الحزب والانهيار اللبنانيّ… والمكافأة الأميركيّة

مدة القراءة 5 د

ليس ما يدعو إلى الاعتقاد أنّ في الإمكان وضع حدّ للانهيار الكامل في لبنان، خصوصاً بعدما تبيّن أن لا وجود لمن يستطيع وقف هبوط سعر العملة الوطنيّة تجاه الدولار. ليس ما يمنع وصول قيمة الدولار إلى مئة ألف ليرة لبنانية، قريباً جدّاً، بعدما كانت قيمته 1,507 ليرات لبنانية في خريف عام 2019.

ليس ما يدفع القوّة المهيمنة على البلد إلى وقف الانهيار ما دامت هذه القوّة، أي “حزب الله”، المستفيد الأوّل من البؤس والفقر وهجرة اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين منهم. تمتلك هذه القوّة أجندة خاصّة بها لا علاقة لها بلبنان واللبنانيين ومستقبل أبنائهم. لدى الحزب أجندة إيرانيّة أعلنها غير مرّة الأمين العام للحزب حسن نصرالله الذي لم يخفِ، بالصوت والصورة، أنّ كلّ ما لدى “حزب الله”، بما في ذلك أكله وشربه ورواتب العاملين فيه، مصدره “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران.

ما الذي يمكن توقّعه من حزب ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانيّة؟ لا يمكن توقّع شيء آخر غير الإفلاس. أفلس لبنان ما دامت الجهة المسؤولة عن البلد غير مهتمّة بمصيره ورفاه أبنائه. تريده فقط أن يكون ورقة إيرانيّة في أيّ مفاوضات بين واشنطن و”الجمهوريّة الإسلاميّة”.

كان هناك في كلّ وقت أخذ وردّ بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” و”الشيطان الأكبر” الأميركي. لا يزال هذان الأخذ والردّ مستمرّين. لبنان ليس بعيداً عنهما. لا يجوز أن يغيب عن البال أنّ إيران كانت شريكاً صامتاً في الحرب الأميركية على العراق. كانت من سهّل على القوات الأميركية دخول جنوب العراق، ثمّ السير في اتّجاه بغداد. كانت إيران الطرف الوحيد الذي أيّد مجلس الحكم الانتقالي الذي تشكّل على أساس طائفي ومذهبي ومناطقي بعد سقوط النظام العراقي. كان يجب أن يسقط النظام، لكن ليس بالطريقة التي سقط بها في التاسع من نيسان 2003، على يد الأميركيّين وحدهم، بدبّاباتهم وطائراتهم وجنودهم، وبدعم ضمنيّ من إيران وتواطؤ معها.

من أغرب ما حصل في الأيّام القليلة الماضية، عودة حسن نصرالله إلى تهديد إسرائيل

رفيق الحريري الحصن العربي

كذلك لا يمكن تجاهل أنّ رفيق الحريري اغتيل قبل ثمانية عشر عاماً لأنّه جعل من لبنان حصناً عربيّاً. جعل من لبنان بلداً يؤمن به أهله ويؤمن به العرب ويؤمن به المجتمع الدولي. ولذلك ليس صدفة بعد كلّ هذه السنوات على اغتيال رفيق الحريري ألّا يعود في استطاعة أيّ عربي المجيء إلى لبنان. صار كلّ عربيّ مهدّداً في لبنان. لم يعد فيه مكان إلّا للإيراني الذي ينفّذ في غير منطقة لبنانية مشروعاً استعمارياً من منطلق مذهبي. ينفّذ هذا المشروع على حساب كلّ لبنانيّ بغضّ النظر عن الطائفة التي ينتمي إليها. لا يشبه هذا المشروع الإيراني، الذي بدأ، منذ فترة طويلة، بالتوسّع في اتجاه سوريا، سوى مشروع إسرائيل القائم على الاستيطان في القدس والضفّة الغربية وبناء مزيد من المستعمرات وربط بعضها بالبعض الآخر.

من أغرب ما حصل في الأيّام القليلة الماضية، عودة حسن نصرالله إلى تهديد إسرائيل. قال الأمين العام للحزب في خطاب حديث له موجّهاً كلامه إلى “الشيطان الأكبر”: “على الأميركيين أن يعلموا أنّه إذا دفعوا لبنان إلى الفوضى وتألّم الشعب اللبناني، فهذا يعني أنّنا لن نجلس ونتفرّج على الفوضى وسنمدّ يدنا إلى من يؤلمكم حتّى لو أدّى ذلك إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل”.

ماذا وراء مثل هذا الخطاب المفاجئ الذي جاء بعد يوم أو يومين من بدء تصدير إسرائيل النفط والغاز من حقل كاريش الذي بات يُعتبر إسرائيلياً في ضوء ترسيم الحدود البحريّة بينها وبين لبنان؟

تعرف واشنطن، قبل غيرها، أنّ ترسيم الحدود البحريّة اللبنانيّة – الإسرائيليّة لم يكن ممكناً من دون الضوء الأخضر الإيراني، أي من دون موافقة “حزب الله” الذي كان عهدُ ميشال عون، الذي سُمّي “العهد القويّ”، عهدَه. من وجهة نظر إيران، هذا العهد يجب ألّا ينتهي. من أجل ألّا ينتهي هذا العهد، كان ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل.

 

متى مكافأة الترسيم الأميركية؟

لا يزال الحزب ينتظر المكافأة الأميركيّة على قرار فرض الترسيم. ليس كلام حسن نصرالله عن “خيار الحرب مع إسرائيل” سوى تذكير للجانب الأميركي بالمكافأة. أظهرت التجارب التي شهدتها السنوات القليلة الماضية، أقلّه منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 425، أنّ المطلوب مرّة أخرى توفير انتصار للحزب على لبنان وليس على إسرائيل.

يبقى السؤال ما شكل المكافأة التي يريدها “حزب الله”؟

الجواب من شقّين:

– الشقّ الأوّل أنّ الكلام الكبير عن حرب مع إسرائيل ليس كلاماً واقعياً في ضوء ما يمكن أن تسفر عنه أيّ حرب من هذا النوع. صحيح أنّ الحزب يستطيع بفضل صواريخه الدقيقة إلحاق خسائر كبيرة بإسرائيل، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ إسرائيل بما تمتلكه من أسلحة وقدرات عسكرية متطوّرة قادرة على تدمير لبنان عن بكرة أبيه. إلى إشعار آخر، لا استعداد إيرانياً لأيّ مجازفة بمصير “حزب الله” الذي لديه أدواره المتعدّدة في المنطقة انطلاقاً من سيطرته الكاملة على لبنان.

– يتمثّل الشقّ الثاني في التعاطي مع الواقع اللبناني. لدى “حزب الله” مرشّحه لرئاسة الجمهوريّة. المرشّح هو زعيم “تيّار المردة” سليمان فرنجيّة. يريد الحزب فرض سليمان فرنجيّة على اللبنانيين. الأكيد أنّ سليمان فرنجيّة أفضل بكثير من ميشال عون أو صهره جبران باسيل، لكنّ العلّة الأساسية فيه تبقى في استعداده لمتابعة دور “العهد القويّ” الذي لم يكن سوى غطاء لـ”حزب الله” وسلاحه.

إقرأ أيضاً: اغتيال رفيق الحريري: زلزال المنطقة المستمرّ

هل يلبّي الجانب الأميركي مطلب “حزب الله” ويؤمّن له انتخاب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهورية، كما يرغب في ذلك الفرنسيون؟

في انتظار حصول “حزب الله” على المكافأة الأميركية، سيدفع اللبنانيون ثمن مزيد من الانهيار الذي تسبّب به وضع “الجمهوريّة الإسلاميّة” يدها على البلد بشكل تدريجي منذ اغتيل رفيق الحريري في شباط 2005.

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…