منظمة التحرير وانتقال الانقسام إلى السويد؟

2023-06-04

منظمة التحرير وانتقال الانقسام إلى السويد؟

جاء الاحتفال الفلسطيني بمرور 59 عاماً على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، التي ترتكز على تاريخ من معارك الكفاح الوطني وعشرات الآلاف من الشهداء، على خلفيّة عقد مؤتمر “75 عاماً وإنّا لعائدون”، الذي نظّمه فلسطينيّو أوروبا بمدينة مالمو في السويد، والخلاف الحادّ حول هذا المؤتمر الذي رأت فيه فصائل منظّمة التحرير محاولة لشقّ الصف الفلسطيني وإنشاء منظمة تحرير موازية، متّهمةً حركة حماس بالإعداد لهذا المؤتمر وتنظيمه.
رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح علّق على عقد مؤتمر “مالمو” في السويد، بإدانة “استمرار كلّ المحاولات التي تستهدف شقّ صفّ الشعب الفلسطيني، والالتفاف على منظّمة التحرير الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.

مؤتمر مالمو وواقع الانقسام
يعكس مؤتمر العودة في مدينة مالمو السويدية واقع الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي، وهو أيضاً محاولة لملء واستغلال الفراغ الذي تركته منظمة التحرير، خصوصاً في الشتات، عبر سنوات طويلة من الترهّل والضعف وحلول السلطة الوطنية مكانها، على أساس أنّ السياسة والطبيعة لا تعرفان الفراغ.
لقد زاحمت السلطة الوليدة منظمة التحرير على دورها وصلاحيّتها، وأصبحت عنواناً جديداً وموازياً للفلسطينيين بعد توقيع اتفاقيات أوسلو. وترافق ذلك مع رغبة دولية بالتعامل مع السلطة وتهميش المنظّمة، فسيطرت السلطة على معظم المؤسّسات التمثيلية كالسفارات والمؤتمرات والبعثات، وعلى كلّ المؤسّسات الخدماتية والوظائف والقوّة الأمنية، وكلّ الإمكانات البشرية والمالية، والعلاقات الخارجية، وكلّ شيء بحيث لم يبقَ من منظمة التحرير سوى مسمّيات غير فاعلة، وتحوّلت إلى مجرّد هياكل، وبقيت الطوابق العليا من منظّمة التحرير، اللجنة التنفيذية والمجلسَين الوطني والمركزي.

يعكس مؤتمر العودة في مدينة مالمو السويدية واقع الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي، وهو أيضاً محاولة لملء واستغلال الفراغ الذي تركته منظمة التحرير

لم تعد منظمة التحرير هي نفسها المنظمة التي كانت قبل عقود، ولم تعد صاحبة القوّة الأولى على الأرض. فقد تعرّضت هذه المؤسّسة لقدر من العوامل والظروف دفعتها إلى الوراء وإلى هامش الفعل السياسي، كان بعضها ذاتيّاً ينبع من داخل المنظمة وبعضها الآخر يعود إلى مناخات مختلفة وسياقات تاريخية أدّت إلى تهميش مكانتها. فمنظمة التحرير ابنة مُناخات الصراع المسلّح مع إسرائيل الذي لم يبقَ منه شيء بعد مرحلة أوسلو، إذ تنحّى السلاح جانباً وتمّ الانتقال نحو مرحلة مختلفة تماماً عنوانها السلام والمفاوضات.

لكنّ حقائق التاريخ تبيّن أنّه لولا منظمة التحرير لما كانت هناك قضية فلسطينية. فقد قامت المنظمة بما يمكن توصيفه بالمعجزة التاريخية، إذ أوجدت شيئاً من العدم في ظروف مستحيلاتها أكبر بما لا يقاس من ممكناتها. فبعد النكبة، تعرّض الشعب الفلسطيني لضربة قاضية في عموده الفقري وتشتّت في شتّى بقاع الأرض، وكان مهدّداً بالذوبان في كيانات وهويّات مختلفة، وفي هذا الوقت بالذات جاءت المعجزة التي جعلت من هذا الشتات المبعثر مجتمعاً له هويّة ونشيد وجيش ومؤسّسة جامعة. تمكّنت منظمة التحرير من تحويل الشعب الفلسطيني من حالة إنسانية إلى حالة سياسية وفرضت حضوره على خارطة العالم. واكتسبت شرعية قيادتها وتمثيلها وحيدة للشعب الفلسطيني من خلال الشرعية الثورية التي انتزعتها بالممارسة الفعليّة للكفاح الوطني بكلّ أشكاله لنيل الحرّية والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي. لكن بعد قيام السلطة الوطنية، لم تعد الشرعية الثورية مصدراً وحيداً لشرعية القيادة والحكم، بل صار النظام السياسي الفلسطيني قائماً على كيانين، هما منظمة التحرير والسلطة الوطنية.

اصلاح منظمة التحرير ضرورة
تظهر حقائق التاريخ أيضاً أنّ الحركات الفلسطينية بشقَّيها منظمة التحرير وحركة حماس والجهاد الإسلامي فشلت في التوصّل إلى إطار وحدوي مشترك يقود في نهاية المطاف إلى ضمّ كلّ القوى في إطار منظمة التحرير وتوحيد المؤسّسات الفلسطينية عبر البدء بإجراءات لتشكيل مجلس وطني جديد ومجلس مركزي ولجنة تنفيذية إمّا بالانتخابات العامّة أو بالتوافق على نسب تمثيلية معيّنة.

لم تعد منظمة التحرير هي نفسها المنظمة التي كانت قبل عقود، ولم تعد صاحبة القوّة الأولى على الأرض

يعود السبب في هذا الفشل إلى نشوء مراكز قوى في الضفّة والقطاع لا ترى في الوحدة مصلحة لها، وتعارض بشدّة إجراء الانتخابات على مستوى الوطن، باعتبارها الممرّ الإجباري لإعادة الوحدة، وتشكيل منظمة التحرير على أسس جديدة قائمة على موازين القوى الحقيقية داخل الشارع الفلسطيني، لا على اعتبارات ماضويّة فقط.
يرى تيار واسع في النظام السياسي الفلسطيني الرسمي أنّ إصلاح المنظمة هو ضرورة بحكم صيرورة التاريخ، وأنّ وجود فصائل لها ثقل جماهيري وكفاحي في الشارع الفلسطيني لا يمكن القفز عنه، وتجاهله أشبه بتغطية الشمس بغربال، لكن يشترط هذا التيار عدم تمكين فصائل الإسلام السياسي، ولا سيّما حركتي حماس والجهاد الإسلامي، من السيطرة على منظمة التحرير، ويقترح لذلك آليّات للتمثيل داخل المنظمة تؤدّي إلى مشاركة “حماس” و”الجهاد” الفعلية من دون تمكينهما من السيطرة على منظمة التحرير.

إقرأ أيصاً: جنين رمز “المقاومة الفلسطينيّة” تواجه الصهيونية الدينية..

غير أنّ حركة حماس بعد مشروع “عملقتها” أصبحت ترى في نفسها وريثة شرعية للنظام الفلسطيني وحركة فتح ومنظمة التحرير، وأنّ قرار الحرب والسلم أصبح بيدها بعد معركة “سيف القدس”، ولهذا يجب إفساح الطريق لها للسيطرة على منظمة التحرير وقيادة الشعب الفلسطيني. وهي تطرح من أجل ذلك أن تدخل هي و”الجهاد” منظمة التحرير بناء على توازن القوى الحالي في الشارع الفلسطيني في الضفّة وغزّة وأراضي عام 1948، والأهمّ الشتات الذي أصبحت حركة حماس تراهن عليه كثيراً، أو ستحاول جاهدة خلق كيانات موازية لمنظمة التحرير دون نجاح يذكر إلا في مزيد من خلخلة العقد الفلسطيني…

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…