بايدن صديق “القتلة” في “العالم المتحضّر”

مدة القراءة 7 د

في اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وصف بايدن هجوم الشابّ الفلسطيني المقدسيّ خيري علقم على مستوطنة النبيّ يعقوب في القدس الشرقية بأنّه “هجوم على العالم المتحضّر”. أمّا المتحدّث باسم وزارة خارجيّته فيدانت باتيل فرفض وصف الفلسطينيين بأنّهم يعيشون تحت الاحتلال بعد العدوان الإسرائيلي على جنين.

ليس ما قيل صياغات بلاغية فارغة. فواشنطن تنظر إلى إسرائيل بصفتها جزءاً من “العالم المتحضّر” وكينونة واقعية وحقيقة قائمة بكلّ مندرجاتها المتخيّلة وغير المتخيّلة. وقد جسّد ذلك كلام وزير الخارجية الأميركي الذي زار أخيراً تل أبيب، حيث قال: “العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تربطها مصالح وقيم ديمقراطية مشتركة، وجهاز قضائي يساوي بين الجميع، والحفاظ على حقوق الأقليّات، وسلطة القانون، وإعلام حرّ، والحفاظ على مجتمع مدني قويّ”.

وصف بايدن هجوم الشابّ الفلسطيني المقدسيّ خيري علقم على مستوطنة النبيّ يعقوب في القدس الشرقية بأنّه “هجوم على العالم المتحضّر”

التحضّر والقتل

لا يدرك الرئيس الأميركي أنّ الحاكم في تل أبيب يرتدي قناع حاكم متنوّر يستمدّ شرعيّته من صندوق الاقتراع، فيما تقبع الضفّة الغربية تحت احتلال عسكري إسرائيلي يديره حاكم عسكري عبر الأوامر العسكرية المباشرة، بلا وسيط ولا حسيب ولا رقيب. أمّا الحكومة الإسرائيلية فتضيف إلى أوامر الحاكم العسكري قوانين مدنيّة أشدّ مضاضة على الفلسطينيين من أحكام الاحتلال العسكري.

لا شكّ أنّ الرئيس بايدن لم يقرأ تقرير المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “بيتسيلم” الذي ورد فيه: “قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 178 فلسطينياً في الضفة والقطاع عام 2022. وبين الضحايا 42 طفلاً”. وأضاف التقرير: “يعمل النظام الإسرائيلي على ضمان عدم محاسبة أيّ شخص تسبّب بموت الفلسطينيين، سواء من الجنود أو الضبّاط”. فهل مَن قتل الفتيان والأطفال الفلسطينيين ما دون الـ17 ينتمي إلى “عالم بايدن المتحضّر”، كي يدافع عنه رئيس الدولة العظمى؟

الحفيد الفلسطيني يأخذ بثأر جدّه

نموذج قتلى جنين والقدس هو التعبير الأبرز عن معادلة العنف والعنف المضادّ في فلسطين. ونروي في هذا الإطار حادثة من هذه الدورة الجهنّمية وقعت قبل 25 سنة: في عام 1998 خرج خيري علقم (51 عاماً) من المسجد الأقصى بعدما أدّى شعائر الصلاة. ذهب إلى عمله في القدس الغربية. في شارع شموئيل هنفي هاجمه مستوطن بسكّين وقتله. وقد قُتل معه أيضاً شخصان فلسطينيان. قرّر جهاز “الشاباك” الإسرائيلي أنّ الحادثة تتعلّق بقتل على خلفيّة قومية. وحينذاك تولّى المحامي إيتمار بن غفير مهمّة الدفاع عن القاتل المتطرّف، ونجح في تخليصه من القضيّة بدون إدانته، وأُغلق الملفّ.

لكن بعد أقلّ من شهر على تسلّمه حقيبة وزارة الأمن القومي الإسرائيلي، لم يخطر ببال الوزير المتطرّف بن غفير أنّ حفيد خيري علقم الذي يحمل الاسم عينه سينفّذ عملية بعد 25 عاماً، فيقتل 7 إسرائيليين ويجرح 6 آخرين.

لا يدرك الرئيس الأميركي أنّ الحاكم في تل أبيب يرتدي قناع حاكم متنوّر يستمدّ شرعيّته من صندوق الاقتراع، فيما تقبع الضفّة الغربية تحت احتلال عسكري إسرائيلي يديره حاكم عسكري عبر الأوامر العسكرية المباشرة

كتبت صحيفة هآرتس أنّ “رسم دائرة الدم وفهم ديناميّتها لا يعنيان فهم أو تبرير العنف. لكنّ الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، عالقان في هذه الدائرة: قتل الفلسطينيين يحرّك فلسطينيين آخرين فينفّذون عمليات قتل. وقتل اليهود يحرّك نشاطات الجيش الإسرائيلي العنيفة أكثر فأكثر، فينجم عنها عدد آخر من القتلى”. وتساءلت الصحيفة الإسرائيلية: “فما بالك عندما يكون بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، والحكومة هي حكومة الثالوث الجديد؟ سنشاهد في الأيّام المقبلة المزيد من هدم البيوت وعمليات الاعتقال والعقاب الجماعي، وكذلك اليد الحرّة للقوّات على الأرض، فتتجدّد دوائر القتل وتتناسل إلى ما لا نهاية وبلا أفق”.

يمكن قراءة النتيجة أيضاً على جدران كثيرة من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفّة: “احذروا الموت الطبيعي. لا تموتوا بالرصاص”. هذه العبارات كتبها غسّان كنفاني، الذي قتلته إسرائيل في بيروت في مطلع سبعينيات القرن الماضي. ويبدو أنّ شبّاناً كثيرين في الضفّة الغربية يتّخذون هذه العبارة شعاراً لهم في حياتهم البائسة اليائسة، التي يفضّلون عليها الموت بالرصاص.

خطّة حكومة الثالوث الجديد

في حكومة الثالوث الجديد في تل أبيب أطرافٌ لها أجندات ترى في الفوضى وعدم الاستقرار في الضفة الغربية فرصة لدفع سياساتها قُدُماً. وهي تنظر إلى عملية القدس وأخواتها وبنات عمّها هديّة سماوية للمضيّ في تنفيذ مشروعها الاستعماري والإحلالي والاحتلالي الاستيطاني على قدم وساق، وخلق الظروف الملائمة لضمّ المستوطنات وغور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية.

من ضمن بنود هذا المشروع:

– إضعاف السلطة الفلسطينية ودفعها إلى التفكّك، بدلاً من تقويتها كي تكون عاملاً مسيطراً ومستقرّاً وفاعلاً ومسؤولاً في الضفّة الغربية.

– توسيع الاستيطان في المنطقة “ج”، وتشريع البؤر الاستيطانية.

– طرد الفلسطينيين من المنطقة.

– سنّ تشريعات لإعدام المقاومين.

– هدم المنازل الفلسطينية “غير القانونية” وهدم الخان الأحمر.

في حكومة الثالوث الجديد في تل أبيب أطرافٌ لها أجندات ترى في الفوضى وعدم الاستقرار في الضفة الغربية فرصة لدفع سياساتها قُدُماً

كان التعبير الأصدق عن ذلك ما كتبه الصحافي الإسرائيلي رون بن يشاي: “الكابينت الإسرائيلي لديه توجّهات وليست لديه تجربة. والمقصود بالتوجّهات القناعات والأيديولوجية. وحتى الدور الأميركي الذي يمكن التعويل عليه لتهدئة التوتّر في المنطقة، وفتح كوّة في جدار يأس الفلسطينيين، يبدو مستبعداً”.

بلينكن يرفض مقترحاً مصريّاً

تحدّثت مصادر إعلامية عن رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مقترحاً مصرياً لعقد لقاء إسرائيلي – فلسطيني برعاية أميركية – مصرية. وهدف اللقاء المرفوض أميركياً تهيئة الظروف لاستئناف مفاوضات السلام المجمّدة بين الطرفين. وتحجّج الوزير الأميركي بأنّ الوقت غير مناسب لذلك، وأنّ أولويّات إدارة بايدن هي الحرب الأوكرانية والملفّ الصيني.

وفقاً لموقع “أكسيوس” الأميركي، ضغط بلينكن على الرئيس محمود عباس من أجل القبول بتنفيذ خطة الجنرال مايكل فنزل الأمنيّة، التي تهدف إلى إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على مدينتَيْ جنين ونابلس. وتشمل الخطّة تدريب قوّة فلسطينية خاصة يتمّ نشرها في هذه المناطق لمواجهة المقاومين. لكنّ الرئيس عباس ألقى باللوم على إسرائيل، وعلى عدم وجود جهود دولية وأميركية لتفكيك الاحتلال. وقدّم الفلسطينيون تحفّظات كثيرة على مقترح بلينكن، أهمّها أنّ الخطّة لا تتضمّن أيّ مطالبات لإسرائيل من مثل منع الجيش الإسرائيلي من اقتحام المدن الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: مجزرة جنين: الدم الفلسطينيّ لتصريف الأزمات الإسرائيليّة

منع الفلسطينيّين من التظاهر

حتى التيار الليبرالي في إسرائيل لا يمكن التعويل عليه. فقد عملت الصهيونية الليبرالية على إقصاء الفلسطينيين من تظاهرات السبوت ضدّ الثالوث الجديد. فبعدما ظهرت أثناء التظاهرة الأولى بضعة أعلام فلسطينية وسط بحر من الأعلام الإسرائيلية، سارع المنظّمون الصهاينة الليبراليون إلى النأي بأنفسهم عن الحضور الفلسطيني، وعن أيّ أجندة تتعلّق بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

يقول الكاتب الإسرائيلي دافيد هيرست: “ما زالت العلاقة بين الصهيونية الليبرالية والإرهاب الصهيوني علاقة تكافليّة. يتّضح ذلك بجلاء من شهادات الرؤساء الذين تعاقبوا على جهاز الأمن الإسرائيلي (الشاباك). فعندما أمسك جهاز الأمن الداخلي بتنظيم سرّي يهودي يقوم بزرع قنابل في بيوت الفلسطينيين، تلقّى التنظيم إشادات من كلّ مكان، ثمّ بدأت مجموعات الضغط تعمل لصالحهم بعد تقديم التنظيم السرّي للمحاكمة. ثمّ أُطلق سراحهم جميعاً، وخرجوا من السجن. تمّ إطلاق سراح أعضاء المجموعة السرّية بموافقة الكنيست الذي يضمّ ليبراليين يهوداً”.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…