في عام 2007 بُثَّ المسلسل الكوميدي المصري “راجل وستّ ستّات”. وقد نجح المسلسل الذي يمثّل “كوميديا الموقف” نجاحاً كبيراً، فتمّ عرض أجزائه عدّة مرّات. وفي عام 2016 أُنتِج الجزء العاشر، بعد نجاح أجزائه التسعة السابقة.
تعيش إيران مسلسلاً دمويّاً يمكن تسميته “مرشد وستّ ستّات”، تواجه فيه 6 سيّدات إيرانيّات من الداخل والخارج، من الغرب ومن السجن ومن القبر، من بنات الملالي وبنات الشعب، السلطة الحاكمة، وكلّهنّ أصبحن يمثّلن الخطر الأكبر على النظام الحاكم في إيران، وهو خطر غير مسبوق منذ 40 عاماً.
بدريّة خامنئي.. شقيقة المرشد
في عام 1979، وفيما كان آية الله الخميني يقود أسوأ ثورة في القرن الحادي والعشرين، كان هناك من يقفون ضدّ ذلك المسار، ويعملون على ألّا تنتقل البلاد من الشاه إلى الخميني، ومن الأزمة إلى الكارثة.
واحدٌ من هؤلاء كان علي مرادخاني. إنّه ليس شخصاً عاديّاً، فهو زوج السيّدة بدريّة خامنئي شقيقة الرجل الثاني في نظام الخميني، والمرشد الأعلى من بعده.
يملك المرشد الأعلى القوّة العسكرية والأمنيّة لسحق أعداد كبيرة من المعارضين، لكنّ المعارضين يمتلكون ما هو أهمّ من ذلك كلّه، يمتلكون قوّة الإرادة ومساحة الأمل
عمل صهر المرشد ضدّ المرشد حتّى عزلته في نهاية حياته، ثمّ رحيله أخيراً عن 94 عاماً. لكنّ زوجته السيّدة بدريّة خامنئي أصبحت أعلى صوتاً، وراحت تندّد بشقيقها وسياساته.
يمكن تلخيص رؤية بدريّة خامنئي في عدّة تصريحات جاءت صادمة للنظام، وهذا موجزها:
1- من المناسب أن أعلن الآن أنّني أعارض أفعال أخي، وأعبّر عن تعاطفي مع جميع الأمّهات اللائي يشعرن بالحزن بسبب جرائم النظام، منذ عهد الخميني إلى الخلافة الاستبدادية لأخي علي خامنئي.
2- قمتُ مرّاتٍ عديدة بإبلاغ صوت الناس إلى آذان أخي علي، لكنّني، وبعدما رأيتُ أنّه لا يستمع إليه ويواصل طريق الخميني في القمع والقتل، قطعت علاقتي معه.
3- النظام الإيراني لم يجلب سوى المعاناة لإيران والإيرانيين، وآمل أن أرى انتصار الشعب، وإسقاط الاستبداد الذي يحكم إيران قريباً.
4- أدعو الحرس الثوري إلى إلقاء أسلحته، والانضمام إلى الشعب قبل فوات الأوان.
فريدة مرادخاني.. رسالة إلى خالي المرشد
فريدة هي ابنة أخت المرشد، ووالدتها بدريّة خامنئي. وقد رفعت فريدة صوتها في مواجهة الخال.
دعت الحكومات الأجنبية إلى قطع العلاقات مع نظام طهران، وقالت: “أيّتها الشعوب الحرّة.. ساعدونا، وأبلغوا حكوماتكم أن تتوقّف عن دعم هذا النظام الدموي”. تمّ اعتقال فريدة، ثمّ أصدر محكمة دينية حكماً بسجنها ثلاث سنوات.
فائزة رافسنجاني.. العدوّ هنا
السيّدة فائزة رافسنجاني هي ابنة الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني، وهي قيادية في “حزب كوادر البناء” الإيراني. إذا كانت فريدة ابنة أخت المرشد تتّفق مع أخيها محمود المقيم في باريس على معارضة النظام، فإنّ فائزة رافسنجاني تخوض معركة ضدّ أخيها محسن رافسنجاني رئيس بلدية طهران والمسؤول الكبير في النظام.
لخّصت فائزة رؤيتها في كلمتين. فحين تحدّث المرشد الأعلى وقال إنّ الأعداء في الخارج هم سبب مشكلات إيران، قالت فائزة: “العدوّ هنا”، ثمّ شرحت: “لا عدوّ في الخارج، العدوّ في الداخل.. النظام يكذب حين يقول إنّ أميركا هي العدوّ”.
في موجزٍ موجِع تحدّثت فائزة رافسنجاني عن معالم المأساة الإيرانية كالتالي:
1- هروب رؤوس الأموال، بمعدّل نحو 18 مليار دولار سنوياً.
2- زيادة حجم الاختلاس من المال العامّ بنحو 300%.
3- تضاعف عدد سكّان العشوائيات، ووصولهم إلى نحو 13 مليون إيراني، أي سُدس السكّان.
4- دخول 40 مليون إيراني حيّز المحتاجين إلى المساعدات والإغاثة الفوريّة.
5- مغادرة الخبراء والعلماء والمتخصّصين البلاد، بمعدّل نحو 150 ألف خبير سنوياً، وحتى أبطال الرياضة هناك قدّم 60 منهم طلبات لجوء إلى الخارج.
6- أزمة اجتماعية كبرى تتجلّى في انتشار الجريمة وسطوة الإحباط وتضاعف حوادث القتل والانتحار.
مريم رجوي.. حان الوقت
مريم رجوي هي زعيمة منظّمة مجاهدي خلق، التي تضعها إيران على لائحة المنظّمات الإرهابية. تُعدّ مريم أشهر خصوم النظام خارج الحدود، وقد دعت الأممَ المتحدة إلى طرد إيران من أجهزتها ومنظّماتها، ولا سيما اليونيسيف. وعقب اندلاع تظاهرات 2022، قالت: “لقد حان الوقت لإسقاط النظام”.
شيرين عبادي.. من الممكن الآن
السيّدة شيرين عبادي هي محامية وقاضية إيرانية، تمّت إقالتها عام 1979 بعد الثورة الخمينية. وقد واصلت محاولاتها لإجبار النظام على الإصلاح أو المغادرة. وفي عام 2003 أصبحت أوّل سيّدة مسلمة تفوز بجائزة نوبل للسلام.
في السابق ألّفت شيرين عبادي كتابها المهمّ “إيران تستيقظ”، وأخيراً دعت حكومات العالم إلى وقف دعم نظام الملالي. وقالت: “هذه المرّة يمكن أن يسقط النظام”.
مهسا أميني.. التهديد من العالم الآخر
إنّ تظاهرات 2022 هي الأخطر على النظام منذ نشأته عام 1979، وكان السبب المباشر في اندلاعها اعتقال وقتل شابّة إيرانية كردية تدعى مهسا أميني كانت تقوم برحلة مع أخيها في مدينة طهران، حيث رأت الشرطة الدينية أنّها ترتدي “الحجاب السيّئ – باد حجاب”، فألقت القبض عليها، وبعد ثلاثة أيام شارك الآلاف في تشييعها إلى مثواها الأخير.
إقرأ أيضاً: النساء ومرشد الإعدام.. وشهرزاد ربيع إيران
إنّ مهسا أميني هي الأخطر بين السيّدات الستّ، فعلى الرغم من أنّها غادرت عالمنا إلى العالم الآخر، إلّا أنّها الأكثر إلهاماً للشعب الإيراني، والأكثر تحفيزاً للتظاهرات التي تجاوزت مئة يوم، من دون ضعف أو تراجع.
يملك المرشد الأعلى القوّة العسكرية والأمنيّة لسحق أعداد كبيرة من المعارضين، لكنّ المعارضين يمتلكون ما هو أهمّ من ذلك كلّه، يمتلكون قوّة الإرادة ومساحة الأمل.
إذا أراد المرشد الأعلى إنقاذ إيران، فعليه أن يسمع ويرى، فقد يكون نداء المعارضة بالإصلاح الآن.. هو النداء الأخير.
* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.
له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Almoslemani@