يشهد “سوق الأحد” الطرابلسي، الواقع على دوّار أبو علي باتجاه المحجر الصحّي للميناء، حركة ارتياد واسعة لم يشهدها من قبل، والسبب الرئيسي أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار التي جعلت من أسعار باقي الأسواق “نار وشاعلة”، كما يقول أحد روّاد السوق.
هذا السوق الذي كان يُعرف في ما سبق بـ”سوق الجمعة” وترتاده النخبة من الزبائن بحثاً عن مقتنيات نادرة لمنازلهم من نحاسيّات وتحف أو أنتيك، أصبح اليوم سوقاً للفقراء يرتاده الزبائن من طرابلس وخارجها. تُعرَض البضائع فيه اعتباراً من مساء يوم الجمعة، وتكون الذروة صباح الأحد.
عندما تدخل إليه ترى تاجراً هنا وآخر هناك وناساً تتجوّل بين البسطات بعيون المتفرّج، وتلاحظ نقاشاً خجولاً بين بائعٍ مراعٍ للوضع المعيشي وزبونٍ متردّدٍ في شراء سلعةٍ ما.
يشتكي المواطنون، الآتون إلى المدينة من جهتها الشمالية أو الخارجون منها، من الزحمة الكبيرة التي يُحدثها السوق اعتباراً من صباح كلّ أحد حتى ساعات ما بعد الظهر
تاريخه
سوق الأحد الذي يرجع تاريخه إلى ما يقارب أربعين عاماً، كان اختصاصه بيع قطع الأنتيك. أمّا الآن، فجد فيه كلّ ما يخطر في البال من ألبسة وطعام وأثاث وأدوات منزلية و”كراكيب” قد لا يراها البعض سوى نفايات.
تنقّل السوق بين أكثر من موقع: أقيم قرب الجامع المنصوري الكبير، وبعدها على الضفّة الجنوبية لنهر أبو علي في منطقة معزولة عند أسفل قلعة طرابلس التاريخية، قرب التكيّة المولوية أحد أبرز المواقع الأثرية في طرابلس، ثمّ استقرّ في موقعه الحالي في أيامنا هذه.
تحوّل دوره مع الوقت إلى سوق لبيع الخردة والموادّ الأخرى بأسعار مقبولة، وهو أحد الأسواق القديمة في المدينة، ولأنّ الازدحام المروري في المدينة يتراجع في عطلة نهاية الأسبوع قرّرت بلديّة طرابلس أن يفتح يوم الأحد.
السوق لا يموت
رئيس لجنة سوق الأحد علي السلو، وهو مسؤول عن تنظيم السوق، يعتبر أن “لا مثيل لهذا السوق في مكان آخر، فهو سوق يحتضن الفقراء أينما وجدوا”. ويقول: “مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار، ازدادت أهمّيّة هذا السوق، الذي لا يموت أو يتراجع، بل يزداد ازدهاره، مع العلم أنّ عدد البضائع تراجع مع تراجع عدد البسطات التي تعرض مختلف الأشياء، من أقفاص الدجاج البلدي شبه المنقرض، إلى بائعي الذرة والبليلة، ثمّ المفروشات والكتب، إلى بائعي المكسّرات والمعجّنات والأدوات المنزلية ونباتات الزينة والأحذية والثياب جديدها ومستعملها، وحتى الحيوانات الأليفة والطيور، إلى غير ذلك من الأدوات الكهربائية والإلكترونيات وألعاب الأولاد، وصولاً إلى حفّاضات الأطفال التي تباع بالمفرّق وبسعر رخيص مقارنة مع الخارج”.
ويتابع: “مالكو البسطات في السوق لبنانيون، لكن قد يكون العمّال من جنسيات أخرى، سورية ومصرية وفلسطينية، وذلك بحسب نظام امتلاك البسطات”.
يقول أحد البائعين لـ”أساس”: “لو طلب أحدهم لبن العصفور فسوف يجده، لأنّه سوق واسع وفيه الكثير من المنتجات النادرة، أو الرخيصة التي لن يجدها الزبون في أيّ مكان، وإن وجدها فسيكون سعرها مرتفعاً جدّاً، أمّا هنا فالأسعار تُفاجئ أيّ زائر، فمثلاً أسعار الثياب رخيصة مقارنة مع الأسواق خارج سوق الأحد، ويمكن التفاوض عليها حتّى لو كانت بالدولار عند بعض أصحاب البسطات”.
من جهته، يُؤكّد مروان الأحمد، وهو بائع أثاث في السوق، أنّ السوق يشهد تراجعاً لكن غير ملموس، ففي السابق “كنت أعرض كلّ أثاث المنزل من أسرّة، غرف سفرة، وصالونات، لكن في ظلّ الأزمة الخانقة التي يُواجهها لبنان عموماً، وطرابلس خصوصاً، بتنا نكتفي بوضع الخزانات الخشبية وبعض غرف الجلوس فقط لا غير، لكنّ هذا لا يمنع إقبال الكثير من الناس الذين يشترون منها ويحرصون على طلب بضائع إضافية”.
اللافت في هذا السوق أنّ هناك باعة اعتمدوا طريقة المزاد العلني لبيع أغراضهم، مفتتحين المزاد بدءاً من 100 ألف ليرة، كما يظهر الفيديو المرفق أدناه.
[VIDEO]
ماذا يقول روّاد هذا السوق عنه؟
اشترى أحمد لاذقاني كلّ عدّته المنزلية من “مفكّات براغٍ، وكابلات كهربائية، ووصلات للهاتف والدش، وعلب أسطوانات CD وDVD وأشياء تكنولوجية أخرى من سوق الأحد. فالمصنع صيني، والبضاعة واحدة، لكنّ الفارق في الأسعار سببه أنّ العارض في سوق الأحد لا يدفع إيجاراً مرتفعاً ومصاريف هاتف وكهرباء ورواتب موظّفين. وإذا كان الناس يستحون من زيارته فهم أحرار، لكنّ عليهم أن يدفعوا ثمناً أعلى في المتاجر الأخرى”.
لكنّ روّاد سوق الأحد من كلّ المناطق تغيّرت نظرتهم إلى هذا السوق، حتى إنّ الكثيرين منهم عكفوا عن زيارته بسبب تحوُّله عن مفهوم السوق الشعبي اللبناني وتقاليده بعدما أصبح مسرحاً للفوضى والإهمال. يشير يوسف زكريا من عكار، أحد روّاد السوق الدائمين، إلى أنّ “هذا ليس سوق الأحد الذي كنّا نعرفه. إنّه سوق “كراكيب” و”حراتيق” يرميها أصحابها على الأرض لعرضها للبيع لكن يعلم الله وحده من أين أتوا بها”.
إقرأ أيضاً: شبه جزيرة “الميناء”: والدة “طرابلس”… وأصلها
زحمة خانقة
يشتكي المواطنون، الآتون إلى المدينة من جهتها الشمالية أو الخارجون منها، من الزحمة الكبيرة التي يُحدثها السوق اعتباراً من صباح كلّ أحد حتى ساعات ما بعد الظهر. وتشهد المنطقة المحيطة توقّفاً كاملاً للسير في الاتجاهين وعلى الطريق البحري للميناء بسبب حركة الوافدين والخارجين منه. ويكون مزعجاً ركن السيارات بشكل فوضوي وانتشار البسطات على جانبَي الطريق، وهو ما يحوِّل محيط السوق عند دوار نهر أبو علي إلى فوضى عارمة بحيث تصل الزحمة إلى منطقة البدّاوي.