بدأت المعركة وبدأ معها البحث في سبل تنفيسها وإخراجها على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”. في الداخل يرفض كلّ من الفريقين أن يخرج منكسراً. وفي الخارج ضغط لانتخاب رئيس تحت وقع عقوبات جديدة تحدّثنا عنها سابقاً في “أساس” وأعلنتها في الساعات الماضية وزارة الخارجية الأميركية. لمراجعة مقال الكاتبة “الثلاثي المسيحي “يقترب” من مرشّح توافقي..” بتاريخ 30 نيسان 2023.
في المعلومات أنّ الفاتيكان عبّر عن قناعة دولية تتقاطع عندها الدول المعنيّة بلبنان تدعو إلى الذهاب إلى مبادرة لانتخاب رئيس على قاعدة أن لا يكون رئيس تحدٍّ. وتتحدّث باريس عن هذه المقاربة أمام زائريها، ولذلك كان اللقاء الأخير الذي جمع ماكرون والراعي بدايةً لمرحلة رئاسية جديدة في لبنان عنوانها فرنجية-أزعور، لكنّها لن تنتهي بالضرورة بانتخاب أحد منهما.
بالتزامن مع ذلك بدت زيارة قائد الجيش لعين التينة لافتة جدّاً بعنوانها التقنيّ المتّصل بالترقيات العسكرية، وسيتبعها لاحقاً بحث في مجلس الوزراء سيتناول ملء الشغور في المجلس العسكري. وبعد الكلام الأميركي المباشر عن عقوبات، كان الرئيس بري حريصاً على التأكيد في بيان أنّ “أبواب المجلس النيابي لم تكن ولن تكون موصدة أمام جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في حال أُعلن ترشيحان جدّيّان للرئاسة على الأقلّ، وخلاف ذلك من تشويش وتهديد لا يعود بفائدة ولا ينفع، ولا سيّما مع رئيس المجلس”.
في المعلومات أنّ الفاتيكان عبّر عن قناعة دولية تتقاطع عندها الدول المعنيّة بلبنان تدعو إلى الذهاب إلى مبادرة لانتخاب رئيس على قاعدة أن لا يكون رئيس تحدٍّ
في كواليس عين التينة نقاش حقيقيّ في مسار الاستحقاق، ولا سيّما أنّ برّي، كما يقدّر الجميع حتى خصومه في السياسة، لا يمكن أن يتهوّر بإقفال المجلس بعد إعلان القوى الأخرى مرشّحها. فهو الذي سبق أن قال إنّه ينتظر هذا الإعلان كي لا تتحوّل جلسات الانتخاب إلى جلسات شبيهة بتلك التي مضت. غير أنّ ما يُقلق الثنائي هذه المرّة هو الذهاب إلى جلسة يخسر فيها مرشّحهما سليمان فرنجية. وهو أمر مقدّر ما دام النصف زائداً واحداً لن يكون في متناوله. فبحسب معلومات “أساس” أنّ القوى المعترضة على ترشيح فرنجية هي بصدد إعلان مرشّحها الوزير السابق جهاد أزعور بين اليوم ونهاية الأسبوع، وفي حساباتها أنّ 60 صوتاً مضمونون، وقد ينضم إليهم خمسة نواب من المستقلّين يجري التواصل معهم حالياً. فالنواب المستقلّون الذين لم يحسموا أمرهم كُثر، ومن بينهم نعمت إفرام وجميل عبود ونواب صيدا وجزّين ونواب التغيير، ويمكن أن ينضمّ إلى الستّين نائباً أكثر من خمسة من هؤلاء. وفور إعلان ترشيح أزعور، سيجد الرئيس برّي نفسه مضطرّاً إلى الدعوة إلى جلسة، فهل ينسحب الثنائي من جلسة سينال فيها أزعور أكثر من 65 صوتاً. كلّ الاحتمالات واردة، ولا سيّما أنّ معلومات تحدّثت عن كلام يتردّد في الكواليس بين عين التينة والمعارضة مفاده ما يلي: “اقترحوا 3 أسماء ليتمّ الاتفاق على اسم لأنّ دخول الجلسة باسم جهاد أزعور وحده هو تحدٍّ وكسرٌ للثنائي، وهذا أمر لن يقبلا به”. بقيت هذه المبادرة يتيمة من أيّ ردّ من قوى المعارضة لأنّها ليست ناضجة بعد. غير أنّ ما بات ناضجاً حتى الساعة هو المعركة السياسية الطاحنة التي بدأ يتوجّس منها كثيرون على اعتبار أنّ معارك كهذه نهاياتها قد تكون خطيرة.
مبادرة الراعي بعد الفاتيكان
عاد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من رحلته إلى الفاتيكان وباريس بمبادرة فحواها التحاور مع الجميع، ومن بينهم حزب الله، للخروج من الفراغ.
سمع الراعي في الفاتيكان موقفاً حاسماً غير مرحِّب برئيس يتحدّى الإرادة المسيحية، وموقفاً حاسماً يدعو إلى ضرورة الانفتاح على القوى المسلمة
سمع الراعي في الفاتيكان موقفاً حاسماً غير مرحِّب برئيس يتحدّى الإرادة المسيحية، وموقفاً حاسماً يدعو إلى ضرورة الانفتاح على القوى المسلمة. وسمع في باريس موقفاً مرحّباً بأيّ مرشّح يحظى بالنصف زائداً واحداً على أن يكون عنواناً لتنفيذ الإصلاحات. في مفهوم فرنسا، كان فرنجية واحداً من الذين يمكن أن يقودوا مسار الإصلاحات لأنّه يتمتّع بثقة المكوّن الشيعي، إذ ترى فرنسا أنّ انتخاب رئيس على خصومة مع الثنائي لن يجعل من قدرته على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة مهمّة سهلة في أثناء ولايته الرئاسية. وسينعكس تكرار تجربة العلاقة السيّئة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سلباً على لبنان الذي يحتاج إلى أكبر قدر من التوافق على السياسات الإصلاحية للخروج من أزمته. ولذا دخل الراعي الإليزيه حاملاً اسم جهاد أزعور بعدما حرص التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية على إبلاغه قبل سفره بإجماعهم على أزعور. ولكن من يضمن لأزعور ولاية هادئة لتنفيذ الإصلاحات، ولا سيّما أنّ الثنائي يعتبره مرشّح تحدٍّ. لذلك كان للراعي كلامٌ عن مبادرة سيتوجّه بها إلى القوى السياسية تبدأ من اليوم. وأمام وفد من نقابة المحرّرين، قال البطريرك: “ما داموا لا يستطيعون الاتفاق فيما بينهم في لبنان ولا التحاور، فقد طالبت بمؤتمر دولي تكون بنوده ما يلي: تنفيذ الطائف، تنفيذ قرارات مجلس الأمن، حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين، إعلان حياد لبنان”. الراعي الذي أدرك أنّنا “أصبحنا مسخرة” أمام دول العالم، قال إنّه لمس ارتياحاً دولياً تجاه اتفاق القوى على اسم للرئاسة، غير أنّه أضاف أنّ التفاهمات يجب أن تتوسّع و”سنتكلّم مع الجميع، كلّ اللبنانيين من دون استثناء، وحتى مع الحزب، فلم نُقصِ يوماً أحداً”. فهل تفتح مبادرة الراعي باب الحوار مع الحزب على اسم للرئاسة؟
إقرأ أيضاً: واشنطن: عن فجور اللبنانيّين… ورسائل العقوبات
كلّ شيء وارد في الأيام المقبلة، ولا سيّما أنّ الفصل الرئاسي دخل مرحلة جديدة. وبالتزامن مع المساعي القطرية في البلد، ومع رفض بعض القوى الذهاب إلى معركة كسر عظم، هل يخرج الخيار الثالث من بكركي قبل المواجهة الكبرى؟ هذا خيار وارد، وخاصة أنّ الستّة والثمانين صوتاً سيكونون مضمونين في أيّ تسوية تقود إلى خيار ثالث يجنّب الثنائي الذهاب إلى جلسة تحدٍّ مع القوى المسيحية أوّلاً والمستقلّة ثانياً.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@