هل إيران هي المستفيد الأكبر من الاتفاق مع المملكة العربية السعودية برعاية الصين في 10 آذار الماضي؟
هذا السؤال أجاب عنه باحث هندي متخصص في الدراسات الفارسية وآسيا الوسطى، في مقال نشره موقع “EurAsian Times”* الإخباري الهندي الكندي، مبدياً ميلاً إلى أنّ إيران قد تكون هي الرابح الأكبر من الاتفاق، برفع العقوبات عنها من خلال تغاضي بعض الدول العربية عن العقوبات الأميركية بالانفتاح الاقتصادي على طهران، والاحتماء من تزايد “الثورة” في الداخل، التي كان يمكن أن تطيح بالنظام وربّما كانت الحافز الذي دفعه إلى إصلاح العلاقات مع السعودية العدو اللدود لإيران.
الباحث كاشي ناث* بدأ تحليله من زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى السعودية، التي اعتبرها “فاشلة”، وما تبعها من توتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج: “منذ ذلك الحين، بدأ العالم العربي بشكل عام، وثلاث دول خليجية، هي السعودية والإمارات والبحرين على وجه الخصوص، تشعر بالخجل والاستحياء من اعتمادها على الولايات المتحدة للغطاء الأمني. فكانت الإمارات والبحرين براغماتية في اتخاذ المبادرة لتسهيل العلاقات مع إسرائيل. بينما السعودية التي تخلت أيضاً عن بعض موانعها، إلا أنها كقائدة للعالم الإسلامي لديها قيود تتطلب الحكمة والحذر. والحكمة السياسية تفرض تحويل الصراعات الى تنازلات وإعطاء الأولوية للحل السلمي للخلافات دون المساس بالاستقلال”.
نظام طهران المحافظ والرجعي ولد من رحم حركة جماهيرية وهو غير متأكد من احتمال بقائه لفترة طويلة. ومن يدري، فقد تأتي حركة تحرير الجماهير في هذا البلد
السعودية.. وإسرائيل
الباحث الهندي الذي تعلّم الفارسية حين كان طالباً في جامعة طهران، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإيرانية وآسيا الوسطى، اعتبر أنّ “إيران انطلقت من أنّ التهديد الذي يشكله الوجود الأميركي قرب الخليج العربي بدأ يخسر حدته بسبب الظروف المتغيرة، فرأت أنه من المستحسن تحييد توسع نفوذ إسرائيل فيه من خلال ايجاد قضية مشتركة مع السعوديين، بعدما قررت الإمارات والبحرين فتح فصل جديد من العلاقات الطبيعية مع إسرائيل، بما في ذلك التجارة والسفر. فكانت رسالة واضحة للمتشددين في النظام الديني في إيران بأنهم ينتهجون سياسة عفا عليها الزمن”.
إيران لن تقلل بالتأكيد من هجماتها ضد إسرائيل في الداخل الفلسطيني حتى بعد إبرام اتفاق “كسر الجليد” مع السعوديين: “لأن أسباب العداوة بين السعودية وإيران تتجاوز حدود الصراع الفئوي بين الفصائل، وهي ولها جذور عرقية وتاريخية عميقة لكلا البلدين. أما العقوبات التي أعيد فرضها على إيران فبدأت تُظهر تأثيراً مدمراً على اقتصادها، حيث ارتفعت خلال الاحتجاجات الأخيرة للنساء الإيرانيات ضد الحجاب، أصوات تندد بازدياد بطالة الشباب وضعف اقتصاد البلاد. وبالتالي فلن تخاطر أي حكومة عاقلة بتكرار الأزمة. وإذا حدث ذلك، فلا يمكن استبعاد التدخل الأجنبي”.
الاتفاق سيغيّر إيران
الباحث الذي كرمته السفارة الإيرانية في نيودلهي في عام 2011 يعتقد أن “إيران ستكتشف بنتيجة اتفاقها السلام مع السعودية، أن بإمكانها إبطاء رغبتها في تصنيع أسلحة دمار شامل. بالطبع، هي لن تتخلى عن الفكرة أبداً، لكن التباطؤ قد يفتح فرصة لإعادة النظر في البرنامج وفقًا لنفس المعايير المعتمدة لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وسيُظهر تحليل أعمق لديناميكيات العلاقة الإيرانية – السعودية أن تقليل نفوذ وتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وضعف الود التقليدي بين الولايات المتحدة والسعودية، وزيادة البصمة الروسية في إيران، وتحقيق التوازن الذي تقوم به بكين… كلها عوامل تتضافر لتغيير اتجاه ومسار الرياح السياسية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج”.
أما تحذير الولايات المتحدة من عدم قابلية الاتفاق للتطبيق، فهو ليس خاطئاَ لأنّ “الصدمة التي لحقت بنظام رجال الدين في طهران من قبل الحركة النسائية الإيرانية ضد الحجاب والوحشية التي قمعت بها قوات الأمن الحركة الجماهيرية، ستظلّ تثقل كاهل أذهان آيات الله الحاكمين. ونظام طهران المحافظ والرجعي ولد من رحم حركة جماهيرية وهو غير متأكد من احتمال بقائه لفترة طويلة. ومن يدري، فقد تأتي حركة تحرير الجماهير في هذا البلد.. وفي مثل هذا السيناريو الاجتماعي والسياسي ستنفتح آفاق جديدة امام الجماهير الإيرانية وأمام البنية الاجتماعية للبلد بأكمله، وستتظهّر إمكانات مبتكرة من قبل الشباب الإيراني ما سيخلق تطوراً ديمقراطياً كاملاً. وربما كان هذا التصور هو ما حفّز ارادة نظام الملالي في طهران لإصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية، العدو اللدود”.
رأى الباحث ان تطبيع العلاقات بين دولتين مهمتين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، اللتين كانتا على خلاف منذ فترة طويلة، سيكون له التأثير المفيد على بؤر التوتر المحيطة
تخفيف “بؤر التوتر”
ورأى الباحث ان تطبيع العلاقات بين دولتين مهمتين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، اللتين كانتا على خلاف منذ فترة طويلة، سيكون له التأثير المفيد على بؤر التوتر المحيطة. فمع وقف إراقة الدماء في اليمن، يجب أيضًا وقف تدفق الأسلحة والذخيرة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين. وسيكون لهذا تأثير على الحرب في سوريا، حيث تظهر على الطرفين المتقاتلين علامات الإرهاق.
إقرأ أيضاً: كيسنجر: أميركا لم تعد “القوّة الوحيدة” في المنطقة
وختم الكاتب بأنّ ايران “قد تكون هي الرابح الأكبر من حركة السلام. وبعد التوقيع على الاتفاق، لن يعد هناك مبرر لطهران لتغذية الكراهية المستمرة ضد إسرائيل. وهذا يناسب الدائرة المؤيدة لليهود في الكونغرس الأميركي. وستسعد روسيا والصين بإجبار الولايات المتحدة على تغيير قواعد اللعبة. وقد يساهم الاتفاق بشكل كبير في رفع العقوبات عن إيران. كما سيكون لاتفاق السلام الإيراني السعودي نتائج ممتازة بالنسبة لأفغانستان. إذ سيؤدي الاستكمال الناجح لخط السكة الحديدية بين تشابهار – هلمند – كابول – ترميز إلى فتح منطقة وسط آسيا الشاسعة والغنية بالموارد إلى الجنوب العالمي. وسيعزز التجارة والسياحة في جنوب ووسط آسيا. وقد يؤدي الى استئناف المفاوضات لنقل الغاز الإيراني إلى الهند والغاز التركماني إلى أفغانستان وباكستان والهند وبنغلاديش”.
*كاشي ناث بانديتا: باحث هندي. المدير السابق لـ”مركز دراسات آسيا الوسطى” بجامعة كشمير. حاز في عام 2017 على جائزة “بادما شري” في الأدب والتعليم التي تمنحها حكومة الهند كل عام في يوم الجمهورية الهندية للمتميزين في حقول عدة.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا