لورنس العرب الأميركيّ: “علينا إعادة الانخراط في الشرق الأوسط”

مدة القراءة 5 د

“يتعيّن على القادة الأميركيين إعادة الانخراط في سياسة أكثر نشاطاً تجاه منطقة الشرق الأوسط، واستعادة القدرة على لعب الدور الرئيسي فيها”. هذا ما خلُص إليه السفير الأميركي السابق في لبنان ريان كروكر(*) في محاضرة ألقاها خلال الأسبوع الأخير من شهر شباط حول تجربته في العمل الدبلوماسي أمام طلبة برنامج ماجستير العلوم في مجال الشؤون الدولية والخدمة الخارجية (السلك الدبلوماسي) في جامعة جورجتاون الأميركية.

 

ضرورة التاريخ

يرى كروكر الذي حصل على لقب لورنس العرب الأميركي من الرئيس جورج دبليوبوش عام  2009 لجهوده في العراق أنّ خيارات السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا هي مثال على الاستراتيجيات التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها في المنطقة.

عرض كروكر تجربته الطويلة في العمل الدبلوماسي كسفير للولايات المتحدة في ست دول في الشرق الأوسط في عهد الرؤساء الأميركيين السابقين جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما.. فارتبط اسمه بالبعثات الأميركية في المنطقة.

في رأيه أنّ “معرفة تاريخ المنطقة وتصور السكان المحليين لهذا التاريخ أمر بالغ الأهمية لأيّ موظف طموح في السلك الدبلوماسي لفهم البلدان التي يخدم فيها”. قبل انخراطه في العمل الدبلوماسي، يقول كروكر: “لم أكن أعرف الكثير عن التاريخ حقاً. معظمنا في أميركا لا يعرف التاريخ. نحن لا نهتم بالأمس، نحن نهتم باليوم وغداً”.

يتعيّن على القادة الأميركيين إعادة الانخراط في سياسة أكثر نشاطاً تجاه منطقة الشرق الأوسط، واستعادة القدرة على لعب الدور الرئيسي فيها

الخطر في لبنان

في لبنان تعلّم كروكر كيف يتكيّف بسرعة مع بيئات الحرب، حيث عايش مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ونجا من عملية التفجير الانتحاري بسيارة مفخخة التي استهدفت السفارة الأميركية في بيروت في نيسان 1983 وأسفرت عن مقتل 63 شخصاً.

بالنسبة لكروكر: “لم يكن الخطر بحد ذاته مشكلة كبيرة. فأنت تقوم بأعمال مسؤولة وتحاول بالطبع أن لا تتعرّض للقتل دون مبرر. صحيح أن هناك الكثير من الأعمال الورقية (التقارير)، لكنني أحببت عملي بالفعل. قد يبدو لك أحياناً أن الوقت يتباطأ. لكن الأرجح أن الأمور كان يمكن أن تكون أكثر وضوحاً مما كانت عليه لو لم يكن من وجود للمدفعية في الخلفية. فإمّا أن يكون لديك هذا الاستعداد أو لا، وأعتقد أنّني امتلكته.”

بعد بيروت قضى كروكر العام التالي (1984- 1985) في جامعة برينستون في إطار برنامج وزارة الخارجيّة الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ثمّ خدم كنائب لمدير مكتب الشؤون العربية – الإسرائيلية في الوزارة بين عامي 1985 و1987، وعُيّن بعدها مستشاراً في السفارة الأميركية في القاهرة عام 1990، قبل أن يعود إلى لبنان لكن كسفير هذه المرّة وذلك حتى عام 1994.

في لبنان تعلّم كروكر كيف يتكيّف بسرعة مع بيئات الحرب، حيث عايش مرحلة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ونجا من عملية التفجير الانتحاري بسيارة مفخخة

خمول الرؤساء

رؤيته للوضع في منطقة الشرق الأوسط، لما كان عليه هذا الوضع ولما سيصبح عليه، لها علاقة كبيرة، كما قال كروكر، بما قرّرنا القيام به كأميركيين، وما إذا كنا لا نزال مستعدين وقادرين على لعب الدور الخارجي الرئيسي في الشرق الأوسط كما فعلنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

يعتبر أنّه على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت نشطة سياسياً وعسكرياً بشكل عام في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لعب الرؤساء الأميركيون في السنوات الأخيرة دوراً خاملاً وأقل فعالية في شؤون هذه المنطقة. بلغ الخمول ذروته في قرار الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021. ويرى أنّه يتعين على القادة الأميركيين إعادة الانخراط في سياسة أكثر نشاطاً تجاه المنطقة، لافتاً إلى أن خيارات السياسة الخارجية لبايدن في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا هي مثال على الاستراتيجيات التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها في الشرق الأوسط. ويقول: “لقد فعل الرئيس بايدن كل ما يمكنه. ساعات وساعات قضاها مع الاتحاد الأوروبي، مع الناتو، مع آخرين. إنه يفعل كل ما يلزم لإرسال إشارة إلى أن الولايات المتحدة عادت في الواقع، وأننا مستعدون وقادرون على الدفاع عن السلام والأمن في العالم، ولا يزال بإمكاننا حشد تحالف قوي للغاية لدعمنا في هذا المسعى”.

إقرأ أيضاً: نخبة واشنطن: الحرب على إيران.. قريبة جدّاً

وعن رؤيته للتطورات العالمية والدور الأميركي، يعتقد كروكر أن “قبول وتأكيد دور قيادي عالمي للولايات المتحدة أصبحا الآن موضع تساؤل، ليس فقط من قبل المنافسين الدوليين المحتملين، لكن أيضاً من قبل شعبنا وقادتنا.” ويضيف أن هناك حاجة طويلة الأجل لقادة الولايات المتحدة إلى ممارسة حكم دقيق في كل قرار في عصر انعدام الأمن في السياسة الخارجية. إذ إن “أفعالك الرئيسية، سواء كانت للتدخّل أو فك الارتباط، لا تحمل عواقب الدرجة الثالثة والرابعة فحسب، بل عواقب الدرجة 40 و50 التي ربّما لا يمكنك حتّى تخيّلها”.

  

*ريان كروكر: شغل منصب سفير الولايات المتحدة في لبنان من 1990 إلى 1993، ثمّ كان سفيراً لدى الكويت 1994-1997، وسفيراً في سوريا 1999-2001، ثمّ في باكستان من 2004 إلى 2007، وسفيراً لدى العراق من 2007 إلى 2009، ثمّ في أفغانستان من 2011 إلى 2012. وحصل على لقب “لورانس العرب الأميركي” من الرئيس جورج دبليو بوش عام 2009 “لجهوده في العراق”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…