إسرائيل “تتمشرق”: انهيار القلعة من الداخل

مدة القراءة 6 د

ضربت المعارضة الإسرائيلية “السبوت” موعداً لإسقاط حكومة “الثالوث الجديد” نتانياهو وسموتريتش وبن غفير. وليست التظاهرات الحاشدة التي عمّت تل أبيب السبت الماضي، وقُدّرت بمئة ألف متظاهر وفاقت كلّ التوقّعات، إلا باكورة هذا المشهد الذي سيستمرّ أسبوعياً في كلّ يوم سبت بهدف إسقاط حكومة بنيامين نتانياهو، وسيكون العنوان الرئيسي لحركة الاحتجاج هو رفض ما تسمّيه الحكومة “إصلاح المنظومة القضائية” أو مشروع وزير العدل ياريف ليفين المطروح على الكنيست والذي يخطّط لزيادة تأثير الحكومة والكنيست على تعيين قضاة المحكمة العليا والمستشارين في المؤسّسات الحكومية، بهدف حماية رئيس الحكومة من الملاحقة القضائية.

تحاول المعارضة الإسرائيلية إبعاد الملف الفلسطيني عن كامل قوس الصراع بينها وبين حكومة “الثالوث الجديد”، وأن تحشر الصراع مع هذا الثالوث في الحقل الديمقراطي وفي مدى خطورة صعود الكاهانية إلى سدّة الحكم ومحاولتها السيطرة على مؤسّسة القضاء، فيما لم يعد اليمين وأقصى اليمين في إسرائيل يهمّهما صورة إسرائيل الدولة “الديمقراطية”، ولم يعودا يعيران اهتماماً للمجتمع الدولي، بعدما تولّدت لديهما قناعة، بعد درس الأزمة الأوكرانية، بأنّ فرض الوقائع على الأرض هو الأهمّ من أيّ مجتمع دولي.

أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية أنّ قرار نتانياهو تعيين رئيس حزب شاس المتطرّف، أرييه درعي، وزيراً للداخلية والصحّة، ينطوي على “انعدام معقوليّة”، وطلبت من نتانياهو “نقله من منصبه”

بهذا المعنى يواجه الشعب الفلسطيني طبقة كولونيالية موحّدة ونظام أبارتهايد موحّداً، يتصارع داخله علمانيون وقوميون يتعايشون تحت غطاء ديمقراطي داخلي يحافظ على التوازنات ويقدّم خارجياً نموذج الديمقراطية الإسرائيلية.

يحتدم الصراع الآن داخل المجتمع الإسرائيلي على طبيعة الدولة ونظامها السياسي، وخصوصاً أنّ “الدولة ونظامها السياسي” قد استنفدا بالكامل مقوّمات بقائهما في السنوات الأخيرة، وخير دليل على ذلك إجراء خمسة انتخابات متتالية حُسمت “بشقّ النفس” الانتخابات الأخيرة منها لصالح الثالوث الجديد.

انهيار القلعة من الداخل

تحت عنوان “إسرائيل تتمشرق”، كتب “عريب الرنتاوي” عن انهيار القلعة من داخلها معدِّداً “آيات تمشرق إسرائيل”:

– انتعاش هويّاتها الفرعية.

– احتدام الصراع فيما بينها.

– الانقسام الديني العلماني.

– زيادة حدّة الاستقطاب بين الكيانات والمكوّنات الإسرائيلية المتنافسة.

– إشكالية العلاقة بين الدين والدولة.

– وتسييس الدين وتديين السياسة.

اعتبر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك أنّ الخلاف مع حكومة نتانياهو يصل إلى “مرحلة خوض القتال عبر التظاهر في الشوارع والميادين لإسقاطها، وهذا إنذار حقيقي لأنّ الخطر محدق ووشيك وسيؤدّي إلى انهيار النظام السياسي الإسرائيلي”.

هذا التحوّل التاريخي في منظومة النظام السياسي للدولة العبرية التقطته عين الصحافي الأميركي توماس فريدمان، الذي ناشد الرئيسَ الأميركي جو بايدن التدخّلَ لمنع ما سمّاه “تحوّل إسرائيل التاريخي إلى معقل غير ليبرالي للتعصّب وساحة لصراع أهليّ رهيب”. وأضاف الكاتب أنّ “إسرائيل على أعتاب تحوّل تاريخي من ديمقراطية كاملة إلى شيء أقلّ، ومن قوّة استقرار في المنطقة إلى قوّة مزعزعة للاستقرار، وقد يكون بايدن هو الشخص الوحيد القادر حاليّاً على منع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو وائتلافه “المتطرّف” من تنفيذ التحوّل المذكور”.

وأكّد فريدمان أنّ حكومة نتانياهو “تسعى إلى تغيير جذري للوضع في الضفّة الغربية وضمّها فعليّاً، من دون الإعلان رسمياً عن ذلك، والعقبة الوحيدة أمام تنفيذه ذلك هي المحكمة العليا والمؤسّسات القانونية في إسرائيل التي تقوم حكومة نتانياهو باستهدافها حالياً”.

يواجه الشعب الفلسطيني طبقة كولونيالية موحّدة ونظام أبارتهايد موحّداً، يتصارع داخله علمانيون وقوميون يتعايشون تحت غطاء ديمقراطي داخلي يحافظ على التوازنات ويقدّم خارجياً نموذج الديمقراطية الإسرائيلية

ليس أدلّ على نيّة إسرائيل تغيير الوضع القائم في المناطق المحتلّة، من خطوة إسرائيل غير المسبوقة التي تمثّلت في منع السفير الأردني من زيارة المسجد الأقصى، على الرغم من الولاية الهاشميّة على المقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومن أنّ دخول المسجد والسماح بزيارته هما شأن الأوقاف التي تدير الحرم وليس الشرطة الإسرائيلية كما ادّعت الحكومة الإسرائيلية في تبرير منعها السفير الأردني من زيارة الحرم.

استقالات في القضاء

طالب رئيس الوزراء السابق يائير لابيد في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” بـ”إسقاط حكومة نتانياهو، وبدون ذلك لن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ليبرالية”. وكتب لابيد يقول: “لقد سيطروا على ما هو أكثر من الحكومة ومن لجنة سنّ القوانين، لقد سيطروا على الحقيقة والديمقراطية”.

في هذا الإطار، تعتزم رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا، إستر حيوت، الاستقالة من منصبها في حال تمرير خطّة إضعاف جهاز القضاء التي يقودها وزير القضاء ياريف ليفين. وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أنّ حيوت قالت لمقرّبيها في الغرف المغلقة إنّها تعتزم الاستقالة من منصبها إذا ما استكملت الحكومة خطّتها القضائية، وإذا ما صادق الكنيست على الخطة، وذلك قبل ستّة أشهر من موعد تقاعدها الرسمي.

إقرأ أيضاً: المواجهة بين يهود أميركا والحكومة الاسرائيلية؟

يواجه نتانياهو أيضاً وضعاً صعباً في أعقاب قرار المحكمة إبطال تعيين أرييه درعي وزيراً للداخلية، وإبلاغ النيابة العامّة بأنّ على رئيس الحكومة أن يصدر قرار فصله بشكل فوري، تنفيذاً لقرار المحكمة العليا، خصوصاً مع تهديدات وزير الرفاه يعقوب ميرغي بأنّه إذا لم يكن أرييه درعي في الحكومة “فلن تكون هناك حكومة”.

من بين الخيارات التي يدرسها نتانياهو، التي تُعتبر دليلاً على أنّ إسرائيل باتت “جزءاً من المشرق”، هو تعيين نجل درعي بدلاً منه في منصب وزير الداخلية. وقال درعي، في جلسة مغلقة مع مسؤولين في حركة “شاس”، إنّه “إذا أغلقوا الباب أمامنا فسندخل من النافذة، وإذا ما أغلقوا النافذة أمامنا فسوف نخترق السقف”، في إشارة إلى إمكانية تعيين نجله بدلاً عنه.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

“دوخة” نيابيّة: جلسة من دون فرنجيّة وجعجع!

“الوضع بدوّخ. المعطيات مُتضاربة ومُتغيّرة كالبورصة. ولا توافق سياسيّاً بالحدّ الأدنى حتى الآن على أيّ اسم لرئاسة الجمهورية”. هي حصيلة مختصرة للمداولات الرئاسية في الأيّام…

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…