وثائق رسميّة بريطانية: صدّام لم يكن لديه أسلحة دمار شامل

مدة القراءة 8 د

الأسبوع الماضي وبعد 20 عاماً، نُشرت وثائق لمجلس الوزراء البريطاني تكشف أنّ لندن كانت واثقة من عدم صحّة مزاعم امتلاك العراق أيّ قدرة على الحصول على أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى، قبل غزوه بقيادة الولايات المتحدة بعامين على الأقلّ. وتثبت علم رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير، بخلوّ العراق من أيّ قدرات على امتلاك أسلحة محظورة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة التي صدرت قبل وبعد إخراج الجيش العراقي من الكويت في شهر شباط عام 1991 في أعقاب عملية “عاصفة الصحراء”.
تزامناً مع الكشف عن هذه الوثائق، استعاد الإعلام الغربي رواية الدبلوماسي السويدي رولف إيكيوس الذي تولّى قيادة اللجنة الخاصة للأمم المتحدة (UNSCOM) التي تمّ إنشاؤها في عام 1991 للإشراف على القضاء على برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي، والذي قبل ما يقرب من ستّ سنوات من زحف قوات التحالف إلى الدولة العربية، قدّم في 18 نيسان 1997 يوم تنحّيه عن منصبه، تقريره النهائي إلى مجلس الأمن الدولي الذي أكّد فيه أنّه لا يعرف سوى القليل عن قدرات العراق في مجال الأسلحة المحظورة، وأنّه لن يندهش إذا لم تحصل القوات الأميركية على أسلحة الدمار الشامل في العراق أثناء بحثها عنها.

كان الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير قد برّرا غزوهما للعراق على أساس أنّ صدّام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل جعلته يشكّل خطراً على العالم. وسهّلت وسائل الإعلام الرئيسية انتشار رواية الحكومة الأميركية عن طريق إسكات الأصوات المعارضة بشكل أساسي.

يقول الدبلوماسي السويدي في كتابه، أنّه قلق بشأن آثار العقوبات على الشعب العراقي

في كتابه “نزع سلاح العراق: القصّة وراء قصّة سقوط صدّام”، كرّر إيكيوس اعتقاده أنّه بحلول الوقت الذي ترك فيه منصبه كمدير للّجنة الخاصة للأمم المتحدة، “كان هناك دليل قويّ على أنّ الوضع في العراق إلى حدّ كبير تحت السيطرة”. توصّل الدبلوماسي السويدي، الذي شغل قبل ذلك منصب الممثّل الدائم للسويد في مؤتمر نزع السلاح (1983-1989)، وفريقه المتعدّد الجنسيّات التابع للّجنة الخاصة إلى هذا الاستنتاج بعد ستّ سنوات من التفتيش المضني والدقيق للمنشآت العراقية المخصّصة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل وتصريف المخزونات الموجودة.

الكتاب غنيّ بوصف الصعوبات التقنية واللوجستية التي واجهها إيكيوس وفريقه في إنشاء اللجنة الخاصة وتشغيلها. فقد كانت اللجنة كياناً خاصّاً، ولم يكن لديها ميزانيّتها الخاصة، وكانت تقدّم تقاريرها مباشرة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدلاً من الأمين العامّ للأمم المتحدة. وتتوالى الدول الأعضاء تدفع مرتّبات رعاياها العاملين فيها بينما قدّمت بعض البلدان، ولا سيّما دول الخليج، مساهمات مالية فردية إلى اللجنة.

عمل اللجنة الخاصة للأمم المتحدة قام على أساس قرار مجلس الأمن رقم 687، الذي تمّت الموافقة عليه في نيسان 1991. لم يقتصر هذا القرار على إنشاء اللجنة الخاصة، بل قدّم أيضاً وعداً مهمّاً للعراق في الفقرة 22 التي نصّت على أنّه “إذا أكّدت اللجنة الخاصة أنّ برنامج العراق لأسلحة الدمار الشامل لم يعد يمثّل تهديداً، فسيتمّ رفع الحظر النفطي المفروض على العراق بعد غزوه للكويت في عام 1990”. المُحاوِر الرئيسي لإيكيوس في بغداد كان نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز الذي كان يجيد اللغة الإنكليزية وهو ضمن الدائرة المقرّبة من صدّام حسين. وظلّ عزيز يصرّ على رفع العقوبات، فيما أكّد إيكيوس أنّ العراق يجب أن يكون صادقاً مع اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن مواقع إنتاجه غير المعلنة ومخزونات أسلحة الدمار الشامل، حتى يمكن رفع الحظر.

في هذا السياق، يتحدّث إيكيوس عن دور رئيسي لمادلين أولبرايت في تفاعلات واشنطن مع اللجنة الأممية، أوّلاً كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ثمّ كوزيرة للخارجية لاحقاً، إذ كانت إدارة كلينتون قد كلّفتها التأكّد من استمرار العقوبات على العراق من قبل مجلس الأمن. يروي إيكيوس أنّ شكوكه في تجاهل الإدارة الأميركية للفقرة 22 تأكّدت عندما ألقت أولبرايت، بعد فترة وجيزة من تولّيها منصب وزيرة الخارجية، خطاباً في جامعة جورج تاون تقول فيه: “نحن لا نتّفق مع الدول التي تجادل في أنّه إذا نفّذ العراق التزاماته في ما يتعلّق بأسلحة الدمار الشامل، فإنّ العقوبات يجب أن تُرفع”.

يصف إيكيوس خطاب جورج تاون بأنّه “ضربة قاسية”، لأنّ تصريحات أولبرايت كانت تتعارض بشكلٍ مباشرٍ مع الفقرة 22 الشهيرة. وكما يوضح إيكيوس، فإنّ “أقوى حجّة لإقناع العراق بالتعاون معنا كانت على وجه التحديد الصلة بين نزع السلاح وتخفيف العقوبات”.

في الأشهر التي سبقت حرب العراق، حاول إيكيوس الضغط على إدارة بوش لتبنّي موقف أكثر اعتدالاً تجاه العراق

يقول الدبلوماسي السويدي في كتابه، أنّه قلق بشأن آثار العقوبات على الشعب العراقي. عندما سُئلت وزيرة الخارجية عمّا إذا كان “الموت الجماعي للأطفال في العراق نتيجة العقوبات المفروضة على نظام صدّام حسين له ما يبرّره”، قالت تلك العبارة الشهيرة: “إنّه خيار صعب للغاية، لكنّنا نعتقد أنّ الثمن يستحقّ ذلك”.

كتب إيكيوس أنّه “شعر بعدم الارتياح، بل باليأس تقريباً، في مواجهة معاناة الشعب العراقي”، وأنّه “كافح من أجل إحراز التقدّم الضروري” في عمله للتخفيف من محنته، مشيراً الى تقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة في عام 1995 يكشف أنّه بعد العقوبات المفروضة على العراق زادت معدّلات وفيات الرضّع خمسة أضعاف.

في الأشهر التي سبقت حرب العراق، حاول إيكيوس الضغط على إدارة بوش لتبنّي موقف أكثر اعتدالاً تجاه العراق. يروي أنّه في أوائل عام 1998، تمّت دعوته إلى مأدبة عشاء في المحكمة العليا للولايات المتحدة ضمّت أيضاً جورج بوش الأب وابنه الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة، جورج دبليو بوش. في حضور ابنه، سأل بوش الأكبر إيكيوس عن تقويمه لبرنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي، فأجاب أنّ مهمّة اللجنة الخاصة كانت ناجحة. وبحسب الدبلوماسي السويدي، كان الرئيس المستقبلي “مستاء بشكل واضح” من تقويم إيكيوس. وعلى الرغم من أنّ بوش الأب حثّ ابنه على الانتباه إلى كلمات إيكيوس المطمئنة، إلا أنّ جورج دبليو بوش سرعان ما فقد الاهتمام بالمحادثة.

في جهده لدفع إدارة بوش إلى تجنّب الحرب ضدّ العراق، انضمّ إيكيوس إلى جيسيكا ماثيوز، التي كانت آنذاك رئيسة مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واقترحت ما سُمّي بـ”خطة ماثيوز” التي قضت بإرسال قوة عسكرية متعدّدة الجنسيات إلى العراق، بدعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لضمان قدرة مفتّشي الأمم المتحدة ومسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تقويم قدرات العراق في مجال أسلحة الدمار الشامل بشكل صحيح بعد أربع سنوات من دون عمليات تفتيش كبيرة.

حُلّت اللجنة الخاصة في عام 1999، وكانت المنظمة التي خلفتها، لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقّق والتفتيش (أنموفيك)، تفتقر إلى كفاءة وخبرة اللجنة الخاصة، حسب قول إيكيوس. جادلت ماثيوز في أنّ خطّتها لِما يُسمّى بـ”عمليات التفتيش القسرية” كانت أفضل من الحرب، لكنّها أقرّت بأنّها “طويلة جدّاً ومحبطة للغاية وغير مؤكّدة”. وكان هذا بالتأكيد هو الحال بالنسبة إلى إدارة بوش، التي اعتقدت بشكل غير منطقي أنّ هناك حلولاً سهلة للمشاكل المعقّدة.

لاحقاً، زار إيكيوس البيت الأبيض في أوائل شباط 2003، والتقى نائب مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي. دافع الدبلوماسي السويدي عن خطة ماثيوز التي لم تتمّ دعوتها لأنّ إدارة بوش استاءت من مواقفها المناهضة للحرب. في ذلك الوقت، ربّما كان الاجتماع مجرّد إجراء شكليّ، يوضح إيكيوس، إذ إنّه شعر أنّ “قرار الحرب كان يلوح في الأفق”. برّر جورج دبليو بوش وتوني بلير غزوهما للعراق بأنّ صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل تجعله يشكّل خطراً على العالم. وسهّلت وسائل الإعلام الرئيسية انتشار رواية الحكومة الأميركية.

إقرأ أيضاً: “أنت لا تعلم حجم ما لا تعلم” (كيسنجر)

كان “السعي إلى نزع أسلحة العراق حدثاً بين حربين، إحداهما مبرّرة وصحيحة والأخرى خطأ مروّع وانتهاك للقانون الدولي، أدّى إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى”. بهذه الكلمات يقدّم رولف إيكيوس روايته عن حرب العراق التي تضيف بشكل كبير إلى أدلّة، كانت واضحة لكن كُشف عنها لاحقاً، على فشل الدبلوماسية الدولية في منع تصميم بوش على شنّ حرب غير قانونية لا يزال يتردّد صدى عواقبها في الشرق الأوسط وما بعده.

 

*شغل رولف إيكيوس منصب الرئيس التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنيّة بالعراق (UNSCOM) بين عامَي 1991 و1997. من بين العديد من المناصب الدبلوماسية الأخرى، كان الممثّل الدائم للسويد في مؤتمر نزع السلاح (1983-1989)، وسفيراً لدى الولايات المتحدة (1997-2000). بين عامَي 2002 و2010، كان رئيساً لمجلس إدارة معهد استوكهولم للأبحاث حول السلام الدولي SIPRI – Stockholm International Peace Research Institute.

*مجلّة Responsible Statecraft مجلّة إلكترونية يصدرها معهد كوينسي للإدارة المسؤولة للدول في واشنطن (Quincy Institute for Responsible Statecraft)، هدفها نشر رؤية إيجابية وغير حزبية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وانتقاد الأيديولوجيات والمصالح التي أغرقت الولايات المتحدة في حروب لا نهاية لها وذات نتائج عكسية وجعلت العالم أقلّ أمناً، بحسب موقع المجلّة.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…