الزعامة الكراميّة تستعيد وهجها!

مدة القراءة 7 د

لماذا أعلن النائب فيصل كرامي ولادة تكتّل الوفاق الوطني في هذه اللحظة الإقليمية والرئاسية؟ وهل يشكّل هذا التكتّل بهويّته السنّيّة الصافية نوعاً من إعادة التوازن الوطني المفقود؟ أم هو بوّابة ترشيح فيصل كرامي لرئاسة الحكومة؟ وهل يصبح هذا التكتّل بتنوّعه المناطقي وكيل السُّنّة الوزاري؟ وهل يمهّد لعودة سورية إلى الميدان اللبناني بالنظر إلى ارتباط أسماء أعضائه بها سياسياً؟
جملة أسئلة طُرحت على هامش إعلان النائب فيصل كرامي ولادة تكتّل التوافق الوطني، وما أعقبه من مهرجان شعبي حاشد أقامه في الذكرى السنوية لاغتيال رشيد كرامي بكلّ ما تحمله من رمزية سياسية سنّيّة ووطنية.

استعادة التوازن المفقود
في الأساس، ما كان استعجال كرامي ولادة التكتّل إلّا بهدف التمهيد لذكرى استشهاد “الرشيد” وما تضمّنته من رسائل سياسية وزعاماتية. حتّى ليل الثلاثاء كانت المشاورات التي يقودها النائب فيصل كرامي ما تزال مستمرّة مع عدد من النوّاب للانضمام إلى تكتّل “الوفاق الوطني” الذي أراده أنْ يكون عابراً للطوائف. لكنّ ضيق الوقت دفعه إلى إعلان ولادة تكتّل سنّيّ الهويّة عابر للمناطق ما خلا الجنوب. إذ يضمّ نائب عكّار محمد يحيى، ونائب البقاع الغربي حسن مراد، ونائبَيْ جمعية المشاريع الخيرية عن بيروت وطرابلس على التوالي عدنان طرابلسي وطه ناجي. لكن بقيت المشاورات قائمة مع بعض النوّاب للانضمام إليه فيما بعد وعبور الحواجز الطائفية.

حسب معلومات “أساس”، حاول كرامي ضمّ نائبَيْ صيدا عبد الرحمن البزري وأسامة سعد إلى “التوافق الوطني”، من أجل تمثيل سنّة محافظة الجنوب

حسب مصادر مقرّبة من كرامي فإنّ جميع أعضاء التكتّل “يتشاركون نفس الفكر والتوجّه السياسي، لكنّ المجال سيظلّ متاحاً لانضمام نواب آخرين في المستقبل القريب في ظلّ استمرار المشاورات في هذا الشأن”. وتشير المصادر نفسها إلى أنّ التكتّل “سيعمل على تفعيل دور السُّنّة في المعادلة الوطنية”، وأنّه “سيركّز على عروبة لبنان وعلى أهميّة الحوار بين جميع مكوّناته، وضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية من أجل انتظام عمل الدولة. والأهمّ أن يكون لبنان على علاقة طيّبة مع جميع الدول، وفي طليعتها الدول العربية”.

ترسيخ الزعامة الكراميّة
مع أنّ التكتّل بلا رئيس إلّا أنّ كرامي يُعدّ عمليّاً رئيسه المعنوي استناداً إلى ما يمثّله من ثقل سياسي محلّي وخارجي لأنّه سليل بيت سياسي عريق اقترن ذكره دوماً برئاسة الحكومة منذ استقلال البلاد. وبذلك اكتسبت ذكرى اغتيال “الرشيد” هذه السنة أهميّة مضاعفة لأنّ كرامي لم يدخلها نائباً مستقلّاً بل رئيساً معنويّاً لتكتّل نيابي سنّيّ في زمن تشتّت السُّنّة وتشرذمهم.
أكّد كرامي من خلال خطابه والحشد الجماهيري الذي أعدّ له جيّداً أنّه زعيم سياسي لديه حضور شعبي، وأنّه أحد أبرز المرشّحين لرئاسة الحكومة، وليس متساوياً بين متنافسين يتجاوز عددهم العشرين. وإذا كان ما يعوق انتخاب رئيس للجمهورية هي الفيتوات المتبادلة، وخاصة الإقليمية والدولية من بينها، فإنّ كرامي يُعدّ من أبرز المستفيدين من التحوّلات الإقليمية الحاصلة، بالنظر إلى علاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف. فهو على علاقة طيّبة مع السعودية وإيران وسوريا، ومع تركيا التي ليس لديها تأثير سياسي بل معنوي في طرابلس بالذات، ولذا قامت “مجموعة الرقيب الإعلامية” التي يمتلكها بنقل مباشر لوقائع الانتخابات التركيّة، والهدف هو إرسال إشارة معنوية ورمزية يريد من خلالها مخاطبة الوجدان الطرابلسي.

لماذا غاب الصمد؟
أوّل الأسماء التي ربّما فوجئ البعض بغيابها عن “الوفاق الوطني” هو النائب جهاد الصمد الذي تربطه بكرامي صداقة شخصية وشراكة سياسية وانتخابية، إذ خاضا معاً الانتخابات النيابية في عامَيْ 2018 و2022. لكنّ الصمد فضّل البقاء مستقلّاً لأنّه لا يريد إعادة تجربة “اللقاء التشاوري” التي وصفها أكثر من مرّة بـ”الفاشلة” بسبب غياب التنسيق بين أعضائه، خصوصاً بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة عام 2019.
لذلك حرص كرامي في المؤتمر الصحافي على التأكيد أنّ هذا التكتّل “لا يشبه أيّ تجربة سابقة”. وأراد أنْ يَقرِن القول بالفعل بإعلانه “الالتزام بقرار التكتّل”، بما يمثّل تراجعاً عن إعلانه في السابق تأييد ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وأعضاء التكتّل أكثر ميلاً نحو فكرة التوافق بدل الصدام، مثل جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التي سبق أن أعلنت تأييدها لمرشّح توافقي.

حسب مصادر مقرّبة من كرامي فإنّ جميع أعضاء التكتّل “يتشاركون نفس الفكر والتوجّه السياسي، لكنّ المجال سيظلّ متاحاً لانضمام نواب آخرين في المستقبل القريب

من جهته، يبيّن النائب طه ناجي في حديث إلى “أساس” أنّ “التوافق لا يعني الإجماع، بل يتّخذ شكلين: الأوّل تأمين نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب بما يعني أنّ “الميثاقية الوطنية” متوافرة. والثاني حصول أحد المرشّحين على أصوات النصف زائداً واحداً، سواء في الدورة الأولى أو الثانية، وهو ما يعني أنّ لديه أوسع تأييد ممكن من الكتل النيابية، وحتماً سيكون رصيده الانتخابي من الأصوات عابراً للطوائف”.
يؤكّد ناجي أنّ “التكتّل سيجتمع بانتظام للخروج بموقف موحّد من كلّ التطوّرات السياسية”، وأنّه “سيختار المرشّح الذي يحظى بأوسع هامش من التأييد الوطني”. كذلك الحال بالنسبة لنائب عكار محمد يحيه الذي يفضّل انتخاب مرشّح توافقي، وإنْ كان يرحّب باختيار فرنجية الذي تربطه به صداقة وثيقة. أمّا النائب حسن مراد فخياره الرئاسي كان مبهماً في ظلّ معلومات تشير إلى موقف مبدئي رافض لانتخاب فرنجية بسبب رواسب علاقة الأخير السيّئة بوالده.

موقف لافت لحيدر ناصر
حسب معلومات “أساس”، حاول كرامي ضمّ نائبَيْ صيدا عبد الرحمن البزري وأسامة سعد إلى “التوافق الوطني”، من أجل تمثيل سنّة محافظة الجنوب. وبذلك يغدو التكتّل جامعاً شمل السُّنّة في كلّ المحافظات، إلّا أنّ كليهما رفض لأسباب مختلفة. فرفْض البزري نابعٌ من سعيه الجدّيّ إلى الوصول إلى رئاسة الحكومة، وقيامه بالانفتاح على كلّ النوّاب من مختلف الاتّجاهات السياسية من دون أنْ يقطع مع أحد. لذلك يرفض التموضع إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، ولا سيّما أنّ “التوافق الوطني” سيُنظر إليه أنّه أقرب إلى حزب الله من معارضيه. أمّا رفض سعد فعائد إلى كونه أكثر تماهياً مع طروحات النوّاب التغييريّين، وسبق أنْ رفض الانضمام إلى “اللقاء التشاوري”.
جرى التواصل أيضاً مع نائب طرابلس حيدر ناصر، لكنّه رفض الانضمام إلى التكتّل على الرغم من أنّه سبق أن زار النائب فيصل كرامي عقب فوزه بالنيابة بهدف التعاون. يقول ناصر في حديث إلى “أساس” إنّه “يرحّب بالانضمام إلى أيّ جبهة سياسية وطنية، أو تكتّل ذي صبغة وطنية جامعة، وهذا ما لا ينطبق على “التوافق الوطني”، ولذلك أفضّل البقاء مستقلّاً”.
يكشف ناصر أنّه قبل اتّخاذه القرار النهائي استشار زملاءه زكريا مسيكة ومالك مولوي ومحمد أسوم الذين ترشّحوا معه في لائحة “انتفض.. للسيادة للعدالة” من باب الأمانة الأخلاقية، لأنّه دخل المجلس النيابي بأصوات هذه اللائحة، وقد أشار عليه الثلاثة بالرفض لأنّ “خيارات أعضاء التكتّل السياسية لا تتوافق مع توجُّه لائحة انتفض”.

إقرأ أيضاً: رشيد كرامي كما “السُّنّة” وثق بالدولة فقُتل

يؤكّد ناصر أنّه “على تواصل دائم مع زملائه في اللائحة” التي انبثقت من انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، وأنّ “الجميع كانوا يعرفون سلفاً خياره الإقليمي ويحترمونه”، وأنّه على تواصل أيضاً مع الفعاليّات الطرابلسية، وعلى رأسها المفتي محمد الإمام، الأمر الذي ينسف تماماً السرديّة التي يروّج لها رامي فنج من أنّ ناصر هو “وديعة سوريّة” في “اللائحة الثوريّة”، وأنّه لم يكن على بيّنة من موقفه من النظام السوري.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…