ليس رفع مجموعة العمل المالي (GAFI) المملكة المغربيّة عن القائمة الرمادية، وهي قائمة الدول الموضوعة تحت المراقبة في ما يتعلّق بتبييض الأموال واستخدامها في مجال الإرهاب، حدثاً عاديّاً. ليس القرار الذي اتّخذته مجموعة العمل المالي سوى ردّ واضح وصريح على أولئك الذين لا يفوّتون فرصة للإساءة إلى هذا البلد.
انعقد اجتماع الجمعية العمومية للمجموعة، التي تضمّ 37 دولة، في باريس واتّخذ قراراً يقضي برفع المغرب عن القائمة الرماديّة. المكان مهمّ والتوقيت مهمّ. جاء الاعتراف بالدور الإيجابي الذي يلعبه المغرب في مجال مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال من قلب باريس وليس من أيّ مكان آخر. كان ذلك بالإجماع. إنّه ردّ على الذين يستخدمون البرلمان الأوروبي ودوائر أوروبيّة أخرى، في فرنسا وخارجها، لعرقلة مسيرة التقدّم المغربية ونهج الشفافيّة المتّبع في المملكة بتوجيهات عليا لا تخفى على أحد. لا تخفى إلا على أولئك الذين يعتقدون أنّ في استطاعتهم حجب نور الشمس بواسطة غربال.
يعزّز قرار المجموعة الماليّة العالمية الموقع القيادي للمغرب في المنطقة وعلى الصعيد العالمي. أكثر من ذلك، يُعتبر القرار تكريساً لموقع المغرب الذي يواجه حالياً حملات تشنّها جهات مختلفة لعرقلة مسيرته. هذه المسيرة التي جعلت منه واحة استقرار في منطقة مليئة بالمشاكل والأزمات. لعلّ أفضل ما يعبّر عن هذه الأزمات ما آلت إليه تونس التي باتت تفتقر إلى القيادة السياسية التي تجعلها قادرة على التعاطي مع الوضعين الاقتصادي والسياسي المنهارين. لا يمكن بالطبع تجاهل الانهيار الليبي المستمرّ، وهو انهيار لا حدود له يشبه إلى حدّ كبير الانهيار اللبناني. كذلك لا يمكن تجاهل الأزمة العميقة للنظام الجزائري الذي يظنّ أنّ الشعارات البرّاقة تُغني عن السعي إلى مواجهة أزمة الثقة القائمة بينه وبين الشعب الجزائري.
ليس رفع مجموعة العمل المالي (GAFI) المملكة المغربيّة عن القائمة الرمادية، وهي قائمة الدول الموضوعة تحت المراقبة في ما يتعلّق بتبييض الأموال واستخدامها في مجال الإرهاب، حدثاً عاديّاً
في النهاية، لا تصلح رشوة الشعب الجزائري، عبر توزيع بعض عائدات النفط والغاز على المواطن لشراء السلم الاجتماعي، كسياسة تتّبعها دولة تحترم نفسها. مثل هذه السياسة التي يعتمدها نظام تتحكّم به مجموعة عسكرية، على الطريقة الستالينية (نسبة إلى ستالين)، تنتمي إلى عالم آخر وعصر آخر لا علاقة لهما بما يدور في العالم اليوم وبما يشهده هذا العالم من تطوّرات وتغييرات.
لم يأتِ خروج المغرب من القائمة الرماديّة من فراغ. جاء إعلان المغرب خروجه من القائمة الرمادية بعد إيفاد المجموعة لفريق من الخبراء في كانون الثاني الماضي إلى المملكة لتقويم القوانين فيها. أعدّ فريق الخبراء تقريراً إيجابياً في ما يتعلّق بـ”التزام المغرب ملاءمة منظومته الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع المعايير الدولية في الآجال المحدّدة”. أوضحت الحكومة المغربية في بيان صحافي أنّ هذا الخروج من القائمة الرماديّة سيؤُثّر بشكل إيجابي على التصنيفات السيادية وتصنيفات المصارف المحلّية، كما سيعزّز صورة المملكة وموقعها التفاوضي أمام المؤسسات الماليّة الدولية، وثقة المستثمرين الأجانب بالاقتصاد الوطني.
يتطلّع المغرب إلى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي. هناك معرفة بما يدور في المنطقة والعالم وداخل البلد نفسه. تعبّر عن هذه المعرفة مواقف الملك محمّد السادس الذي لا يفوّت مناسبة كي يؤكّد لكلّ مواطن مغربي أنّ همّه ورفاهه يشغلان باله يومياً، وهما محور كلّ السياسات المتّبعة، من مستوى التعليم وحقوق المرأة والحرّيات الفرديّة والقوت اليومي، وصولاً إلى التغييرات المناخية، ومروراً بتحويل الدار البيضاء إلى أحد المراكز الماليّة العالميّة.
من المفارقات أنّ رفع المغرب عن القائمة الرماديّة لمجموعة العمل المالي جاء في وقت دخلت جنوب إفريقيا القائمة. ليست معاقبة جنوب إفريقيا الداعمة للأداة الجزائريّة المسمّاة “بوليساريو” سوى دليل على أنّ العالم يفرّق بين دول تعمل من أجل تطوير نفسها والتكيّف مع التغييرات التي يشهدها العالم… ودول ترفض ذلك. لم تجد جنوب إفريقيا مَن تدعمه غير تنظيم من نوع “بوليساريو” لا فائدة منه سوى أنّه يُستخدم في حرب استنزاف يشنّها النظام الجزائري على المغرب. هل صار المغرب عقدة لدى جنوب إفريقيا كما هو عقدة النظام الجزائري وهاجسه؟
لا توجد منافسة بين المغرب وجنوب إفريقيا. على العكس من ذلك، يمكن أن يكون هناك نوع من التكامل بينهما، على الرغم من الجغرافيا التي تفصل بينهما، شرط تخلّص جنوب إفريقيا من العقدة المغربيّة من جهة، ولغة الشعارات من جهة أخرى. يُفترض بجنوب إفريقيا أن تدرك أوّلاً أنّ استعادة المغرب لأقاليمه الصحراوية عامل استقرار في المنطقة. فوق ذلك، إنّه تحرير للصحراويّين من السجون التي وضعهم فيها النظام الجزائري، مثل سجن تندوف الذي ليس سوى معتقل في الهواء الطلق تحوّل إلى مصنع لإنتاج إرهابيين. ألم يشاهد المسؤولون في جنوب إفريقيا أطفالاً في تندوف يحملون السلاح ويفتخرون بذلك على طريقة الأطفال اليمنيين الذين يستغلّهم الحوثيون في حروبهم؟
تتقدّم القافلة المغربيّة لسبب في غاية البساطة. تختزل هذا السبب كلمة واحدة هي كلمة “الرؤية”. توجد لدى المغرب بفضل وجود ملك عصري ميزة وجود “الرؤية”. هذه “الرؤية” جعلت من المغرب مرجعيّة في مكافحة تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب بكلّ أشكاله.
في كلّ الأحوال، ليس رفع المغرب عن القائمة الرماديّة التي لدى منظمة العمل المالي سوى خطوة أخرى في اتجاه الاعتراف بالدور القيادي للمغرب الذي تؤكّده الطريقة التي يستثمر فيها في دول إفريقية عدّة. يستخدم المغرب ما لديه من فوسفات فيصدّره إلى هذه الدولة الإفريقية أو تلك من أجل إنتاج الأسمدة. هذا يعني أنّه يستثمر في تطوير القطاع الزراعي في الدول الإفريقيّة، أي في حماية الأمن الغذائي.
إقرأ أيضاً: إسبانيا تتصالح مع نفسها قبل مصالحة المغرب
إفريقيّاً، يستثمر المغرب أيضاً في كلّ ما له علاقة بالاستشفاء والرعاية الصحّيّة للأطفال. الأهمّ من ذلك كلّه، ينشر المغرب ثقافة الاعتدال والتسامح عبر تبادل الخبرات مع هذه الدولة الإفريقية أو تلك في مجال إظهار الدين الإسلامي على حقيقته.
مرّة أخرى القافلة المغربيّة تتقدّم. هل هذا هو السبب الحقيقي لتلك الحملات التي تتعرّض لها المملكة التي تحوّلت جسراً بين أوروبا والقارّة الإفريقيّة؟