فرنجيّة يقوطب في بكركي على “الرماديّين”

مدة القراءة 8 د

وسط الانحدار المريع الذي بلغه لبنان وشكّل انهيار العملة ذروته، وانقسام القضاء الذي يمثّل سابقةً يراها القانونيون إطلاقاً لرصاصة الرحمة على المؤسّسة القضائية، ما زال المعنيّون بإنهاء الفراغ الرئاسي والمرشّحون يرون أنّ انتخاب رئيس للجمهورية هو الحجر الأساس في محاولة انتشال البلد من القعر الذي تحفره كلّ يوم أحقاد الصراعات والنكايات التي لا حدود لها.

إذا صحّ ذلك، على الرغم من الاعتقاد بأنّ انتخاب الرئيس لا يكفي لقلب مسار انحلال الدولة وتفعيل إعادة بنائها، فإنّ الحراك الرئاسي أخذ وتيرة عالية في الأسبوعين الماضيين، ومن هذا الحراك عودة رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية المرشّح الرئيسي المدعوم من “حزب الله” إلى تدعيم حظوظه بالمواقف التي أعلنها بعد زيارته البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أول من أمس.

إنّ الحراك على غير جبهة، من اللقاءات التي يجريها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، إلى الاتصالات التي يقوم بها رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وصولاً إلى الاجتماعات التي تعقدها القوى السيادية و”التغييريون”، سواء في معراب أو في بيت الكتائب، يتطلّب حضوراً لرئيس “المردة”، سواء أنتج جديداً يُنضجُ طبخة الرئاسة أم لا.

ما لفت في كلام فرنجية بعد زيارته البطريرك الراعي إعلانه مواقف انفتاحية جديدة، إضافة إلى تكراره أنّه يسعى إلى أن يكون مرشّحاً توافقياً

المواقف الانفتاحيّة من بكركي

ما لفت في كلام فرنجية بعد زيارته البطريرك الراعي إعلانه مواقف انفتاحية جديدة، إضافة إلى تكراره أنّه يسعى إلى أن يكون مرشّحاً توافقياً، وقوله إنّه ليس مرشّح “حزب الله”، وإنّه قادر على أن يأخذ من “حزب الله” ومن سوريا ما لا يستطيعه أيّ مرشّح آخر. وترك الباب مفتوحاً على انتخاب غيره إذا تمكّن من الحصول على الأكثرية، من دون أن يعني أنّه سيعلن دعمه له.

لم يكن لقاء فرنجية مع البطريرك الراعي غداة زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بكركي، مرتبطاً بتلك الزيارة، بقدر ما هو مرتبط على الأرجح بنتائج لقاء “حزب الله” بباسيل وما خلص إليه. بات معروفاً أنّ حوار المعاون السياسي للأمين العام لـ”الحزب” حسين الخليل ومسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا الإثنين الماضي مع رئيس “التيار الحر”، انتهى إلى تكريس الخلاف على الرئاسة، وإبقاء الخلاف مُعلّقاً بين الجانبين في ما يتّصل بحضور وزيرَيْ “الحزب” اجتماعات الحكومة التي يرفضها باسيل. وجلّ ما جرى التوصّل إليه هو وقف تبادل الحملات الإعلامية.

السؤال الذي طرح نفسه هو: هل تخلّى “حزب الله” وفرنجية عن سعيهما إلى الحصول على توافق واسع لإيصاله إلى الرئاسة الأولى حتى بات يعتبر أنّ حصوله على أكثرية النصف زائداً واحداً (65 نائباً) من أصوات البرلمان كافٍ، ما دام انعقاد الجلسة المفترضة لانتخابه يعني ضمان نصاب الثلثين (86 نائباً)؟ كان يقوم التوجّه السابق على توفير تأييد واحدة من الكتلتين المسيحيّتين الكبريَيْن: حزب “القوات اللبنانية” (وهذا متعذّر)، أو “التيار الحر”، حتى لا يُقال إنّ فرنجية سيأتي رئيساً بأصوات أكثريّتها من المسلمين. لكنّ فرنجية قال من بكركي إنّ نصاب الثلثين أو أكثر (الذي يعني حضور واحدة من الكتلتين المسيحيّتين الكبريين أو كلتيهما) يقود إلى موافقة الكتل المسيحية على النتيجة. ولذلك ينصبّ الحديث على توفير نصاب الثلثين. ولذلك أيضاً، قال فرنجية إنّه لا يمانع انتخاب غيره إذا تحقّق له النصاب، ثمّ الأكثرية المطلقة، حتى لو كان النائب ميشال معوّض.

 

فقدان الأمل من إقناع باسيل

ما قاله فرنجية من بكركي يعكس فقدان الأمل بإمكان إقناع باسيل بالانضمام إلى دعم خياره، الذي ظلّ “الحزب” يراهن عليه في الأسابيع الأخيرة على الرغم من المواقف المعلنة للأخير برفض دعم رئيس “المردة”. يدرك فرنجية أنّ الخليل وصفا كرّرا لرئيس “التيار الحر” ما سبق للسيّد حسن نصر الله أن أبلغه إيّاه من أنّ هناك مرشّحَيْن للرئاسة هما: باسيل ورئيس المردة، “وبسبب عدم إمكانية وصولك إلى الرئاسة نرى دعم سليمان لأنّه حليف وفيّ وابن عائلة سياسية عريقة، وغير ملوّث بالفساد، وقادر على فتح حوار مع القوى السياسية كافّة، وبإمكانه فتح خطوط تواصل مع الخارج إذ لا اعتراض عليه من أيّ دولة”. لكنّ ما سمعته قيادة الحزب من باسيل هو تكراره رفض مساندة ترشيح فرنجية، وإشارته إلى أنّه لا يتطابق مع ورقة الأولويّات الرئاسية التي تتضمّن المواصفات التي وضعها “التيار الحر” للرئيس المقبل، وأبرزها القاعدة التمثيلية لرئيس الجمهورية كشرط ميثاقي لحفظ دور الرئاسة على قاعدة الشراكة التامّة. وحين سأله الخليل عمّن يقترحه من أسماء بديلة، تجنّب باسيل الإجابة مشيراً إلى أنّه ليس لديه أسماء الآن، مكتفياً بالقول إنّه قد يقوم “التيار” لاحقاً بطرح أسماء تنطبق على ورقة المواصفات التي أعلنها وجال بها على الأحزاب السياسية في تشرين الأول الماضي. خلاصة ما بلغ فرنجية عن لقاء قيادة “الحزب” مع باسيل أنّ محاولتها إقناع الثاني بالأوّل لم تنجح.

هل يعني ذلك أنّ هناك إمكانية لإقناع باسيل بالمشاركة في إكمال نصاب الثلثين لانتخاب فرنجية في الدورة الثانية بأكثرية النصف زائداً واحداً، حتى لو كان معارضاً لفرنجية، وأنّ المراهنة على ذلك هي وراء تحرّك رئيس “المردة”، إذا كان البحث انتقل إلى هذا الخيار، على الرغم من القناعة التي تسود الوسط السياسي بأنّ ظروف ملء الفراغ الرئاسي لم تنضج بعد؟ لا جواب على ذلك حتى الآن.

المرشّحون الوسطيّون وقدرات فرنجيّة

إلا أنّ بعض الأوساط المتابعة للحراك المتعلّق بالرئاسة تردّ تحرّك فرنجية ولقاءه مع الراعي إلى معطيات أخرى تردّدت في الآونة الأخيرة، ومنها:

– أنّ اتصالات تجري بين البطريركية المارونية عبر بعض المقرّبين منها وبين “حزب الله” تتناول بعض الأسماء الوسطية. والمصادر التي تتحدّث عن هذه المعطيات ترجِّح أن يكون هدف زيارة فرنجية للبطريرك استدراك تلك الاتصالات. ولذلك قال إنّه ليس مرشّحاً رماديّاً. وتسأل أوساط “المردة” قبل وبعد زيارة بكركي: هل يقدر رئيس رماديّ على وضع معادلة تلائم بين التحالف مع “حزب الله” وبين العلاقة الإيجابية مع المملكة العربية السعودية؟ وتجاهر هذه الأوساط بأنّ فرنجية هو “الأقدر على أن يزور سوريا علناً ويطلب من الرئيس بشار الأسد ترسيم الحدود البرّية والبحرية وأن يضع مع الجانب السوري خطة لإعادة النازحين وأن يطرح عليه القيام بتسوية تاريخية بين البلدين، خلافاً لباسيل والرئيس السابق ميشال عون اللذين كانا يطلبان زيارة الرئيس السوري سرّاً ومن دون إعلان ذلك.

– أنّ بعض الأوساط المسيحية المحايدة تجاه المرشّحين تتحدّث عن أنّ ما دفع بفرنجية إلى هذا التحرّك هي اتصالات بالواسطة بين حزب “القوات اللبنانية” وبين “الحزب” شملت تداولاً لأسماء عدّة، في ظلّ توقّعات بأن توافق “القوات” على خيار إكمال نصاب الثلثين لانتخاب رئيس وسطي يوافق عليه “حزب الله”.

 

للخروج من ثنائيّة عون-جعجع

لكنّ العارفين بخلفيّة تحرّك رئيس “المردة” يشيرون إلى أنّ قبوله بخيار انتخاب رئيس بالنصف+1 قاده إلى إبلاغ بكركي أنّ استمرار رفض باسيل وجعجع له يكرّس تلك الثنائية المارونية بين عون وجعجع، التي تحكّمت نتيجة اتفاق قطبَيْها أو خلافهما بأوضاع المسيحيين وأوصلتهم إلى وضعية بائسة في العقدين الأخيرين. إذا كانت ستحصل مقاطعة لجلسات انتخاب الرئيس للحؤول دون نصاب الثلثين فقد جرّب المسيحيون المقاطعة عام 1992 وتسبّب ذلك بتدهور أوضاعهم وبهجرة المزيد منهم. والآن يجري الحديث عن الفدرالية كأنّ البلد لم يخرج من الحرب.

في معطيات بعض الأوساط التي تابعت زيارته لبكركي، أنّ فرنجية أبلغ الراعي أنّه حين جمع في عام 2011 الأقطاب الأربعة (الرئيس أمين الجميّل، العماد عون، سمير جعجع وفرنجية) اتّفقوا على أنّ من يتمّ انتخابه منهم يكون ممثّلاً للطائفة في الرئاسة. فلماذا ينقضون هذا التفاهم الآن ويرغب بعضهم برئيس من خارج هذه “الرباعية”؟ بهذا الكلام يعتبر فرنجية أنّ الزعماء المسيحيين ينقضون ما سبق أن توافقوا عليه. وعليه لا يمكن رفض انتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً، أي بغياب الكتل المسيحية.

إقرأ أيضاً: الراعي: صرنا شحّادين

يقود هذا الحاصل السياسي إلى سؤال: هل ترفد اتصالات يقوم بها فرنجية مع الخارج كلامه عن أنّه يريد أفضل العلاقات مع الدول العربية والسعودية، أم يتّكل فقط على المواقف التي يعلنها؟ قياديون في “المردة” أوضحوا أن لا اتصالات مباشرة، بل يتواصل أصدقاء مشتركون مع الجانبين ويشيرون إلى أن لا موقف سلبيّاً من ترشيح فرنجية. وفي هذا الوقت يترقّب بعض من مريدي رئيس “المردة” ما إذا كان الجانب السوري، الذي تجري اتصالات بعيدة من الأضواء بينه وبين الجانب السعودي، سيطرح مع المملكة موضوع الرئاسة وترشيح فرنجية؟ إلى الآن تنفي المصادر حصولها على أيّ معطيات في هذا الصدد.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

 

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…