوء الأخضر وتسمح للبنان بترسيم حدوده البحريّة مع إسرائيل، كي تتمكّن من استغلال حقل كاريش، وذلك قبيل نهاية عهد ميشال عون؟…