منذ استقالة الحكومة في 23 كانون الثاني الماضي، تعيش الكويت حالة من “الانسداد السياسي”، وسط مؤشّرات إلى بلوغ العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مرحلة حرجة، تصعب معها العلاجات الموضعية وتجعل الأمور مفتوحة على احتمالات شتّى.
المشهد كالتالي: الحكومة تُصرّف الأعمال منذ أسابيع، مجلس الأمّة لا ينعقد بسبب عدم حضور الحكومة، فراغ إداريّ يتمدّد في الوزارات والهيئات الحكومية مع شغور عشرات المناصب واعتماد إدارتها بالوكالة أو بالتكليف.
ترى أوساط سياسية أنّ الحسم مؤجّل إلى ما بعد أحكام المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية (المتوقّعة في رمضان)، في ظلّ وجود ترجيحات أن تقرّر حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات جديدة، وتقابلها تقديرات أخرى بأنّ هذا السيناريو مستبعد لأنّ الانتخابات الأخيرة التي جرت في أيلول 2022 لم تشُبها ثغرات دستورية تفضي إلى إلغائها.
ترى أوساط سياسية أنّ الحسم مؤجّل إلى ما بعد أحكام المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية، في ظلّ وجود ترجيحات أن تقرّر حلّ مجلس الأمّة وإجراء انتخابات جديدة
ما بين الترجيحات والتقديرات، صدر مرسوم أميريّ يوم الأحد الماضي بإعادة تكليف الشيخ أحمد النوّاف الصباح بتشكيل حكومة جديدة، بعد نحو 6 أسابيع على استقالة حكومته، واضعةً إيّاه أمام تحدّي تشكيل حكومة قادرة على العمل والإنتاج من جهة، والصمود بوجه “العواصف النيابية” من جهة أخرى.
حكومة النوّاف الرابعة
الحكومة الجديدة هي الرابعة دستورياً التي يشكّلها النوّاف، لكنّها الثالثة عمليّاً، لأنّ الحكومة الأولى في آب 2022 كانت مهمّتها الأساسية إجراء الانتخابات، والثانية في منتصف تشرين الأول 2022 بعد الانتخابات لم تصمد لساعات ولم تؤدِّ اليمين، لكنّها قائمة دستورياً، والثالثة شُكّلت بعدها بأيّام وضمّت أسماء جديدة وغابت عنها وجوه مرفوضة نيابياً.
هذه الحكومة، التي كان يُتوقّع أن تصمد طويلاً، لم تستمرّ سوى 4 أشهر و6 أيام، مع أنّ ظهيرها النيابي كان قويّاً، وضمّت وزراء لديهم علاقات وتنسيق مع مجموعات نيابية مؤثّرة، لكنّ الانقسام السياسي تسلّل إلى داخلها، ودارت مواجهات بالوكالة بين بعض وزرائها، في انعكاس للصراع السياسي الأوسع.
تقنيّاً، قدّمت الحكومة برنامج عمل ربّما يكون غير مسبوق في تاريخ الكويت الحديث، لجهة شموليّته وتضمّنه جداول زمنية محدّدة.
سياسيّاً، شارك النواب ضمنيّاً في تشكيلها لأنّهم عندما اعترضوا على سابقتها (التي صدر مرسوم تشكيلها ولم تؤدِّ اليمين)، اضطرّ رئيسها إلى إخراج بعض الأسماء واستبدالهم بآخرين مقبولين نيابياً.
عمليّاً، كان الظهير النيابي المساند لها كافياً لمنع سقوط رئيسها في حال واجه استجواباً نيابياً، لكنّ المشكلة تمثّلت في أنّ هذا الظهير لا يستطيع حماية الوزراء ولا يضمن عدم سقوط أيّ منهم، لأنّ “الحسبة” تختلف ما بين رئيس الوزراء والوزراء.
هكذا رحلت الحكومة السابقة فيما تبدو المهمّة صعبة أمام رئيس الوزراء، لأنّ الأسماء، التي سيختارها لحكومته الجديدة هذه المرّة، ستخوض اختبارات قاسية على منصّة الاستجواب ما دامت الأزمة السياسية قائمة.
إنّ خيار التماسك والوحدة أساسي لأنّ ما دار في الكواليس من صراعات بين وزراء مدعومين من بعض ذوي النفوذ لا يُبشّر بالهدوء، وإن كان غالبه لم يخرج إلى العلن.
تكمن المشكلة في أنّ النواب يدفعون تكلفة كبيرة من رصيدهم الشعبي في حال تغطيتهم الحكومة، وربّما كان هذا أحد أهمّ الأسباب التي أدّت إلى استقالة الحكومة السابقة
تبادل الأدوار بين المعارضة والموالاة
أيّاً يكن شكل الحكومة الجديدة، يبدو من مسار الأمور أنّ المعارضة التي تحوّلت إلى موالاة بعد الانتخابات الأخيرة، باتت “مُعارضات” وكتلاً متناثرة، وأنّ الموالاة السابقة تحوّلت إلى معارضة، لكنّها غير فاعلة ولا تستطيع الذهاب بعيداً، غير أنّها يمكنها التسبّب بالإرباك من خلال الاستجوابات، و”حشر” بعض النواب و”تعييرهم” بمواقفهم “الحكومية” التي تتسبّب لهم بخسارة كبيرة في الشارع.
ربّما يكون أبرز دليل على ذلك توجيه بعض النواب “من حلفاء الأمس” انتقادات إلى رئيس مجلس الأمّة أحمد السعدون على خلفيّة رفعه الجلسات (التي تُعقد يوم الثلاثاء كلّ أسبوعين) بسبب غياب الحكومة، على الرغم من عدم وجود نصّ دستوري صريح ينصّ على أنّ حضورها ضروريّ لصحّة انعقاد الجلسات.
أمام السهام المتصاعدة، خرج السعدون عن صمته، الأحد الماضي، مُفنّداً بالحجّة الدستورية والدليل القانوني سبب رفعه الجلسات وتمسّكه بحضور الحكومة (عبر رئيسها أو بعض وزرائها)، لافتاً إلى أنّ السوابق البرلمانية منذ عام 1968 تؤكّد ذلك، استناداً إلى الدستور، وتنحو باتجاه هذا المسلك.
تكمن المشكلة في أنّ النواب يدفعون تكلفة كبيرة من رصيدهم الشعبي في حال تغطيتهم الحكومة، وربّما كان هذا أحد أهمّ الأسباب التي أدّت إلى استقالة الحكومة السابقة.
أمام تمدّد المشكلات وانسداد الأفق، تبدو السيناريوهات محصورة في ثلاثة:
1- أن تقضي المحكمة الدستورية ببطلان الانتخابات، وهو ما يستتبع إجراء انتخابات جديدة ويعني خلطاً كاملاً للأوراق، وهو خيار يبدو غير مستبعد.
2- أن يشكّل رئيس الوزراء الحكومة الجديدة، ثمّ تصطدم بالجدار مجدّداً قبل الصيف المقبل، وهو موعد انتهاء دور الانعقاد الأوّل لمجلس الأمّة (قبل العطلة الصيفية)، وهو ما يعني أنّ خيار حلّ المجلس يصبح مرجّحاً بقوّة.
إقرأ أيضاً: الكويت: وليّ العهد يُطلق رسائل تقلِب المشهد
3- أن تنجح الحكومة الجديدة بنسج علاقات مصالح مع مجلس الأمّة تقوم على قاعدة الخطوة بخطوة وعدم التحدّي والفرض، بحيث تمرّر الحكومة للنواب بعض القوانين الشعبوية التي ترفع أرصدتهم، فيما يخفّفون ضغوطهم عنها ويرمون “سلاح الاستجوابات” جانباً لفترة من الزمن.
يخشى كثيرون أن يؤدّي استمرار الأزمة السياسية في الكويت إلى خيارات غير مُحبّذة شعبيّاً يمكن أن تكون انعكاساتها سلبية على الاستقرار، ولا سيّما أنّ المنطقة تغلي على وقع شدّ الحبال الإيراني – الأميركي، والأرض ساخنة من العراق إلى لبنان مروراً بسورية.