انكفأ الدبلوماسيون وتقدّم العسكر. رسالة أميركية لمن يعنيه الأمر. هي جولة في المنطقة أرادتها إدارة الرّئيس الأميركيّ جو بايدن مزيّنةً بالبدلات العسكريّة عوضاً عن ربطات العُنق والابتسامات الدّبلوماسيّة.
بدأت الجولة مع ميلي الذي زارَ الأراضي المُحتلّة ومناطق سيطرة “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” في سوريا، والمغرب. لم تقف الرّسائل الأميركيّة الموجّهة إلى إيران عند ميلي. إذ بدأ وزير الدّفاع الجنرال لويد أوستن جولة في المنطقة تشمل إسرائيل ومصر والأردن.
“حيثُ يوجد مارك ميلي رئيس الأركان الأميركي لا توجد دبلوماسيّة”، هكذا وصفَ مصدرٌ أميركيّ في وزارة الخارجيّة لـ”أساس” جولة ميلي في المنطقة، ملخّصاً زيارتَيْ الجنراليْن أوستن وميلي بـ”التحرّك ضدّ التهديد الإيرانيّ في المنطقة”.
ناقشَ ميلي إنهاء الخلافات بين قادة “قسد” و”جيش سوريا الحرّة” بهدف تنسيق العمليّة المُحتملة
ماذا وراء الرّسائل العسكريّة الأميركيّة في الشّرق الأوسط؟
البداية من إيران. قبل أسابيع قليلة، بدأت الأصوات تعلو في أوساط الحزب الدّيمقراطيّ مناديةً بضرورة التّخلّي عن الحلّ الدّبلوماسيّ مع إيران، خصوصاً مع كشف أنّ طهران تخطّت نسبة 80% في تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني أنّ إيران باتت قادرة على إنتاج أوّل قنبلة نوويّة خلال أيّام في حال قرّرَ مُرشدها علي خامنئي ذلك.
لا يزال بايدن مُتردّداً بشأن الخيار العسكريّ ضدّ إيران، لكنّ الضّغوطات الدّاخليّة نجحَت في إرسال أعلى ضابطٍ في الجيش الأميركيّ إلى المنطقة.
حطّ الجنرال ميلي رحاله في الأراضي المُحتلّة، وناقشَ مع الإسرائيليين خططهم الجاهزة لضرب إيران، لكنّه نبّه المسؤولين في تل أبيب إلى أنّ إدارة بايدن لا تؤيّد أيّ تحرّك إسرائيليّ مُفاجئ ضدّ المُنشآت النّوويّة الإيرانيّة، وأنّ أيّ تحرّك عسكريّ نحو الدّاخل الإيرانيّ ينبغي أن ينال المُوافقة الأميركيّة أوّلاً.
أدّت عصا الجنرال ميلي قسطها. فقد نزلت إيران عن شجرة النّوويّ، وسمحت لمُفتّشي الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة بدخول منشآتها النّوويّة والتأكّد من نسبة تخصيب اليوارنيوم. سبقَ القرار الإيرانيّ اجتماعٌ بين الرّئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي ورئيس الوكالة رفاييل غروسّي الذي حمَل رسالةً أميركيّةً لرئيسي مُفادها أنّ واشنطن لن تُمسِك بيدَيْ إسرائيل طويلاً في حال لم تُسارع طهران إلى طمأنة المجموعة الدّوليّة في ما يتّصل بنسبة التخصيب.
عمليّة ضدّ إيران في سوريا؟
غادَرَ ميلي تل أبيب وحطّ في منطقة شرق الفُرات حيثُ قوّات سوريا الدّيمقراطيّة. هُناك كان ميلي يجتمع مع قادة “قسد” وقادة مجموعات “أسود الشّرقيّة” المُتمركزين قُرب قاعدة التّنف على المُثلّث الحدوديّ السّوريّ – الأردنيّ – العراقيّ.
سأل “أساس” المصدر الأميركيّ عن غياب دول الخليج العربيّ عن جولة أوستن وميلي، فكشفَ أنّ اجتماعاً أمنيّاً رفيع المستوى عُقِدَ في السّعوديّة جمَع مسؤولين خليجيين وأميركيين رفيعي المُستوى
تشير معلومات خاصّة بـ”أساس” إلى أنّ ميلي ناقشَ مع المجموعات السّوريّة المدعومة من واشنطن الآتي:
– تُخطّط الولايات المُتحدة لإطلاق عمليّة عسكريّة تقوم بها “قسد” و”جيش سوريا الحرّة” ضدّ الميليشيات الإيرانيّة على الحدود مع العراق بهدف إقفال طريق طهران – بغداد – البوكمال – دمشق – بيروت، وبالتّالي ربط قاعدة التّنف في جنوب شرقي سوريا بمنطقة شرق الفُرات.
– ناقشَ ميلي إنهاء الخلافات بين قادة “قسد” و”جيش سوريا الحرّة” بهدف تنسيق العمليّة المُحتملة.
– أبلغ قادة المجموعات أنّ الولايات المُتحدة تنوي رفع عديدها إلى 1,500 عسكريّ لردع أيّ هجوم تُركيّ مُحتمل ضدّ “قسد” قد تستفيد منه إيران لدخول منطقة شرق الفُرات. وهذا ردٌّ على الأصوات التي علَت في واشنطن وطالبت بالانسحاب من سوريا.
يسعى ميلي عبر هذا الاجتماع إلى إصابة هدفيْن:
الأوّل: روسيا، إذ تسعى واشنطن إلى دعم تموضعها في سوريا، في إطار الحرب غير المُباشرة بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا.
الثّاني: ضرب التموضع الإيرانيّ الاستراتيجي في شرق سوريا.
سأل “أساس” المصدر الأميركيّ عن غياب دول الخليج العربيّ عن جولة أوستن وميلي، فكشفَ أنّ اجتماعاً أمنيّاً رفيع المستوى عُقِدَ في السّعوديّة جمَع مسؤولين خليجيين وأميركيين رفيعي المُستوى. في الاجتماع أطلع الأميركيّون مُمثّلي دول الخليج على جدول زيارتَيْ الجنراليْن ميلي وأوستن، وبحثَ الاجتماع “التهديد الإيرانيّ لشركاء واشنطن في المنطقة”.
إقرأ أيضاً: هجوم أصفهان: أميركا ترفع العصا في وجه إيران
تتسابق الدّبلوماسيّة الأميركيّة مع ذراعها العسكريّة. يريد بايدن الحرب ولا يريدها. يتمنّى مسؤولون في واشنطن أن تعودَ إيران إلى الاتفاق النّوويّ اليوم قبل الغد. فاليوم تستطيع واشنطن أن تكبح جماح نتانياهو، لكنّ أحداً لا يُمكنه أن يتوقّع ما قد يُقرّر رئيس الوزراء المأزوم داخليّاً وهو يقرأ التّقارير التي تنهمر على مكتبه عن اليورانيوم الإيرانيّ. في سوريا البداية، وربّما النّهاية في طهران.. وللحديث تتمّة.
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@