الكويت عالقة… الرواتب أكثر من إيرادات النفط!

2023-02-09

الكويت عالقة… الرواتب أكثر من إيرادات النفط!

عجزٌ مُقدّرٌ بـ5 مليارات دينار كويتي، أي حوالي 16.5 مليار دولار، و80% من المصروفات للرواتب، وسعر برميل النفط يجب أن يكون 92 دولاراً لتتساوى الإيرادات مع المصروفات. تلك هي أبرز عناوين الموازنة الجديدة التي أعلنتها الكويت للسنة المالية 2023 – 2024، وهي الكبرى في تاريخها، بمصروفات متوقّعة تصل إلى 26.3 مليار دينار، أي حوالي 86 مليار دولار، لكنّ المفاجأة هي أنّ إيرادات النفط أقلّ من رواتب الموظّفين وقيمة الدعم الذي تقدّمه الدولة للمواطنين!

لم يتغيّر الكثير بين السنة المالية الجديدة (من نيسان 2023 إلى آذار 2024) وسابقتها (من نيسان 2022 إلى آذار 2023) في ما يتعلّق بجوهر المصروفات، بل تعزّزت المشكلة “الأزلية” المتمثّلة بالتهام الرواتب غالبيّة الإيرادات، إذ إنّها كانت في السابق تشكّل حوالي 75% من المصروفات وارتفعت الآن إلى 80%.

 

الرواتب وتقديرات الدولة

في الموازنة الجديدة، تقفز الرواتب والدعم إلى 20.8 مليار دينار (68 مليار دولار) من 17.5 ملياراً (57 مليار دولار)، فيما تنخفض إيرادات النفط من 21 مليار دينار (68 مليار دولار) إلى 17 ملياراً (55 مليار دولار).

الحكومة تدعو النواب إلى التعاون معها والسير يداً بيد في طريق الإصلاح الاقتصادي الذي يُفضي إلى تعظيم الإيرادات غير النفطية، وتقليل المصروفات المتعلّقة بالرواتب

يعني ذلك عمليّاً أنّ تقديرات الدولة لِما ستجنيه من بيع النفط من نيسان 2023 إلى آذار 2024، أقلّ ممّا ستدفعه للمواطنين في الفترة نفسها، سواء على شكل رواتب أو دعم.

بلغة الأرقام، هناك تفسيرٌ حسابيٌّ مفاده أنّ تقدير سعر برميل النفط في الموازنة الجديدة يبلغ 70 دولاراً، “وهو معدّل محافظ وأقلّ بـ10 دولارات مقارنة بموازنة السنة الماليّة الحالية وأقلّ بنحو 15 دولاراً من السعر الحالي في السوق العالمي”، وفق ما ذكرت وزارة المالية في بيانها.

هذا ويبلغ حجم الإنتاج النفطي المتوقّع 2.676 مليون برميل يومياً، منخفضاً من 2.73 مليون برميل يومياً في الموازنة السابقة.

إذاً، يُتوقّع أن ينخفض سعر النفط وإنتاجه أيضاً، فيما ستزداد المصروفات.

لطالما شكّلت الرواتب في الكويت النسبة الكبرى من إيرادات النفط، لكن أن تتخطّاها فهذا يعني أنّ الخلل كبير ويتفاقم.

في توضيحها لوجود عجز كبير، ذكرت وزارة المالية أنّ الموازنة الجديدة “غير اعتيادية لأنّها مُحمّلة بمصروفات غير متكرّرة واستحقاقات متراكمة منذ سنوات سابقة”، مؤكّدة في الوقت نفسه أنّ “الدولة تتبع خطة مُحكمة لزيادة الإيرادات غير النفطية بشكل تدريجي على مدى السنوات المقبلة، إضافة إلى إصلاحات لتقنين وترشيد المصروفات ستدخل حيّز التنفيذ تدريجياً لمواجهة التحدّيات المالية والاقتصادية والتحوّط أمام أيّ أمر طارئ”.

ما لم تُفصح عنه وزارة المالية في بيانها هو أنّ الكويت “تحتاط للأسوأ” في ما يتعلّق بتقلّبات أسعار النفط على المديين القصير والمتوسّط، وإن كانت أغلب التحليلات تذهب إلى أنّ سعر البرميل سيراوح بين 75 و80 دولاراً في 2023، لكنّ الخشية من 2024 وما يليها.

أمّا “القطبة المخفيّة” فتتمثّل في أنّ الحكومة عاجزة عن الخروج بموازنة قويّة تستند إلى تقديرات تفاؤليّة، نتيجة الأزمة السياسية والخلافات المُستحكمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي أدّت إلى استقالة الحكومة الشهر الماضي.

تقديرات الدولة لِما ستجنيه من بيع النفط من نيسان 2023 إلى آذار 2024، أقلّ ممّا ستدفعه للمواطنين في الفترة نفسها، سواء على شكل رواتب أو دعم

العجز والشعبويّة

سبب العجز الواضح هو أنّ النواب، بغالبيّتهم، يتسابقون على طرح قضايا شعبوية تُفضي إلى مشاريع قوانين ذات كلفة ماليّة عالية على الدولة، ويرفضون في الوقت نفسه أيّ محاولة من الحكومة لإصلاح الخلل في الرواتب أو حتى التفكير في المسّ بالدعم أو تنظيمه.

يترافق ذلك مع واقع أنّ كلّ الخطوات التي اتّخذتها الحكومة لتشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص، لم تؤتِ ثمارها، فالمواطن الكويتي ما زال يعتبر العمل في الحكومة أكثر أماناً من خوض تجربة القطاع الخاص. وعزّز ذلك ما جرى في 2020 و2021 خلال أزمة “كورونا”، عندما قامت غالبية الشركات ومؤسّسات القطاع الخاص بخفض الرواتب، فيما واصلت الحكومة دفع الرواتب لموظّفيها وهم في منازلهم، بل أعطتهم مكافآت وزيادات أيضاً.

الأكيد أنّ مجلس الأمّة والحكومة يريدان تحقيق نفس الهدف، وهو تحسين ماليّة الدولة، لكنّهما يفترقان تماماً في الطريق المؤدّي إليه:

– الحكومة تدعو النواب إلى التعاون معها والسير يداً بيد في طريق الإصلاح الاقتصادي الذي يُفضي إلى تعظيم الإيرادات غير النفطية، وتقليل المصروفات المتعلّقة بالرواتب لصالح المصروفات المرتبطة بالمشاريع الكبرى.

– النواب يُحاججون الحكومة بأمرين: الأوّل أنّها مستمرّة بتقديم المساعدات لدول عربية وإسلامية (وإن كانت تراجعت كثيراً مقارنة بالسابق)، والثاني أنّها لا تبذل جهوداً كافية في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة المُقدّرة بالمليارات، ولذلك لا يمكنها أن تطلب منهم الموافقة على أن يقوم المواطنون بـ”شدّ الأحزمة”.

في النتيجة، تتشعّب الطرق وتدور في حلقات بعضها مُفرغ، لكنّها تعود في نهاية المطاف إلى النتيجة عينها، وهي أنّ الأزمات السياسية المتلاحقة تقف عقبة كبرى أمام الإصلاح بمختلف أشكاله، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ماليّاً، وأنّ التعاون بين السلطتين يبقى “الترياق”.

إقرأ أيضاً: الكويت: وليّ العهد يُطلق رسائل تقلِب المشهد

عندما انخفض سعر برميل النفط في 2020 و2021 لعوامل متعدّدة، أبرزها هجمة “كورونا” على الاقتصاد العالمي وسياسات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، اشتدّت الأزمة في الكويت ووصلت الأمور في أحد الأشهر إلى أنّ الحكومة اضطرّت إلى الذهاب إلى الاحتياطي من أجل دفع الرواتب، لا بل وضعت على الطاولة ما يُعرف بقانون “الدين العام” الذي يسمح لها بالاستدانة من الداخل والخارج. وما جعل الكويت تعبُرُ ذلك النفق من دون اضطرابات، هو تعافي أسواق النفط، اعتباراً من نهايات عام 2021.

يخشى الكثيرون أن تعود الأزمة مجدّداً في السنوات المقبلة، ولا يكون لدى الكويت الأدوات اللازمة لمواجهتها، فتُضطرّ إلى اللجوء إلى “الخيار المُرّ” المتمثّل بالاستدانة، لأنّها لم تُحسن الاستثمار في أوقات الرخاء تحسّباً لأوقات الشدّة.

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…