في مؤتمر هو الأوّل من نوعه في لبنان، وقد يضع الدولة برمّتها أمام أسئلة مُحرِجة تتطلّب تقديم إجابات مدروسة وسريعة، يُقام غداً في فندق هيلتون متروبوليتان- بيروت مؤتمر دولي بعنوان “أمن الحدود والمنشآت الحيوية” (Border and vital installations security)، برعاية قائد الجيش العماد جوزف عون وإعداد مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني، وبالتعاون مع الإدارات المعنيّة وشركة SEGMA، وحضور خبراء دوليين من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وشخصيات سياسية وأمنيّة ودبلوماسية وأكاديمية.
يتناول هذا المؤتمر بشكل خاص أمن وسلامة وبيئة الأنشطة البترولية في المياه اللبنانية. وهو ملفّ على قدر كبير من الأهمية، وخاصّة بعدما تأكّدت عملية البدء بالحفر في حقل “قانا” ضمن البلوك رقم 9 الجنوبي من قبل شركة TransOcean التي فازت من بين خمس شركات بعرض المناقصة التي أجرتها شركة “توتال إنرجين” الفرنسية.
يُقدّم حزب الله نفسه الجهة المخوّلة الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية برّاً وبحراً وجوّاً. لكنّ المقصود هنا تعرُّض المنشآت البترولية لاعتداء خارجي أو إرهابي أو أحداث كتسرّب نفطي أو حوادث اصطدام أو غيرها
فعليّاً، خطا لبنان الخطوة العملانية الأولى في اتّجاه مسار التنقيب عن النفط والغاز، ويُتوقّع بدء أعمال الحفر خلال شهر أيلول وأن تنتهي نهاية العام، ليتبيّن لاحقاً وجود اكتشاف غازي أو نفطي تجاري من عَدمه.
أتى ذلك بعد ترسيم لبنان حدوده البحريّة مع إسرائيل بعد سنوات طويلة من المفاوضات المُتقطّعة التي انتهت بدخول الجيش على خطّ الترسيم من خلال خوضه معركة الخط 29 الذي نقل النزاع من المياه اللبنانية إلى المياه التي تنقّب فيها إسرائيل عن النفط والغاز، وهو ما أدّى إلى حسم تنازل الجانب الإسرائيلي عن مساحة الـ 860 كلم مربّعاً المتنازع عليها، وسمح لشركة “توتال” وشركائها بالبدء بأعمال الحفر الاستكشافي في حقل “قانا”. لكنّ الدولة اللبنانية لا تبدو جاهزة بما فيه الكفاية لمرحلة التحضير للحفر والاستكشاف ثمّ الاستخراج في حال تبيّن وجود كميّات تجارية من النفط أو الغاز الطبيعي.
هل الحكومة “واعية”؟
ثمّة سؤال كبير يُطرح هنا: ماذا عن كيفية ضمان أمن وسلامة منشآت الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخالصة البعيدة عن الشاطئ؟ هل الحكومة “واعية” لضرورة تأمين مقوّمات ومستلزمات الحماية من مراكب وطوّافات قادرة على البقاء بحانب هذه المنشآت لحمايتها من أيّ اعتداء إرهابي أو حادث اصطدام يؤدّي إلى كوارث كبيرة كتسرّب نفطي مثلاً؟
من المتوقَّع أن يُجيب مؤتمر “أمن الحدود والمنشآت الحيوية” أو يلقي الضوء على عدّة جوانب ما تزال غامضة في سياق مسار التحضير لعمليات الحفر المُنتظَر أن تستغرق في المرحلة الأولى بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، ثمّ يكون الاستخراج بعد عدّة سنوات إذا كانت البئر تحوي كميّات تجارية.
إنّ الأمر بمنزلة جرس إنذار للدولة اللبنانية، فهل تسمعه أو يقتصر الأمر على حضور الوزراء والسياسيين المعنيّين حفل افتتاح المؤتمر ثمّ يغادرون، أم يتمّ تعيين لجنة تتابع التوصيات النهائية التي ستصدر عنه؟
خارطة طريق
يقول مطّلعون لـ “أساس”: “يجب أن تشكّل هذه التوصيات خارطة طريق تصل إلى الوزارات المعنيّة ومجلسَيْ الوزراء والنوّاب لاتّخاذ القرارات والتشريعات اللازمة، ويجب أن تكون الخطوة الأولى في مسار الألف ميل، فلا يعتقد أحد أنّه تمّ ترسيم الحدود البحرية وسيُصار إلى استخراج النفط والغاز تلقائيّاً من قبل الشركات. هناك عمل وجهد جبّار يجب أن يُبذل من قبل الوزراء والجهات والإدارات المَعنيّة لمواكبة أعمال الأنشطة البترولية، وإلّا فستكون العواقب وخيمة على الشعب اللبناني وعلى حسابه إن لم يتمّ التحضير لذلك قبل وقت طويل نسبياً”.
خطا لبنان الخطوة العملانية الأولى في اتّجاه مسار التنقيب عن النفط والغاز، ويُتوقّع بدء أعمال الحفر خلال شهر أيلول وأن تنتهي نهاية العام، ليتبيّن لاحقاً وجود اكتشاف غازي أو نفطي تجاري من عَدمه
أسئلة بالجملة
تتوزّع محاور المؤتمر على ثلاثة مستويات أساسية: معالجة أمن وسلامة وبيئة الأنشطة البترولية.
الملفّات التي ستُطرح، وفق مطّلعين، بالغة الأهمية، والأجوبة ستكمن في العديد من مطالعات أصحاب الاختصاص. ومن النقاط المُثارة: هل وضعت الدولة اللبنانية مُخطّطاً لحماية أمن المنشآت البترولية؟ في حال تعرُّض المنشأة لاعتداءٍ ما فمن سيتّكل على مَن، المشغّل (تحالف توتال-ايني-قطر) على الدولة أم العكس؟ ما هي الترتيبات في حال اصطدام سفينة أو زورق بمنصّة الحفر؟ ما هي قدرات الجيش الحالية على الإحاطة بهذا النوع من المهمّات المُستجدّة على بعد 30 ميلاً من الشاطئ؟ هل مطلوب من الدولة تجهيز الجيش بالمراكب والطائرات والأسلحة والمعدّات اللازمة؟ هل يوضع إنشاء وتجهيز مركز للبحث والإنقاذ على سلّم الأولويات كما في قبرص؟ هل يتمّ وضع وإقرار خطة شاملة لمكافحة التلوّث في البحر تقوم بها جهة محدّدة في الدولة بالتعاون مع المُشغّل والقطاع الخاص والدول الصديقة؟
باختصار، من يتحمّل مسؤولية أمن المنشآت تجاه أيّ عمل تخريبي خارجي أو حادث كبير؟ وهل الاتّفاق الموقّع بين الدولة اللبنانية و”توتال إنرجين” يقدّم إحاطة كاملة لهذه التساؤلات، وخاصة لناحية تحديد المسؤوليّات وسبل التعاون بينهما؟ وماذا عن دور شركات التأمين؟
يَجدر في هذا السياق الإضاءة على أمرين:
– يُقدّم حزب الله نفسه الجهة المخوّلة الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية برّاً وبحراً وجوّاً. لكنّ المقصود هنا تعرُّض المنشآت البترولية لاعتداء خارجي أو إرهابي أو أحداث كتسرّب نفطي أو حوادث اصطدام أو غيرها.
– يحاكي مؤتمر “أمن الحدود والمنشآت الحيوية” الهواجس التي تعالجها معظم دول العالم عبر خطط توضح توزّع المسؤوليّات وتكرِّس التعاون مع الجهات المعنيّة. وقد تكشف المداخلات على مدى يومين ثغرات حقيقية تحتاج إلى معالجة سريعة، وخصوصاً أنّ إسرائيل مثلاً لديها مراكبها البحرية المولجة حماية منصّات الاستكشاف والاستخراج لديها، ولبنان بدوره معنيّ بتأمين نُظم حماية معيّنة لأنّ الجيش، بقدراته الحالية، قد يكون غير قادر على تأمين الحماية اللازمة، لا سيّما أنّ المخاطر الأمنيّة تكبر كثيراً في مرحلة الاستكشاف والاستخراج.
إقرأ أيضاً: وسيم منصوري: بصلاحيات استثنائية.. “أحكم” مصرف لبنان
يُذكر أنّ من أهمّ المتحدّثين الأجانب في المؤتمر Lorenzo Schiano di Pepe (من إيطاليا)، وهو من أهمّ الخبراء في قانون البحار الدولي والأوروبي، والخبيرة البريطانية Lena Chong-Pan المسؤولة في أهمّ الشركات المعنيّة بمكافحة التلوّث في أوروبا وإفريقيا التي ستتحدّث عن تحديد المسؤوليّات بين الدولة والمشغّل، ومسؤول مركز البحث والإنقاذ في قبرصAndreas Zacharia ، ومسؤول أنظمة الحماية في شركة “آني” الإيطالية Alfio Rapisarda، ومسؤول العمليات في شركة توتال إنرجين Gilles Chalanco، والخبير المتخصّص في تحسين التقنيّات لناحية التكلفة وأمان منصّات النفط والمرافق الاستراتيجيةIvan Ruiz Munoz، وعدد من أصحاب الاختصاص في الجيش اللبناني والأمن العام وزارة الأشغال والنقل وهيئة إدارة قطاع البترول والخبراء الأجانب واللبنانيين الواردة أسماؤهم في رابط برنامج المؤتمر. وقد عَلِم “أساس” أنّ الحضور اكتمل، لكن بسبب طلبات المُشاركة تّم إفساح المجال أمام تسجيل المزيد من المشاركين على الرابط الإلكتروني.
للاطلاع على برنامج المؤتمر اضغط هنا
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@