معرض رشيد كرامي: إرثٌ للإنسانية ملهماً للشباب اللبناني

مدة القراءة 7 د

قبل تصنيفه على لائحة التراث العالمي المعرض للخطر، سلك معرض رشيد كرامي درب العالمية مع فوز مشروع تجديد “دار نيماير للضيافة”، وهي واحدة من منشآت المعرض، بجائزة “الآغا خان” العالمية للعمارة في أيلول 2022، بالإشتراك مع خمسة مشاريع أخرى. وهي أرفع جائزة للعمارة، وقيمتها مليون دولار ستتقاسمها المشاريع الفائزة.

تشكّل هذه الدار مثالاً ساطعاً على قدرة المبادرات الخاصة في تغيير واقع المعرض ومبانيه ومنشآته. هذه الدار تقع في أحد الأركان القصيّة للمعرض، وهي عبارة عن طابق أرضي يستلهم نمط البيوت التقليدية العربية، يتوسّطه فناء مفتوح على السماء. وأصل الفكرة أنْ تكون فندقاً وصالة ضيافة لاستقبال العارضين الذين يضطرّون للمبيت. يظهر ذلك في جانبه الشرقي حيث توجد 14 غرفة، هي غرف هذا الفندق والتي لمْ تُستخدم مطلقاً، إذْ تمّ تحويله الى مستودع وتعرّض للتآكل نتيجة الرطوبة والإهمال.

في عام 2018، وقع الاختيار على أحد أجنحة الدار الخمسة عشر ليتمّ تحويله الى منصّة تصميم ومنشأة إنتاج لتعزيز صناعة الأخشاب الراسخة والرائدة في طرابلس، والتي تراجعت كثيراً. حملت هذه المبادرة اسم “منجرة”، وهي جزء من برنامج تطوير القطاع الخاص في لبنان، المموّل من الإتّحاد الأوروبي، والمنفّذ من الوكالة الفرنسية للخبرة الفنية الدولية “Expertise France” وشركاء محليّين.

اقتصر دور المعرض في عهد الجمهورية الثانية بعد الطائف على عضويّته في نادي “الميمات الطرابلسية” التاريخي، الذي يلخّص كلّ مسيرة الحرمان

وفي السنة نفسها اختير “ستوديو الشرق للهندسة المعمارية” الذي أسسه المهندسان اللبنانيان نقولا فياض وشارل كتّانة في دبي، وذلك لـ”منح الدار حياة جديدة” وفق تعبير فياض، انطلاقاً من كونه استديو تصميم مبتكر، يهدف الى إنشاء عمل فني لا هندسي جامد فحسب. وبالفعل أبدع كتّانة وفياض وفريق عملهما في تحويل عملية التجديد الى “قصة ملهمة لقدرة العمارة على الإصلاح، في وقت يشهد حدوث أزمة متشابكة حول العالم، وفي لبنان على وجه التحديد” وذلك حسب البيان الرسمي لجائزة “الآغا خان”.

 

أجمل المدن الساحلية..تعاني

ويرثي البيان مدينة طرابلس ويلامس جرحها التاريخي بقوله “دار الضيافة هذه تقع على مشارف طرابلس، وهي إحدى أقدم المدن الساحلية وأجملها، والتي اشتُهرت في يوم من الأيّام بحِرَفِها، ولكنّها تعاني في الوقت الراهن من الفقر والهجرة ونقص في الأماكن العامة”.

ويلتقي ذلك مع ما ذهب إليه المهندسان الفنّانان كتّانه وفيّاض اللذان درسا الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية ببيروت. تابع الأوّل دراسته في معهد” برات” بنيويورك حيث تخرّج بمرتبة الشرف. في حين أنّ الثاني حصل على الماجستير بامتياز من كلية الدراسات العليا للتصميم بجامعة “هارفرد”. يعرّف كتّانه عن نفسه بأنّه يمتلك نهجاً عالمياً حقيقياً للهندسة المعمارية، أمّا فيّاض فقد عرضت بعض أعماله في معرض “بينالي” الشهير في البندقية بإيطاليا.

لقد قام الإثنان بالإبقاء على اللون الرمادي الخرساني في عمليّة التجديد لأنّ “مرونة الخرسانة كمادّة وأيضاً كلون تعطي إحساساً بالخلود والتقشّف للمدينة غير المكتملة التي يقيم فيها المبنى” وفق الوصف النصّي المقدّم الى جائزة “الآغا خان”. 

عملياً يختزل معرض رشيد كرامي حال مدينة طرابلس، وتتكثّف فيه الرمزيّات. فهو تحفة معماريّة أبدع في تصميمها وتنفيذها المعمار البرازيلي العالمي أوسكار نيماير، جاعلاً منها رمزاً لعبور مدينة طرابلس نحو الحداثة، بعدما توقّف قطار تاريخها المديد على أعتاب لبنان الكبير.

والمعرض الذي وُضعت تصاميمه عام 1962، وبدأ تشييده عام 1964، هو رمز نجاح المشروع الشهابي في الخروج من قوقعة وحصريّة المركز نحو تحقيق الإنماء المتوازن الفعليّ في الأطراف. وكان في عدم اكتماله رمزيّة توقّف الشهابية وتواريها، وأيضاً بدء انهيار لبنان مع اندلاع الحرب الأهليّة.

وهو رمز التألّق السياسي للرئيس رشيد كرامي في الحقبة الشهابية، التي شهدت أبرز إنجازاته ونجاحاته. وكان في تصدّع بنيانه في السنوات الأخيرة وانهيار بعض أجزائه رمزيّة انهيار وزن طرابلس السياسي، وتراجعها نحو هامش المعادلة الوطنيّة.

ما خلا بعض نسائم الأوكسيجين المتفرّقة، اقتصر دور المعرض في عهد الجمهورية الثانية بعد الطائف على عضويّته في نادي “الميمات الطرابلسية” التاريخي، الذي يلخّص كلّ مسيرة الحرمان: مطار رينيه معوّض، مرفأ، منطقة اقتصادية، محطّة قطار، مصفاة ومنشآت النفط، ملعب طرابلس الأولمبي.

 

كأس العالم للتراث

من هنا كان السؤال المطروح: كيف يمكن أنْ يستفيد معرض رشيد كرامي من قرار “اليونيسكو”؟ هل يحصل على أموال من بعض الجهات المانحة لترميمه وحمايته؟ توجّهنا بهذين السؤالين إلى المعماري وسيم الناغي، ابن مدينة طرابلس، الذي يعمل على إنقاذ هذه التحفة المعمارية منذ سنوات، وكانت له البصمة الأبرز في تصنيف “اليونيسكو”.

“نحن نعتبر أنّ طرابلس فازت بكأس العالم للتراث المبنيّ. اليوم بات معرض رشيد كرامي إرثاً للإنسانية جمعاء يحمل قيمة عالمية استثنائية (outstanding universal value)” يقول الناغي.

أمّا عن تصنيفه ضمن التراث العالمي المعرّض للخطر، فيشير الى أنّ اللجنة التقنية المؤلّفة منه ومن المعماري جاد ثابت، نقيب المهندسين الأسبق، وبالتعاون مع سحر بعاصيري مندوبة لبنان الدائمة في “اليونيسكو”، اختاروا هذا المسار “لقد أردنا أنْ يعرف العالم كلّه أنّ هذا المعلَم إذا لم يُصَر إلى الاهتمام السريع به فسيكون مهدّداً بالتدهور التدريجي والزوال. فهو مبنيّ من الباطون المسلّح الذي لا يزيد عمره الافتراضي عن مائتي عام مرّت منها 60 عاماً بلا صيانة وفي ظلّ حروب، وزدْ عليها قربه من البحر، إذْ تبلغ المسافة الفاصلة بين موقعه والبحر حوالي 300 متر، الأمر الذي يجعله عرضة للأملاح والرطوبة التي تسرّع في تدهور حالة الباطون المسلّح”.

وبذلك يحصل على الأولويّة في الهِبات المحتملة لترميمه وتدعيمه وإطالة أمد استدامته. وينبّه الى أنّ “اليونيسكو” لا تدفع أموالاً مثلما يتداول “فهي منظّمة تراقب وترصد التراث العالمي، وتعطي هذه الشهادة. وفحواها أنّ هذا المعلَم فريد من نوعه، ونادر الوجود، ويجب الحفاظ عليه لأنّه كنز للإنسانية”.

تمويل الجهات المانحة

يشير الناغي الى أنّه ثمّة مسار تقنيّ مطلوب من الجهات المسؤولة عن المعرض، التي هي أوّلاً وزارة الاقتصاد، ثمّ الحكومة. وبالطبع مجلس إدارة المعرض الذي يواجه الكثير من المشاكل “فهو غير مكتمل، وولايته منتهية، ويعمل في أصعب الظروف، خاصّة مع شحّ الموازنات وإفلاس الدولة”. ويضيف “الجهات المانحة لا تقوم بإلقاء الأموال وتذهب، بل يجب إعداد دراسات واضحة عن واقع المباني، وتحديداً تلك التي ترزح تحت الخطر أكثر من غيرها”. ويلفت إلى إمكانية الحصول على هبات لإعداد الدراسات، ولا سيّما أنّها مكلفة في هذا النوع من العمارة.

ولتسريع عملية الإنقاذ وتجاوز بيروقراطيّة الدولة يفيد الناغي بأنّه “يمكن الحصول على هِبات عينيّة، فالقانون الخاص بالمعرض الصادر عام 2022 يتيح لمجلس إدارته قبول مثل هذه الهبات”. وهنا يأتي دور المنظّمات غير الحكومية والمبادرات الخاصّة التي يجب أنْ تكون المحرّك الأساسي لإعداد الملفّات ومتابعتها حتى تصبح عملاً على أرض الواقع.

إقرأ أيضاً: ضدّ “قوارب الموت”: طرابلسيون يعملون في أوستراليا.. أونلاين

وفي طليعتها “مؤسّسة تراث نيماير في طرابلس” التي حصلت في آب 2019 على العلم والخبر، والناغي هو أحد مؤسّسيها، وغايتها رعاية الإرث المعماري لنيماير في معرض رشيد كرامي، وحمايته والترويج له.

يختم الناغي: “الآن بدأ العمل، لأنّه إذا لم نستثمر هذا الإنجاز بشكل صحيح نكون غير مسؤولين ولا نستحقّ أنْ ننال هذه السمعة العالمية. المسؤولية اليوم باتت أكبر والظروف أصعب، ولكنْ دائماً من رحم الأزمات تولد فرص ونجاحات”.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…