استناداً إلى خطاباته المُعلَنة أمام العسكر، وتأكيداته المُتكرّرة في حضرة زوّاره، وتجنّبه، كما يُنقل عنه، مقاربة الملفّ الرئاسي داخل وخارج اليرزة، ينتظر البعض من قائد الجيش العماد جوزف عون، في سياق خطاب عسكري استثنائي يتوجّه فيه إلى ضبّاطه وعسكره أوّلاً ثمّ إلى السياسيين، قلبَ الطاولة وكَسرَ القاعدة التي حَكَمت تعاطي قادة الجيش المُتعاقبين منذ التسعينيّات حتى اليوم مع “حُلم” رئاسة الجمهورية: “عُيّنت قائداً للجيش لأكون بتصرّف المؤسّسة العسكرية وليس لأتسلّق سلّم رئاسة الجمهورية. الجيش يحتاجني في معركة وجودية يواجه فيها أصعب وأخطر مرحلة في تاريخه. لست مرشّحاً لرئاسة الجمهورية. أنا في الخندق نفسه معكم إلى آخر يوم قبل إحالتي إلى التقاعد. أنا ابن الدولة والمؤسّسات وأرفض تعديل الدستور من أجل شخص احتراماً للدستور ولقَسَمي العسكري”.
يسلّم السعوديون بأنّ “القدرة على التنفيذ هي بيد الحكومة وليست بيد رئاسة الجمهورية فقط، ولذلك خارطة الطريق متكاملة بين رئاستَيْ الجمهورية والحكومة”
عمليّاً، هذا ما لن يحصل. لا قائد الجيش بوارد هذا “الانقلاب العسكري” المُعاكِس للطبيعة السياسية، وطبعاً ليس مَن يشجّعه من داخل محيطه في اليرزة على هذا الخيار بحكم “الشهيّة” البديهية للسلطة والنفوذ. لا بل على العكس “محيط القائد” يتصرّف وكأنّ اللقمة وصلت إلى الفم بانتظار ضوء أخضر خارجي وترتيبات داخلية بسيطة تجعل من جوزف عون الرئيس الخامس للجمهورية بعد الطائف وقائد الجيش الرابع الذي يجلس على كرسيّ بعبدا.
ثمّة أمتار قليلة فاصلة بين اليرزة وبعبدا تجعل من أيّ ضابط مارونيّ لحظة دخوله الكلّيّة الحربية “مشروع قائد ورئيس” بضربة واحدة.
البخاري في اليرزة
دعّمت زيارة السفير السعودي وليد البخاري لقائد الجيش يوم أمس “جبهة” المروِّجين لجدّيّة عون خياراً رئاسياً تتقاطع عليه مصلحة الخارج والداخل.
بغضّ النظر عن مداولات السفير والجنرال وتوقيت الزيارة يجزم مصدر مطّلع لـ “أساس” أنّ “المملكة لا تزكّي مرشّحاً على حساب آخر ولا هناك فيتو على أحد. هناك برنامج عمل وإصلاحات وخطوط سياسية يُفترض أن تشكّل نقطة تلاقٍ سياسية تدفع باتّجاه تبنّي هذا البرنامج، بغضّ النظر عن الاسم، مع القدرة على تنفيذه”.
يسلّم السعوديون بأنّ “القدرة على التنفيذ هي بيد الحكومة وليست بيد رئاسة الجمهورية فقط، ولذلك خارطة الطريق متكاملة بين رئاستَيْ الجمهورية والحكومة”.
ينقل أحد عارفي السفير البخاري عنه قوله أمام زوّاره: “دَعَمنا ميشال سليمان وماذا فعل؟ لا يهمّنا حتى لو وَصَل سليمان فرنجية. المُهِمّ ما سيقوم به، وبرنامج العمل الذي سيتبنّى تنفيذه، وتماهيه مع ما تراه المملكة يصبّ في مصلحة لبنان”.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الثنائي الشيعي الذي لم يُرغِم نفسه على تبنّي ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية علناً لن يكون مرغماً بالطبع على إعطاء رأي حاسم في شأن ترشيح عون
فريق “دعم” جوزف عون
على مستوى الفريق الداعم لوصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية رُصدت أخيراً وسائل إعلام محدّدة ومجموعة من الإعلاميين و”بلوغرز” بدأوا يخوضون معركة “إيصال المُنقذ” إلى قصر بعبدا، وآخر “الترندات”: “جوزف عون يستطيع إنهاء الحالة الباسيليّة”.
في الوقائع يملك قائد الجيش options رئاسية يتقدّم فيها على كلّ مرشّحي الرئاسة، خصوصاً أنّ أداءه داخل المؤسّسة العسكرية في عزّ الأزمة المالية يمكن وصفه بالنموذجي حتى لو قابله تشكُّك من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في وجود صندوق ماليّ خاصّ تحت تصرّف قائد الجيش وَحده و”بملايين الدولارات”.
ليس أمراً تفصيليّاً أن يُنكَب العسكر والضبّاط في باقي الأجهزة الأمنية بفواتير المستشفيات فيما يتنعّم عناصر الجيش بخدمة تغطّي كلّ التكاليف الاستشفائية لهم ولأهلهم.
بوانتاج رئاسيّ
يمكن اختصار مسار المرحلة الماضية بتقدّم حظوظ قائد الجيش على كلّ المرشّحين الآخرين المُعلَنين وغير المُعلَنين حتى لو كانت الأغلبيّة الساحقة من اللبنانيين والنواب والطبقة السياسية لا تعرف برنامج قائد الجيش ولا رأيه في كلّ جوانب الأزمة الراهنة. الفيتو الأكبر على قائد الجيش هو من جبران باسيل والمرشّح الخصم سليمان فرنجية.
أمّا بوانتاج القوى النيابية الأخرى فيَمنح عون أكثر من 60 صوتاً إذا ما استُثنيت أصوات 30 نائباً من حركة أمل وحزب الله وبلوك من الأصوات يتأرجح بين النواب التغييريين والمستقلّين وأصحاب الحيثيّات السياسية والمناطقية الذين تُحسم وجهة أصواتهم بحسب الهَوى السياسي والشخصي و”نفحة الخارج”.
“الثنائيّ”: مقاومة “الجنرال”!
في هذا السياق، وبغضّ النظر عن مبادرة وليد جنبلاط الرئاسية، تُطرح علامات استفهام عن موقف الثنائي الشيعي الحقيقي من قائد الجيش واحتمال انتخابه رئيساً للجمهورية.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الثنائي الشيعي الذي لم يُرغِم نفسه على تبنّي ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية علناً لن يكون مرغماً بالطبع على إعطاء رأي حاسم في شأن ترشيح عون. لكنّ هناك هدفاً واحداً للحليفين خلاصته “مقاومة” وصول قائد الجيش إلى الرئاسة مع اختلاف الأسلوب من قبل الطرفين.
يَصف مصدر قريب من عين التينة الرئيس برّي بـ”القائد التنفيذي لانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية”. واقعٌ لن يَضعه في مواجهة سياسية مع صديقه جنبلاط ما دام الأخير قد “دسّ” اسم قائد الجيش ضمن لائحته الرئاسية المفتوحة على مزيد من الاقتراحات إرضاءً للخارج وكسراً للمراوحة الرئاسية، وهو العارف بالفيتو الباسيليّ “الأزلي” على قائد الجيش وموقف الحزب منه، وليس عن قناعة بـ “خيار العسكر”.
يجزم القريبون من الحزب: “ما دامت قيادات حزب الله تردّد مسلّمة “رئيس لا يطعن ظهر المقاومة”
برّي وتعديل الدستور
“يُفتي” الرئيس برّي اليوم بعدم إمكانية السير بخيار قائد الجيش “لأنّه يحتاج إلى تعديل دستوري”. إنّها “التَعليمة” التي حَفظها محيط عين التينة ويردّدها في الإعلام من دون إعطاء تفسير لتبنّي برّي خيار انتخاب قائد الجيش الأسبق ميشال سليمان رئيساً للجمهورية من دون تعديل دستوري إلزامي يُشرّع انتخاب موظّف فئة أولى لم يتقدّم باستقالته قبل سنتين من ترشيحه. لكن كانت آنذاك فتوى “الفراغ الرئاسي” الذي أسقطت كلّ المهل. في “حالة جوزف عون” لا تبدو عين التينة متحمّسة لاجتهاد كهذا. الأهمّ يعلم برّي أنّ “حيثيّات” أيّ تعديل دستوري غير متاحة اليوم في ظلّ تشرذم البازل النيابي.
لا تُشبِه كيمياء برّي و”الجنرال” عون تلك التي حكمت علاقة رئيس مجلس النواب بقائد الجيش السابق جان قهوجي الذي كان مرشّحه المفضّل إضافة إلى فرنجية بوجه ميشال عون.
الحزب: العلاقة جيّدة مع عون ولكن…
من جِهته، لم يُبادر حزب الله حتى اللحظة إلى مغادرة ملعب سليمان فرنجية مُراهِناً على حصول انقلاب في موقف باسيل يَجعله يختار رئيس تيار المردة حين “يُزرَك” في زاوية الاختيار بينه وبين قائد الجيش.
يجزم القريبون من الحزب: “ما دامت قيادات حزب الله تردّد مسلّمة “رئيس لا يطعن ظهر المقاومة”، فهذا يعني الالتزام بمعادلة وحيدة هي “فرنجية أو باسيل” بوصفها منظومة الأمان الوحيدة المعتمدة من قبل الحزب على الرغم من العلاقة الجيّدة التي تربطه بقائد الجيش والتي زادت وتيرة إيجابيّتها في الأسابيع الماضية من خلال أداء الجيش على الأرض في مواجهة الشارع ربطاً بالتطوّرات القضائية في تحقيقات انفجار المرفأ والتنسيق في شأن تكليف العميد منير شحادة مهامّ المدير العامّ للإدارة خلفاً للّواء مالك شمص”.
سلّم السيّد حسن نصرالله نفسُه بصعوبة وصول باسيل في الظروف الراهنة، وعلى الرغم من لازمة التوافق التي يردّدها الحزب يلتزم بـ”مهمّة” تفعيل دائرة التأييد لرئيس تيار المردة، رافضاً في المقابل الأسماء الثلاثة المقترحة من جنبلاط: عون وصلاح حنين وجهاد أزعور.
إقرأ أيضاً: باسيل يستدرج قائد الجيش إلى الانقلاب على الطائف
يؤكّد قريبون من الحزب: “لن يكون منطقيّاً انتقال الحزب من تأييد باسيل وفرنجية إلى تأمين انتخاب خصمهما اللدود على لائحة الترشيحات الرئاسية”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@