أثار كلام رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل السبت الماضي لغطاً عندما قال: “ما حدا يتمرجل علينا بالفوضى ويحضّرلها لحتى يعمل رئيس على ظهرها، لأن الرئاسة على ظهر الفوضى مثل الرئاسة على ظهر الدبّابة الإسرائيلية”.
وردت هذه العبارة في كلمة باسيل بالصوت والصورة خلال الجمعية العمومية لقطاع الشباب في التيار العوني بحضور مؤسّسه الرئيس ميشال عون، لكنّها حُذفت من الكلمة المنشورة. وهذا يطرح أسئلة حول هذا الغمز من قناة تاريخ الرئيس الراحل بشير الجميّل الذي اغتيل قبل أن يتسلّم السلطة في أيلول عام 1982. والمعروف أنّ انتخابه رئيساً في آب من العام نفسه ما كان ليحصل لولا الاجتياح الإسرائيلي للبنان في ذلك الصيف للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاصرة بيروت واحتلالها لاحقاً للمرّة الأولى في تاريخ الصراع العربي -الإسرائيلي. ومن هنا جاءت عبارة “الوصول الى رئاسة الجمهورية على ظهر الدبّابة الإسرائيلية” متلازمة مع تاريخ بشير الجميّل.
ماضي الأيّام الآتية
أن يعيد خصوم الرئيس الراحل التذكير بهذا الماضي أمر مفهوم. أمّا أن يأتي على لسان وريث مؤسّس التيار العوني، الذي كان لصيقاً ببشير الجميّل طوال مدّة صعوده أمنيّاً وسياسياً إلى حين اغتياله، فأمر يثير التساؤل. وفي انتظار جلاء الغبار الذي أثاره وريث عون، يمكن العودة إلى الوثيقة التي وردت في ملحق كتاب آلان مينارغ “أسرار حرب لبنان: من انقلاب بشير الجميّل إلى حرب المخيّمات الفلسطينية”. ومن أبرز أفكار هذه الوثيقة التي أعدّها الجنرال عون وأنطوان نجم عام 1980، أي قبل عامين من الاجتياح الإسرائيلي وانتخاب الجميّل رئيساً للجمهورية، كي تناقش مع فريق عمل بشير، أنّه “يجب أن نتوصّل مسبقاً إلى اتفاق مع إسرائيل على اعتراف متبادل وتوقيع ميثاق دفاع مشترك”.
التيار العوني وأساطينه يعملون حتى اللحظة ما بوسعهم لوضع اليد على المصرف المركزي، عبر فرض حاكم تابع مباشرة لهم. وهذا ما ورد حرفياً في وثيقة عون – نجم عام 1980
إذاً محور الوثيقة هو الاتّكال على إسرائيل أن تمهّد الطريق أمام “القوّات اللبنانية” كي تصل إلى السلطة بعد الخلاص من الخصوم الذين يعيقونها، وفي طليعتهم “قوى الاحتلال السورية -الفلسطينية”.
لكن كيف السبيل إلى تحقيق هذا الهدف و”القوات العدوّة أقدر من قواتنا”، على حد تعبير وثيقة عون ونجم؟
الجواب في الوثيقة هو الآتي:
– “يجب أن نتوصّل مسبقاً إلى اتفاق مع إسرائيل.
– اعتراف متبادل وتوقيع ميثاق دفاع مشترك معها.
– لا بدّ من أن يفضي هذا الميثاق إلى إنشاء دولة مسيحية مطوّقة إسلامياً، ما لم تتفكّك الكيانات السياسية في الشرق الأوسط ويعاد تشكيلها على أسس إثنية وطائفية”.
عند التدقيق في هذه الأفكار حول التعاون المرجوّ بين “القوات اللبنانية” كما كانت تتطلّع إليه الوثيقة، يتبيّن أنّ واضعَيْها ينشدان، إضافة إلى الالتحاق الكامل بإسرائيل، تحضير كلّ ما يلزم كي ينهار الكيان اللبناني الذي قام عام 1920عندما كان الفرنسيون يحكمونه، وصار مستقلّاً عام 1943.
ولا تكتم الوثيقة عداءها لسائر مكوّنات لبنان الرئيسية، على ما ورد فيها:
– “اعتبار الدروز والشيعة أخصاماً أكثر منهم محايدين.
– تأجيج النزاع بين الفلسطينيين من جهة والدروز والشيعة من جهة أخرى”.
وللكشف عن سبيل بلوغ هدف “تأجيج النزاع”، يمكن العودة إلى سجلّات تاريخ تلك المرحلة التي حفلت بالتفجيرات والاغتيالات وسائر أشكال الفوضى. وهي أحداث لا يمكن القول إنّها من فعل “راجح”.
نص الوثيقة شاهد لا يمحى على جنرال كان يضع كلّ بيضه في سلّة إسرائيل
جنرال ووريث
ما أشبه عون وتيّاره اليوم بما كان عليه قبل 43 عاماً.
فالتيار العوني وأساطينه يعملون حتى اللحظة ما بوسعهم لوضع اليد على المصرف المركزي، عبر فرض حاكم تابع مباشرة لهم. وهذا ما ورد حرفياً في وثيقة عون – نجم عام 1980. فهي ذكرت ضرورة السيطرة العسكرية على المصرف المركزي:
– من خلال إشارتها إلى “سيطرة العدوّ على المصرف المركزي” لأنّه يقع في الجزء الغربي من بيروت.
– و”من الحيوي جدّاً في كلّ الأحوال أن نضع يدنا على المصرف المركزي، وهذا غير ممكن إلا عن طريق عملية عسكرية ليليّة على الأرجح”.
هل نحن أمام نصّ قديم – جديد؟
إقرأ أيضاً: أحمد جبريل وميشال عون: المهمّة نفسها..
هناك الكثير من التحوّلات التي طرأت على ذلك الفصل من التاريخ. ومن ذلك أنّ الجنرال عون تحوّل من مريد للسيطرة الإسرائيلية، إلى صديق لجيش نظام الأسد منذ عام 2005، وصولاً إلى جندي في جيش وليّ الفقيه الإيراني. وهو اليوم يشير إلى حيوية ما لدى وريثه كي يحقّق مصلحته من خلال أيّ جيش متاح للخدمة.
غير أنّ نص الوثيقة شاهد لا يمحى على جنرال كان يضع كلّ بيضه في سلّة إسرائيل. فهل من بادر السبت الماضي إلى تذكير جبران باسيل بأنّ عمّه ومؤسّس تيّاره كان في مقدَّم من تطلّعوا إلى الصعود إلى الدبابة الإسرائيلية قبل 43 عاماً، فسارع إلى حذف ما قاله في هذا الصدد من النص المنشور لكلمته الأخيرة؟