بعد فوزه الذي جاء أكثر من متوقَّع، ليس بفعل قوّته الذاتية والتحالفيّة، بل بفعل الهدايا الجاهلة التي تلقّاها من منافسيه، وقبل أن يفتح على نفسه وعلى ائتلافه وعلى إسرائيل باباً واسعاً تدخل منه رياح عاتية من خلال استسهاله خوض معركة القضاء، كمجازفة لإنقاذ رقبته من حبل التهم الفادحة التي ما تزال تلتفّ حول عنقه، لم يجد “الساحر الشاطر” ما يدعم به ولايته السادسة إلّا التباهي “بتطبيع أبراهام” كإنجاز تمّ في عهده وتخدير الرأي العامّ الإسرائيلي بوعد من العيار الثقيل مفاده أنّ المقبل في هذه السلسلة هو الأهمّ، أي التطبيع مع السعودية.
لم يخلُ الأمر من ترويج أدّاه ممالئوه كما لو أنّ التطبيع مع المملكة صار في جيبه، وبذلك يحقّق أهمّ ما تصبو إليه إسرائيل وما يصبو إليه شخصيّاً، أي أن يضمن لنفسه مكانة تضاهي بل وتتفوّق على مكانة من سبقوه ومن سيلحقونه.
لم يبدُ نتانياهو ساذجاً بالقدر الذي بدا عليه بعدما صرّح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، مؤكّداً الموقف السعودي الراسخ من مبدأ العلاقة مع إسرائيل، وهو الموقف الذي صاغته المملكة أساساً للمبادرة العربية للسلام ومغزاه أنّه “من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم الثابتة التي أقرّتها الشرعية الدولية فلا مجال للحديث في هذا الأمر”.
جاء الموقف السعودي الحاسم في أكثر الأوقات دقّة وأهمّية وتأثيراً على مسار القضية الفلسطينية، بسبب وجود حكومة إسرائيلية هي الأشرس والأعتى بين جميع الحكومات التي تعاقبت على الدولة العبرية منذ تأسيسه
كان النصّ السعودي واضحاً قويّاً، وضاعف من قوّته توقيته المناسب. لم يكن مجرّد رسالة للفلسطينيين الذين يعتمدون كثيراً على السعودية، وخصوصاً على الصعيد السياسي، بل رسالة أوسع وأعمق للإسرائيليين في الأساس وللعالم الذي يقيم كلّه وزناً جدّيّاً للمملكة ولقوّة تأثيرها المادّي والمعنوي، خصوصاً أنّها ذات مكانة ريادية في مجال التوازن والاعتدال، وذات مصداقية ثابتة في جميع سياساتها الإقليمية والدولية.
لقد جاء الموقف السعودي الحاسم في أكثر الأوقات دقّة وأهمّية وتأثيراً على مسار القضية الفلسطينية، بسبب وجود حكومة إسرائيلية هي الأشرس والأعتى بين جميع الحكومات التي تعاقبت على الدولة العبرية منذ تأسيسها ولا تخفي برنامجها الذي جاءت لتنفيذه، وهو تصفية أيّ إمكانية لتحقيق ولو الحدّ الأدنى من الحقوق الفلسطينية. وحين يكون المستوطنون هم أساس الائتلاف الحكومي وبيضة القبّان التي ترجّح كفّة نتانياهو وتنجز له التشريعات التي تنجّيه من المحاكمة والإدانة، فمن غير المنطقي توقُّع أيّ تراجع من جانب الحكومة عمّا اتّخذته على عاتقها، وهو التصفية النهائية.
لقد سدّد نتانياهو فاتورة اليمين الذي يتّكىء عليه. سدّدها مبكراً منذ اليوم الأوّل لفوزه، حين قال: ليس للفلسطينيين عندي سوى إدارة ذاتية للسكّان، مع تسليم من جانبهم بأن يظلّ الأمن إلى ما لا نهاية في يد إسرائيل، وكذلك السيادة والأرض.
موقف المملكة لم يُنعش فقط آمال الفلسطينيين التي تراجعت كثيراً بفعل التطوّرات السلبية، وما أكثرها على كلّ الصعد، بل وضع أيضاً ورقة قويّة وفعّالة في يد من لا يزال ينشد حلّاً متوازناً للقضية الفلسطينية، وما أكثرهم وما أشدّ احتياجهم إلى موقف كهذا.