“الولايات المتحدة الأميركية أقرب إلى التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط أكثر ممّا يعتقد معظم من هم في واشنطن. وتجنّب هذا الخطر لا يحتاج إلّا إلى تغيير سريع وجذري في سياسة إدارة لا تزال تواجه صعوبة في فهم أخطر أزمة دولية منذ أواخر الثلاثينيات”.
هذا هو الانطباع الذي خرج به والتر راسل ميد، عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، بعد زيارته تل أبيب في الأسبوع الأخير من شهر شباط، ومقابلته رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في مجلس الأمن الإسرائيلي، واطّلاعه على رؤيته للسياسة العالمية وتاريخ الصهيونية.
الولايات المتحدة الأميركية أقرب إلى التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط أكثر ممّا يعتقد معظم من هم في واشنطن
روسيا وإيران والصين ضدّ واشنطن
يعتقد ميد، الخبير الاستراتيجي في معهد هودسون والكاتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” وأستاذ الشؤون الخارجية والعلوم الإنسانية في كليّة بارد في نيويورك، أنّ إدارة جو بايدن جاءت إلى السلطة باستراتيجية جيوسياسية متماسكة قوامها:
– مواجهة التحدّي الصيني بتوسيع الفجوة بين الصين والقوى الموازية لها.
– التعامل مع روسيا من خلال استيعاب رئيسها فلاديمير بوتين.
– تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
– اتّباع سياسات تجارية وأمنيّة عدوانية للحدّ من صعود الصين.
لكنّ هذه الإدارة، كتب ميد من تل أبيب، علمت منذ البداية أنّ النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة كان في مأزق، وقلّلت من خطورة التهديد وأساءت فهم أسبابه. وإذا كان يُحسب لفريق بايدن أنّه أدرك بوضوح التحدّي الصيني منذ اليوم الأوّل، إلا أنّه لم يفهم مدى هشاشة أسس القوّة الأميركية وإلى أيّ مدى أصبحت القوى المستجدّة والعدائيّة، الصين وروسيا وإيران، والقوى المتشدّدة مثل فنزويلا وسوريا، على استعداد للتعاون معاً لإضعاف الهيمنة الأميركية التي يكرهونها ويحتقرونها.
يضيف ميد: “الآن وبعد عامين، يحاول بايدن إدارة فشل مشروعه الأصليّ. فقد أدّى خطابه العدواني وسياسته تجاه الصين إلى زيادة عدائية ذلك البلد. وبدلاً من مواجهة صين معزولة في عالم هادئ، تواجه الإدارة تحدّيات متزامنة في أوروبا والشرق الأقصى، حيث إنّ روسيا عير مستكينة، وإيران غير مسالمة، والصين تزداد عدوانيّتها.
هؤلاء الثلاثة ينسّقون استراتيجيّتهم ورسائلهم بدرجة غير مسبوقة. والأسوأ من ذلك أنّ مسيرة إيران الحثيثة نحو الأسلحة النووية، إلى جانب شراكتها الوثيقة بشكل متزايد مع روسيا، تدفع بالشرق الأوسط تدريجياً إلى حرب من المرجّح أن تجتذب إليها الولايات المتحدة. وهي حرب تريد إدارة بايدن تجنّبها بشدّة.
هكذا تدفع مسيرة إيران الحثيثة نحو الأسلحة النووية وشراكتها الوثيقة مع روسيا بالشرق الأوسط إلى حرب قد تشترك فيها الولايات المتحدة.
على الرغم من أنّ إدارة بايدن تتحرّك ببطء في الاتجاه الصحيح في المنطقة، إلا أنّ الوقت ليس في صالحها، فواشنطن الآن تواجه عواقب فشل أجيال في السياسة الخارجية
بوتين والنوويّ الإيرانيّ
يعتقد ميد أنّ المواجهة العسكرية الكبرى في الشرق الأوسط ستكون نعمة لبوتين لأنّها ستؤدّي إلى:
– رفع أسعار النفط، وامتلاء خزائن موسكو.
– زيادة الضغوط على أوروبا، فيكون على أميركا تقسيم أسلحتها المتاحة بين أوكرانيا وحلفائها في الشرق الأوسط.
– تحوّل التوازن في مضيق تايوان لصالح الصين.
– ارتفاع أسعار الطاقة سيؤدّي إلى زيادة التضخّم في الولايات المتحدة.
هذا كلّه وبايدن يحاول إقناع الديمقراطيين المناهضين للحرب بدعم مغامرة عسكرية أميركية جديدة في الشرق الأوسط.
وفي رأي ميد أنّ روسيا التي تحتاج اليوم بشدّة إلى إيران للمساعدة في تعطيل الاستراتيجية الأميركية، لن تعارض سلاحاً نووياً إيرانياً. وقد يقرّر بوتين مساعدة إيران على تجاوز العتبة النووية. وقد لا يكون أصلاً بحاجة للذهاب إلى هذا الحدّ. إذ يمكنه زيادة القدرات العسكرية الإيرانية التي تحدّ من قدرة إسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وأن يجبر إسرائيل على توجيه ضربة استباقية من شأنها أن تفجّر حرباً إقليمية.
بين الرياض وواشنطن
يرى ميد أنّ “الولايات المتحدة لا تستطيع إجبار إيران وروسيا على تجنّب الإجراءات التي تؤدّي إلى اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط. لكنّ سياسة قويّة من جانبنا يمكن أن تردعهما. لسوء حظّ إدارة بايدن، ينطوي هذا على موقف متشدّد يكرهه الديمقراطيون، بمن فيهم كبار مسؤولي بايدن. لذا سيتعيّن على النهج الأميركي تجاه المملكة العربية السعودية أن ينتقل من اليد المنقبضة إلى الاحتضان الصادق. وستتطلّب هجمات الطائرات بدون طيّار وغيرها من الاستفزازات التي تقوم بها إيران وحلفاؤها ضدّ السعوديين والإماراتيين وجيرانهم، ردّاً عسكريّاً أميركيّاً لا يدع مجالاً للشكّ في عزمنا على الانتصار”.
إقرأ أيضاً: وثائق رسميّة بريطانية: صدّام لم يكن لديه أسلحة دمار شامل
يؤكّد ميد أنّ أفضل طريقة لتجنّب اندلاع الحرب، وتقليل المشاركة الأميركية المباشرة فيها، هي ضمان أن يكون لحلفائنا في الشرق الأوسط القدرة على الدفاع عن أنفسهم: “يجب أن نوضح بشكل لا لبس فيه أنّنا سنضمن فوز حلفائنا في حالة اندلاع الأعمال العدائية. لا شيء آخر نفعله”.
ينبّه ميد إلى أنّه على الرغم من أنّ إدارة بايدن تتحرّك ببطء في الاتجاه الصحيح في المنطقة، إلا أنّ الوقت ليس في صالحها، “فواشنطن الآن تواجه عواقب فشل أجيال في السياسة الخارجية. والتفكير بالتمنّي وعدم الكفاءة الاستراتيجية قادا مؤسّسة السياسة الخارجية في عهد الحزبين أولاً إلى تجاهل ثمّ استرضاء المنافسين الصاعدين للنظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب الباردة. ولا يسعنا سوى تمنّي النجاح لفريق بايدن الذي يكافح من أجل التأقلم مع عالم فشل في توقّعه هو ومجتمع السياسة الخارجية الأميركية”.
* والتر راسل ميد: زميل متميّز في معهد هودسون، وأستاذ الشؤون الخارجية والعلوم الإنسانية في كلّيّة “بارد” في نيويورك. وهو أيضاً عضو في معهد آسبن بإيطاليا، وشغل منصب زميل هنري أ. كيسنجر الأول للسياسة الخارجية الأميركية في مجلس العلاقات الخارجية.
لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا