خصّص النائب جبران باسيل في خطابه الأخير رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحده من بين السياسيين برسالة إيجابية تُعاكِس مسار التوتّر المزمن في العلاقة الثنائية، تحدّث فيها عن “موقف وطني مسؤول لِمَن يرفض تخطّي المسيحيين ويُعوّل عليه لبناء حياة مشتركة ومتشاركة في الجبل”.
من دون أدنى شكّ كان باسيل يُسمِع حليفه الاستراتيجي حزب الله بأنّه استسهل تخطّي المسيحيين وسيكون الثمن سقوط ورقة تفاهم مار مخايل ونَشر التيار الوطني الحر إعلاناً لـ”استدراج عروض” من أجل عقد اتفاقات جديدة مع كلّ السياسيين، بما في ذلك مع الضاحية.
مصدر قريب من جنبلاط يقول لـ “أساس”: “هناك مصلحة تقتضي اليوم مهادنة جنبلاط لكلّ القوى المسيحية لأنّ الجبل يَبقى همّه الأوّل
فيما كان باسيل يَنعى التفاهم مع حزب الله ويُهاجم “المنظومة الفاسدة”، الذي بُنيت عقيدة العونيين لعقود على أساس أنّ جنبلاط أحد أركانها الأساسيّين، كان في المقابل يَضع مرغماً جميع أوراقه في سلّة المختارة لاعتبارات شكّلت خلاصة لقاء باسيل وجنبلاط في كليمنصو في 23 كانون الأول الماضي: تأكيد رئيس “الاشتراكي” لباسيل رفضه السير بأيّ خيار رئاسي ترفضه القوى المسيحية ذات الثقل وعلى رأسها تكتّل لبنان القوي، وحَسم مسألة رفض المختارة التصويت لسليمان فرنجية، إضافة إلى التخلّي عن ترشيح ميشال معوّض بعد 11 جلسة رئاسية كرّست انتهاء صلاحيّة ورقة نائب زغرتا.
كان الأمر كافياً لإقفال الجبهات المفتوحة مع المختارة التي سَبقها مهادنة غير مُعلنة مع “الاشتراكي” على الرغم من تبنّي جنبلاط لخيار معوّض وتغطيته لجلسات الحكومة “غير الدستورية وغير الميثاقية” بتوصيف باسيل، وصولاً إلى فَرض جنبلاط، بالتنسيق المباشر مع الرئيس نجيب ميقاتي، جدول أعمال الجلسة الثالثة لحكومة تصريف الأعمال التي ستُعقد اليوم تحت عنوان الملفّ التربوي.
لا بأس من ضمن استكمال أكسسوارات الحلف الرئاسي الهشّ بين باسيل وزعيم المختارة وَصف نائب الشوف العونيّ غسان عطالله لجنبلاط أخيراً بـ”الرجل السياسي من الطراز الأوّل”، بعدما كان الفريق الباسيليّ يعاير جنبلاط دوماً بأنّه من “مدرسة الـ fundraising” المُعادية للتدقيق الجنائي ويصفه بصِفات أخرى تُربّعه، وفق قاموس العونيين، على عرش الفاسدين والمستفيدين من “بقرة الدولة الحلوب”.
مصدر قريب من جنبلاط يقول لـ “أساس”: “هناك مصلحة تقتضي اليوم مهادنة جنبلاط لكلّ القوى المسيحية لأنّ الجبل يَبقى همّه الأوّل. رئيس “الاشتراكي” متمسّك فعليّاً بالتوافق والتسوية، وإذا أتت الأخيرة حاملة معها خيار جوزف عون فسيكون وليد جنبلاط أحد عرّابيها مسلّماً بأنّ الغطاء المسيحي سيتأمّن بهذه الحال من سمير جعجع ونواب المعارضة والمستقلّين، وبالتالي ستكون الميثاقية مؤمّنة”.
يحصل ذلك فوق جبل من تراكمات علاقة كثيراً ما اتّخذت طابع كسر العظم على الرغم من محطّات المهادنة المحدودة، وآخر تجلّيات هذه العلاقة تتويج جنبلاط عهد ميشال عون بـ “عهد الكوارث”، قائلاً “ليس لنا سوى انتظار أن يأتينا رئيس جمهورية مقبول لا يكون أداة بيد السوري والإيراني وألّا تأتينا كارثة جديدة إذا ما جُدّد لأحد من حاشيته”.
يَرصد باسيل تمدّد الدعم السياسي لعون وتسويق جنبلاط لخيار العسكر على حساب “مرشّحَيْ التمويه” صلاح حنين وجهاد أزعور لا لشيء إلّا لأنّ جنبلاط بات يقرأ حجم الدعم الغربي لقائد الجيش
هكذا قد يُبدّد إمساك جنبلاط العصا من النصف على قاعدة “لا لفرنجية نعم لقائد الجيش” آخر فرص باسيل في الوصول إلى تسوية رئاسية انتقالية قبل أن يُصبح ترشيحه للرئاسة مشروعاً جدّياً وليس مجرّد تهويل بوجه الأخصام كما يحصل الآن. فجنبلاط المتحسّس تاريخياً من وصول عسكري إلى رئاسة الجمهورية لم يعد يخفي انحيازه إلى قائد الجيش العماد جوزف عون وضغطه المتكرّر على برّي كي يضغط بدوره على حزب الله لتأمين الغطاء الطائفي والعدديّ لوصول عون إلى قصر بعبدا، لكن من ضمن سلّة خيارات مفتوحة لدى رئيس “الاشتراكي” تهدف إلى التوصّل إلى اسم مرشّح رئاسي يكون عون من ضمنها وليس أوحدها.
إذاً سنكون أمام نسخة “متطوّرة” من تعاطي المختارة مع مرشّحي اليرزة: عام 1998 قاطع مع كتلته النيابية جلسة انتخاب إميل لحود رئيساً ورفض التمديد له عام 2004، ثمّ تحت وهج 7 أيار ومن بعده اتفاق الدوحة وبمباركة من حزب الله مشى في “مهرجان” ترئيس ميشال سليمان رئيساً توافقياً عام 2008 بعدما سُحِبت ملعقة الرئاسة من فم ميشال عون.
في إطار “التنويع” الرئاسي رشّح هنري حلو في حقبة الشغور عام 2014 بعد انتهاء ولاية سليمان، ثمّ انتخب ميشال عون رئيساً عام 2016 خلافاً لرغبة حليفه الأزليّ نبيه برّي.
النسخة “الحديثة” من جنبلاط ومرشّح اليرزة تبدو مختلفة. فعمودها الأول حزب الله مع شرطين أساسيّين: لا مرشّح لصيق بحزب الله وسوريا كسليمان فرنجية مع خطّ أحمر عريض هو تجنّب المواجهة مع حزب الله، ولا مرشّح يستنسخ تجربة ميشال عون كباسيل أو من “يديره” باسيل “عن بعد”.
لا مشكلة لباسيل مع الشرطين، خصوصاً أنّ الأخير شبه مقتنع بأنّ ما أُتيح له من امتيازات و”بَلعَطة” رئاسية في عهد ميشال عون لم يعد ممكناً اليوم مهما كانت هويّة الرئيس الذي سيخلف “الجنرال”. حتى احتمال الإتيان برئيس يُدار من ميرنا الشالوحي مشروع خاسر سلفاً.
تكفي الصعوبة التي يُواجِهها رئيس التيار الوطني الحر في السيطرة على حركات التمرّد داخل فريقه النيابي ووقوفه “لِوَحده” على الجبهة، باعترافه، وفقدانه السيطرة على الفريق الوزاري المُقاطِع للحكومة، للدلالة على حراجة الوضع السياسي لباسيل، فكيف بالأحرى سيكون بإمكانه “صناعة رئيس” يُنفّذ أجندته؟
إقرأ أيضاً: جنبلاط وبرّي: أخوا الحروب والأسرار…
همّ باسيل الفعليّ إبقاء فرنجية يستقبل ويودّع في بنشعي وانتقال قائد الجيش بعد نهاية خدمته العسكرية من اليرزة إلى منزله.
يَرصد باسيل تمدّد الدعم السياسي لعون وتسويق جنبلاط لخيار العسكر على حساب نكوذج الياس سركيس، أي صلاح حنين وجهاد أزعور. لا لشيء إلّا لأنّ جنبلاط بات يقرأ ازدياد حجم الدعم الغربي لقائد الجيش فَسَبق الجميع بتكريس عون من بكركي في صدارة المُرشّحين، وفق نائب اللقاء الديمقراطي راجي السعد.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@