من سَيفصل في دعوى “اغتصاب السلطة” التي أقامها مدّعي عامّ التمييز القاضي غسان عويدات بحقّ المحقّق العدليّ طارق البيطار؟
سؤالٌ محوريٌّ يُشكّل نقطة انعطاف أساسية في ملفّ تحقيقات مرفأ بيروت بعدما اشترط البيطار نفسه بتّ هذه الدعوى، سلباً أو إيجاباً، قبل استئناف تحقيقاته، إضافة إلى أسباب موجبة أخرى ذكرها المحقّق العدلي تكفّلت بـ”تبرير” نَسفِه المواعيد التي كان حدّدها لاستجواب المدّعى عليهم من قبله في القضية.
كان القاضي عويدات أحال ورقة الادّعاء على البيطار إلى الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود في خطوة يُفترض أن تمهّد لتعيين قاضي تحقيق أعلى درجة من البيطار يطلب مثول الأخير أمامه واستجوابه وبتّ الادّعاء.
هو مسارٌ قضائيّ يَصعب توقّع حصوله، وفق مصدر مطّلع، ربطاً بموقف عبّود الشخصي وتطوّرات الملف وذهابه نحو مزيد من التعقيد حتى بعد تراجع البيطار خطوات إلى الوراء، الذي عَكَس فعليّاً مدى “التخبيص” الذي ارتكبه، من خلال تأجيل الجلسات من دون تحديد مواعيد أخرى وحين ناقض نفسه بالتسليم بضرورة وجود تعاون بين المحقّق العدلي والنيابة العامّة التمييزية شرطاً لاستكمال التحقيق فيما تجاهل هذا المعطى القانوني حين ادّعى على القاضي عويدات.
هو مسارٌ قضائيّ يَصعب توقّع حصوله، وفق مصدر مطّلع، ربطاً بموقف عبّود الشخصي وتطوّرات الملف وذهابه نحو مزيد من التعقيد حتى بعد تراجع البيطار خطوات إلى الوراء
عبّود “يُطيّر” النصاب
هكذا بعد أيّامٍ من الـ suspense القضائيّ رسا المشهد على المعطيات الآتية:
– مجلس القضاء الأعلى عاجز عن الاجتماع، وآخِرة المحاولات كانت يوم أمس حين طيّر النصاب رئيسه القاضي عبود الذي غادر قصر العدل باكراً والقاضي عفيف حكيم بعد دعوة من وزير العدل هنري الخوري إلى الالتئام لـ “رأب الصدع القضائي”، كما جاء في متن الدعوة. وقد علّق القاضي عويدات قائلاً: “أقرأ تطيير نصاب جلسة مجلس القضاء الأعلى بإيجابية “لأنو ما بدّي الحل يطلع إلا عن الرئيس الأوّل سهيل عبود”.
– ادّعاءات عالقة أقامها البيطار على سياسيين وموظّفين وأمنيّين وأربعة قضاة على رأسهم مدّعي عامّ التمييز. أمّا الجلسات المرتبطة بها فيجزم مصدر قضائي أنّها غير موجودة أصلاً بحكم أنّها صادرة عن “منتحل صفة”.
– محقّق عدلي مكفوفة يده ومدّعى عليه من مدّعي عامّ التمييز أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز وممنوع من السفر ولا يستطيع أن يخاطب حاجب في قلم النيابة العامّة التمييزية.
– عشرات دعاوى الردّ ونقل الدعوى بحقّ البيطار عالقة في الهيئة العامّة لمحكمة التمييز والتفتيش القضائي.
– دعاوى “على الطريق” من وكلاء الادّعاء عن بعض أهالي الضحايا تشمل دعوى إبطال القرارات الصادرة عن مدّعي عامّ التمييز “المُتنحّي” عن القضية، وفق هؤلاء، ودعوى إحالة عويدات إلى التفتيش القضائي ودعاوى جزائية بحقّه بتهمة “تهريب موقوفين وتجاوز حدّ السلطة والتدخّل بتحقيق جنائي.”
– هدوء الشارع بشكل كامل مقارنة بمحطّات سابقة كانت تستدعي استنفارات لأسباب أقلّ حساسية من الزلزال الذي ضرب العدليّة أخيراً.
– عودة الكرة إلى ملعب القاضي عبّود في سياق تحديد مصير تحقيقات المرفأ، ولا سيّما أنّ الفريق المضادّ للبيطار بات يتصرّف على أساس أنّ ارتكابات البيطار لم تعد قابلة للمعالجة ويجدر خوض مرحلة تعيين محقّق عدلي جديد. ثمّة من يؤكّد في هذا السياق أنّ نصائح وُجّهت إلى القاضي عبّود باعتماد مقاربة مختلفة للملفّ لأنّ احتمال رفع دعوى ضدّه بات احتمالاً قائماً بالنظر إلى “الفوضى” القضائية التي كرّسها أداء البيطار واستدعت رفعاً للسقوف من جانب مدّعي عامّ التمييز، ثمّ تراجعاً في التصعيد من قبل البيطار.
يكشف مصدر مطّلع لـ “أساس: صحيح أنّ البيطار تيقّن بأنّ مسار الملفّ قضائياً وشعبياً لم يعُد لمصلحته وفَرمَل الاستدعاءات بإيعاز من القاضي عبّود
تنسيق بين عبّود والبيطار
يكشف مصدر مطّلع لـ “أساس: “صحيح أنّ البيطار تيقّن بأنّ مسار الملفّ قضائياً وشعبياً لم يعُد لمصلحته وفَرمَل الاستدعاءات بإيعاز من القاضي عبّود، لكنّ هذا لا يعني أنّ الأمور انتهت هنا، إذ ثمّة احتمال جدّي لوجود خطّة مدروسة مرتبطة بشكل وثيق بمسألة ربط البيطار استئناف عمله والتحقيق مع المدّعى عليهم ببتّ الدعوى المقامة ضدّه من عويدات بجرم اغتصاب السلطة. وهنا قد يوجد تنسيق بين عبّود والبيطار في سلوك مسار قضائي ينتهي بصدور قرار يمنع المحاكمة عن المحقّق العدلي، وهو ما يمهّد لاستئنافه التحقيق”.
لكن ما هو المسار القانوني لدعوى مدّعي عامّ التمييز على المحقّق العدلي؟
في هذه الحال يجب أن يعيّن الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز قاضي تحقيق أعلى درجة من البيطار لاستجوابه، ثمّ يحيل قاضي التحقيق الملفّ إلى النيابة العامّة التمييزية للمطالعة وإبداء الرأي كأيّ قاضي تحقيقٍ آخر.
من ناحيتها، ستؤكّد مطالعة النيابة العامّة، في هذه الحال، ارتكابات البيطار في الملفّ. لكنّ قاضي التحقيق غير المُلزَم برأي النائب العامّ التمييزي قد يُصدر قرار منع محاكمة عن المحقّق العدلي، ثمّ يُرفَع الملفّ حكماً، لأنّها جناية، إلى هيئة خاصّة مؤلّفة من ثلاثة قضاة أعلى درجة من البيطار يعيّنهم مجلس القضاء الأعلى وليس رئيسه لتصدر القرار النهائي بعد إجراء تحقيقات جديدة أو تصدر قراراً فوريّاً بناء على معطيات الملفّ.
إقرأ أيضاً: قضاء البيطار وقدر لبنان؟
لن يكون اتّباع هذا المسار سهلاً، خصوصاً إذا لم تكن النتيجة معروفة سلفاً من قبل القاضي عبّود، وهو ما يمهّد لعودة البيطار مجدّداً إلى مكتبه.
يلفت قريبون من البيطار إلى أنّه لن يحدّد جلسات استجواب للمدّعى عليهم قبل بتّ دعوى عويدات بحقّه، وأنّ التعاون مع النيابة العامّة التمييزية في الملفّ ضروري، سواء مثّلها عويدات أو غيره.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@