سُنّة لبنان وإردوغان… والبحث عن بطل

مدة القراءة 5 د

في 24 ساعة، كانت مناسبتان لبنانيّتان تكفّلتا بكشف عمق الضياع والفراغ، بل حجم القهر، لدى أهل السُّنّة.
كانت المناسبة الأولى فوز رجب طيب إردوغان في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية. سيكون إردوغان رئيساً لتركيا مدّة خمس سنوات أخرى. ما هذه الحماسة السنّيّة لإردوغان وما الذي يبرّرها؟
أمّا المناسبة الثانية، فكانت فوز فريق الرياضي ببطولة لبنان لكرة السلّة. خرج الناس بالآلاف إلى الشارع للاحتفال بفوز الفريق. رفع بعض المحتفلين بالحدث العلم التركي، كما لو أنّ هناك علاقة بين تركيا والنادي الذي يمثّل إلى حدّ كبير البيارتة الأصليين من كلّ الطبقات وأبناء العائلات العريقة في العاصمة اللبنانيّة.
منذ متى توجد هذه العلاقة بين تركيا والرياضي؟
ترافق إعلان فوز إردوغان مع إطلاق كلّ أنواع المفرقعات والأسهم الناريّة وحتّى الرصاص في الهواء في المناطق السنّيّة لبيروت وفي طرابلس عاصمة الشمال وصيدا عاصمة الجنوب. إنّه تصرّف غير طبيعي يعبّر عن بحث عن بطل ينتشل الوضع السنّيّ من الحال التي وصل إليها. اللافت ذلك البحث السنّيّ عن بطل من خارج العالم العربي، بطل يمتلك حساباته الخاصّة ويواجه تحدّيات في غاية الخطورة. في مقدَّم هذه التحدّيات، تحدّيات الداخل التركي وطبيعة علاقة تركيا الإردوغانيّة بالغرب، أي بأوروبا والولايات المتحدة اللتين تخوضان حرباً مع روسيا وفلاديمير بوتين في أوكرانيا.

في 24 ساعة، كانت مناسبتان لبنانيّتان تكفّلتا بكشف عمق الضياع والفراغ، بل حجم القهر، لدى أهل السُّنّة

بدا فوز إردوغان حدثاً سنّيّاً لبنانياً بامتياز، علماً أن ليس ما يوحي بأنّ الرئيس التركي القديم الجديد موضع ترحيب شامل في بلده. لا شكّ أنّ رجب طيب إردوغان زعيم كبير ويمتلك كاريزما متميّزة، لكنّ المشروع الذي يحمله موضع جدل واسع في ضوء الفشل الذي مُني به أخيراً، خصوصاً بعد الزلزال التركي. عكَس هذا الفشل تدهور الاقتصاد التركي. يدلّ على هذا التدهور انهيار العملة التركيّة بنسبة ثمانين في المئة في السنوات القليلة الماضية… واستمرار تراجعها مع إعلان فوز إردوغان، حليف فلاديمير بوتين، على منافسه كمال كيليتشدار أوغلو ممثّل حزب الشعب الجمهوري.

اليتم السنّي
لا شيء يفسّر التعاطف السنّيّ، الذي لا مبرّر له، مع إردوغان، أكثر من حال اليتم التي يشعر بها أبناء الطائفة الكبرى في لبنان. لا شكّ أنّ هؤلاء تعرّضوا منذ اندلاع الحرب الأهلية في نيسان من عام 1975، وهي حرب اللبنانيين فيما بينهم وحروب الآخرين على أرض لبنان، لشتّى أنواع الاضطهاد. يكفي أنّ حركة “فتح” التي انخرطت في الحرب اللبنانيّة، قرّرت دعم تنظيم مثل “المرابطون”، بدل أن تقف إلى جانب شخص معتدل يتحلّى بالجرأة مثل الرئيس صائب سلام الذي كان شخصيّة وطنيّة وعربيّة تمتلك موقعاً متميّزاً في لبنان وخارجه. انتزعت “فتح” الشارع من صائب سلام بقوّة السلاح وسلّمته إلى إبراهيم قليلات، لا لشيء إلّا لأنّه كان أداة طيّعة في يدها.
ما لم تفعله “فتح” مع صائب سلام فعله النظام السوري الذي أخذ على عاتقه اغتيال الزعيم السنّيّ سياسياً فأجبره على اللجوء إلى جنيف حيث أمضى سنوات عدّة بعيداً عن بيروت. تكفّل النظام السوري باغتيال شخصية سنّيّة معتدلة أخرى سياسياً. حيّد الرئيس تقيّ الدين الصلح، رجل الانفتاح والحوار والتوازن السياسي. من لم يزِح من طريق النظام السوري في مرحلة ما بعد خروج المنظّمات الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982، تمّت تصفيته جسدياً، مثل المفتي حسن خالد أو الشيخ صبحي الصالح وآخرين غيرهما.
المطروح حاليّاً إلغاء السُّنّة من المعادلة اللبنانيّة. ذلك هو المعنى الحقيقي لاغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005. ذلك هو أيضاً معنى توقيع وثيقة مار مخايل بين حسن نصرالله وميشال عون في شباط 2006، بعد عودة ميشال عون إلى لبنان على دم رفيق الحريري.

يمكن إيراد محطّات عدّة مرتبطة بالتركيز على تغيير طبيعة لبنان وصولاً إلى الانتقال من الوصاية السوريّة إلى “عهد حزب الله” الذي كان على رأسه ميشال عون وصهره جبران باسيل. من هذا العهد الذي وُلد من فراغ رئاسي استمرّ سنتين وخمسة أشهر، وُلد فراغ رئاسي جديد لا مكان فيه لدور سنّيّ بعد الاعتكاف السياسي لسعد الحريري.
الأكيد أنّ عودة بشار الأسد إلى شَغل موقع “الجمهوريّة العربيّة السورية” في جامعة الدول العربيّة وحضوره للقمّة العربيّة التي انعقدت في جدّة لم يساعدا في طمأنة السُّنّة في لبنان، كذلك السُّنّة في سوريا، الذين يرفض النظام في دمشق السماح لهم بالعودة إلى قراهم ومدنهم وأرضهم.

اليأس عند سُنّة لبنان
عندما يتحدّث بشار الأسد، العائد إلى جامعة الدول العربيّة، عن أنّ المجتمع السوري صار “أكثر تجانساً” مع التخلّص من ملايين السوريين من أهل السُّنّة الذين هُجّروا إلى تركيا والأردن ولبنان وبلدان أخرى… وإلى مناطق آمنة في الداخل السوري، يصبح طبيعياً أن يبحث السُّنّة في لبنان عن بطل.

إقرأ أيضاً: لماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟

وجد هؤلاء ضالّتهم في رجب طيّب إردوغان الذي لن يكون قادراً على لعب الدور المطلوب منه لعبه، خصوصا أنّه سيكون من الصعب عليه التخلّص يوماً ما من حقده على الغرب من جهة، ومن كونه مؤمناً بفكر الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
واضح أنّ اليأس الناجم عن الضياع والفراغ والإحباط وراء هذا التوجّه السنّيّ اللبناني الذي يحتاج إلى علاج ما. قد يكون هذا العلاج في تفهّم عربي في العمق لِما يعاني منه السُّنّة في لبنان، وهو ما يعاني منه المسيحيون والدروز وقسم لا بأس به من الشيعة أيضاً. كذلك قد يكون العلاج في قيام جبهة عريضة ترفع شعار الولاء للبنان أوّلاً، وتؤكّد في الوقت ذاته أنّ فرض “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران رئيساً للجمهوريّة على اللبنانيين ليس خياراً لبنانياً مطروحاً حتّى لو استمرّ الفراغ الرئاسي طويلاً. يظلّ الفراغ في نهاية المطاف أفضل من ميشال عون آخر في قصر بعبدا.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@ 

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…