حذرت مجلة “ناشيونال انترست ” من أنّ السرعة التي اشتد بها التنافس بين الولايات المتحدة والصين قد خلقت وضعاً محفوفاً بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، وأن الأنظمة الملكية في هذه الدول يتعين عليها تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية لتمنع تحوّلها إلى ضحية بسبب المنافسة الاستراتيجية بين الصين وأميركا.
ممّا يحتّم على واشنطن توجّهات جيوسياسية أكثر حذراً في المنطقة، وأنّ تعزيز الشراكات الأمنية الاستراتيجية هي “الورقة الرابحة” التي تخلق حبلاً سرياً عسكرياً يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي وواشنطن.
ونبه الدكتور مردخاي شازيزا، وهو محاضر أوّل في قسم السياسة والحكم وقسم الدراسات متعددة التخصصات في العلوم الاجتماعية، في كلية عسقلان الأكاديمية الإسرائيلية، الى أن العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية ودول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الأخيرة لم تعد تعمل في اتجاه واحد، بل أصبحت علاقة ثنائية الاتجاه. فهي تنوعت وتعمقت لدى الطرفين لتشمل تطوير أشكال الطاقة المتجددة وإنشاء مشاريع البنية التحتية والنقل، بالإضافة الاستثمارات في التمويل والسياحة والاقتصاد الرقمي. إذ استثمرت الصين أيضاً في تطوير الموانئ والمجمعات الصناعية على طول ساحل شبه الجزيرة العربية كجزء من طموحات مبادرة طريق الحرير البحري. وكان لدول مجلس التعاون الخليجي دوراً حاسماً في مبادرة الحزام والطريق الصينية خلال توسّعها غرباً، نظراً لموقعها الجغرافي الملائم وقربها من البحر الأحمر.
حذرت مجلة “ناشيونال انترست ” من أنّ السرعة التي اشتد بها التنافس بين الولايات المتحدة والصين قد خلقت وضعاً محفوفاً بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي
وحذّر شازيزا من أنّ تكثيف التنافس الشامل، الذي يشمل القوة العسكرية والتجارية والمالية والتقنية في منطقة الخليج العربي التي عادت اليوم كساحة لتنافس القوى العظمى، خلق وضعاً محفوفاً بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي.
تحديات ومقاربات مختلفة
وعرض الكاتب لتحديات “جيوسياسية وتجارية جديدة تواجهها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي مع ضغوط جديدة على إدارة أمنها القومي والتنمية الاقتصادية”. واعتبر ان هذه الدول تدرك المخاوف الأميركية المتزايدة بشأن الصين ولا تريد الوقوع في صراع بين البلدين ولا الوقوف إلى جانب إحدى القوتين فتحاول التنقل بين حليفها الأكثر أهمية وضامن الدفاع من جهة، وشريكها الاقتصادي المتزايد الأهمية واللاعب الإقليمي الصاعد من جهة أخرى.
أما السبب فهو تأمين الحماية من التهديدات من خلال إقامة علاقات مع قوى أخرى، مثل الصين، لحماية نفسها من اختلال التوازن المتزايد. والهدف من “سياسة التحوّط” هو تحويل الصين إلى مصدر إضافي للدعم السياسي والاقتصادي، وحتى العسكري، يمكن الاستفادة منه للضغط على الولايات المتحدة لتعديل سياستها. ومع ذلك، على الرغم من الشكوك حول التزام واشنطن بأمنها، تدرك دول الخليج أنه لا بديل للوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
وميّز الكاتب اختلافات كبيرة بين مواقف دول الخليج تجاه الصين والتنافس بين القوى العظمى، رغم الشكوك الواضحة بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه المنطقة. واعتبر أن الاستراتيجيات التي تتبعها كل دولة في نهاية المطاف ستختبر أمن المنطقة واستقرارها، وربما تقسم دول مجلس التعاون الخليجي.
وقسّم دول مجلس التعاون إلى ثلاث مجموعات:
-“دول التحوّط” (السعودية والإمارات).
-“دول التوازن” (قطر وعمان).
– و”الدول الحذرة” (الكويت والبحرين).
رقصة التانغو تحتاج إلى شخصين، ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تظهر أنّها شريك مسؤول ومخلص
أما الأسباب التي اضعفت الوجود الاميركي في المنطقة، فهي تتراوح بين قرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان ومراجعة الوجود العسكري الأميركي في بقية أنحاء الشرق الأوسط. سواء قطع الدعم العسكري للهجوم الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، أو نقل السفن والقوات وأنظمة الأسلحة من دول الخليج الأخرى نحو مسرح المحيط الهادئ .
فواشنطن لا تستطيع وحدها أن تلعب دور الشرطي في الخليج كما فعلت في الماضي. بل لديها أولويات أخرى. ويجب عليها أن تجد طريقة لتقليل وجودها العسكري في الخليج العربي وان تدفع دول مجلس التعاون الخليجي للتدخل وسد هذه الثغرات، وتشجيعها على الدفاع عن نفسها بدلاً من الاعتماد عسكرياً ولوجستياً على الدعم الأميركي في كل صراع إقليمي وضد التهديدات الخارجية. وهذا ما سيتيح لها الاستقلالية في المناورة ضمن محاولة “الحياد الإيجابي” داخل المنافسة بين القوى العظمى. وهو السبيل إلى ان تكون حرة في تطوير التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع الصين دون تهديد الشراكة الأمنية الاستراتيجية الشاملة مع الولايات المتحدة طالما أن هذه الإجراءات لا توفر لبكين موطئ قدم استراتيجي غير ضروري في المنطقة.
خيارات إدارة بايدن
إذن ما هي الخيارات التي تواجه إدارة بايدن؟ وما هي الخطوة التالية في العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي؟
يخلص الكاتب إلى نصيحة محدّدة: “إذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في الحفاظ على شراكتها الأمنية الاستراتيجية مع واشنطن، فعليها أن تتماشى معها في تنافسها مع بكين بدلاً من محاولة “اللعب على الحبلين”. قد يساعد الالتزام الأميركي المتجدد بالمشاركة الإقليمية في قلب التوازن. إذ إن تعزيز الشراكات الأمنية الاستراتيجية سيؤثر على كيفية صنع القرار في هذه الدول. كما أن الشراكة (مبيعات الأسلحة وضمانات الأمن الإقليمي) هي العامل الفاصل ومغيّر قواعد اللعبة في استقرار العلاقات مع شركائها في الخليج والتنافس مع الصين على النفوذ الإقليمي. وهي “الورقة الرابحة” التي تخلق حبلاً سرياً عسكرياً يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي وواشنطن.
إقرأ أيضاً: تقرير أميركا عن حقوق الإنسان في لبنان: لماذا التساهل والحذف؟
وختم شازيزا معلناً أنّ “دول الخليج لا بديل لها عن الوجود العسكري الأميركي في مواجهة إيران”. لكنّه أكّد أنّ “رقصة التانغو تحتاج إلى شخصين، ويجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تظهر أنّها شريك مسؤول ومخلص. في المقابل، تحتاج إدارة بايدن لإعادة تشكيل موثوقيتها في كل ما يتعلق بالتزاماتها الأمنية الإقليمية”.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا