مرّت سنتان على ولادة فكرة “مقاومة الاحتلال الإيراني”، التي كان أوّل من أطلقها النائب والوزير السابق نهاد المشنوق قبل عامين في مقابلات تلفزيونية دعا خلالها إلى “إطلاق معركة الاستقلال الثالث بالمقاومة السياسية في وجه الاحتلال الإيراني السياسي للقرار اللبناني”. ثمّ أعاد التأكيد المشنوق عليها في مؤتمر كرّم خلاله نخبة من المدافعين عن الاستقلال، بعنوان “الاستقلال الثالث”، في عيد الاستقلال في عام 2021، ودعا يومها إلى “إطلاق المواجهة عبر جبهة سياسية سلميّة تقاوم الاحتلال السياسي الإيراني لقرار الدولة اللبنانية، يكون أبناؤها هم أبناء الحياد الذي دعت إليه بكركي، وتبنّاه كلّ العقلاء والحرصاء على وطننا ودولتنا ودستورنا، وعقدنا الاجتماعي وعيشنا المشترك”.
بعدها بعام، تمّ تشكيل “المجلس الوطني لمقاومة الاحتلال الإيراني في لبنان” في العاشر من الشهر الأول من عام 2022. واختار المجتمعون يومئذٍ الوزير والنائب السابق أحمد فتفت رئيساً مؤقّتاً، بانتظار أن تتّضح الأمور في ما يتّصل بتولّي النائب السابق فارس سعيد، رئيس “لقاء سيّدة الجبل”، منصب رئيس هذا المجلس.
مرّت سنتان على ولادة فكرة “مقاومة الاحتلال الإيراني”، التي كان أوّل من أطلقها النائب والوزير السابق نهاد المشنوق قبل عامين في مقابلات تلفزيونية دعا خلالها إلى “إطلاق معركة الاستقلال الثالث بالمقاومة السياسية في وجه الاحتلال الإيراني
أمام التطوّرات التي تشهدها المنطقة، والاستنفار الإقليمي والدولي لمواجهة النفوذ والتمدّد الإيرانيَّين في الشرق الأوسط والدور المزعزع لأمن واستقرار دول هذه المنطقة، يبدو أنّ الأجواء باتت مهيّأة أمام المشنوق و”الرئيس سعيد” وفتفت ليبدأوا التفكير في توسيع نطاق ومجال عملهم ليشمل كلّاً من الساحتين السورية والعراقية، خاصة بعد الانزعاج الإيراني الواضح والكبير من الأداء السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني في الأسابيع الأخيرة ومن استخدامه مصطلح “الخليج العربي” في حفل افتتاح فعّالية دورة “خليجي 25” التي استضافتها مدينة البصرة، وهي التسمية التي تبنّاها أيضاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورأت موجة شعبية أنّ العودة إليها هي نوع من المواجهة السلمية للنفوذ والدور الإيرانيَّين والهيمنة على العراق وقراراته في مختلف المستويات.
المشنوق رئيساً؟
بات من حقّ المشنوق وسعيد أن يُطلقا حواراً إقليمياً لتشكيل جبهة عربية جديدة، وأن يطالبا بتولّي أحدهما رئاستها أو قيادتها أو أمانتها العامّة، لأنّ الأول كان له قصب السبق في الدعوة إلى مقاومة الاحتلال الإيراني انطلاقاً من لبنان، والثاني تابع العمل في الساحة المسيحية من خلال “المجلس الوطني”. وفي الخطوة الأولى نحو هذا التشكيل الإقليمي، يمكن ضمّ جبهتين اثنتين، هما العراق وسوريا، إلى جانب الجبهة اللبنانية، لأنّ هذين البلدين يعانيان من الاحتلال الإيراني وآثاره المخرّبة، والدفع باتجاه تشكيل مجلس وطني سوري لمقاومة هذا الاحتلال، وآخر عراقي بالمسمّى نفسه.
لا بدّ هنا من تأكيد محورية الدور والريادة اللبنانيَّين في التصدّي لهذا العمل وحمل هذا المشروع، ولا بدّ من الانتقال إلى إطار أوسع يحمل مسمّى “الجبهة القومية لمقاومة الاحتلال الإيراني”، ومن تحوُّل المجالس في لبنان وسورية والعراق إلى جبهات “قُطرية” وأذرع للجبهة القومية.
بات من حقّ المشنوق وسعيد أن يُطلقا حواراً إقليمياً لتشكيل جبهة عربية جديدة، وأن يطالبا بتولّي أحدهما رئاستها أو قيادتها أو أمانتها العامّة، لأنّ الأول كان له قصب السبق في الدعوة إلى مقاومة الاحتلال الإيراني انطلاقاً من لبنان
لماذا سوريا؟
أمّا لماذا الحديث عن جبهة قُطرية سورية لمواجهة الاحتلال الإيراني في ظلّ وجود فصائل المعارضة المتعدّدة والتشكيلات السياسية والعسكرية التي أنشأتها على مدى العقد الماضي مع انطلاق الانتفاضة السورية عام 2011… فهنا يمكن التوقّف عند بعدين أساسيَّين:
– الأوّل، هو فشل هذه المعارضة في تحقيق نصاب وطني جامع، وخضوعها لسياسات المحاور الإقليمية والدولية، وعدم استطاعتها إقناع الشعب السوري بقدرتها على تمثيله واحتضان مطالبه وطموحاته وتحوُّلها إلى بديل عن النظام القائم والحالي.
– الثاني، يتمثّل في أنّ الشارع الداخلي في سورية وفي المناطق التي يسيطر عليها النظام، هو الذي يملك القدرة على سحب الشرعية عن سياسات النظام ومواقفه، وأنّ أيّ حراك سلمي، إذا ما كان ممكناً، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار في مطالبه النزعة القومية والرغبة في التخلّص من كلّ المؤثّرات الخارجية التي تنتقص من السيادة الوطنية. ويمكن القول إنّ بوادر أو إرهاصات نشوء مثل هذا التيار بين السوريين قد بدأت بالظهور الخجول بين أوساط المقيمين في سورية وشرائح من السوريين المهجّرين في دول الجوار الذين ما يزالون على ولائهم للنظام. وفي حال لم تكن موجودة مثل هذه الإرهاصات، فإنّ على الجبهة القُطرية اللبنانية العمل على توفير الأرضية المشجّعة لهذه الجماعات لتبنّي هذا المشروع والبدء بالتحرّك من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو ما يجعل من الصعب على النظام التصدّي له ومواجهته وقمعه، لا بل قد يسمح لها بهامش من الحرّية في التحرّك والتعبير عن موقفها لِما في ذلك من خدمة لمصالحه، وخاصة أنّ مثل هذا الحراك سيقدّم له ورقة تسمح له بالضغط على إيران لتخفيف هيمنتها والتأسيس لمسار إنهاء وجودها الذي تقول إنّه جاء بناء على طلب رسمي من الحكومة السورية، كما حصل مع الوجود السوري في لبنان.
مكاسب الأسد والعراق
قدّم النظام السوري الكثير من البراهين والأدلّة على براغماتية عالية مارسها ويمارسها قبل الانتفاضة وخلالها وبعدها، في التعامل مع المحيط العربي والإقليمي والدولي، وسيكون قادراً على الاستفادة من هذه الجبهة بالاتّجاه الذي يريده ويضمن له مصالحه المباشرة والبعيدة المدى. وقد تساعد هذه الجبهة على مدّ الجسور أمامه للعودة إلى الحضن العربي واستعادة موقعه ودوره في المنظّمات العربية، وفي مقدَّمها الجامعة العربية.
إقرأ أيضاً: النساء ومرشد الإعدام.. وشهرزاد ربيع إيران
لن يكون الأمر على الجبهة القومية العراقية بالصعوبة والتعقيد اللذين على الجبهة السورية. فالأرضية العراقية نضجت منذ وقت طويل، وأصبحت أكثر جرأة في طرح ورفع شعار رفضها للاحتلال الإيراني. ودخلت في مواجهات شرسة وأحياناً دموية مع الفصائل الموالية لإيران. قد تكون الشريحة المؤلّفة ممّن خرجوا في انتفاضة تشرين 2019 في الوسط والجنوب العراقيَّين هي التعبير الأوضح عن هذا التوجّه، وقد وجدت في التيار الصدري ومواقف زعيمه مقتدى الصدر العمق السياسي والشعبي الداعم لها في رفضها للنفوذ الإيراني.
تعزّزت هذه الجبهة بعد الموقف الحاسم لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني من تسمية “الخليج العربي” وتمسّكه بها، والتأييد الشعبي والسياسي الواسع والداعم له في مواجهة موجة الغضب الإيراني، والإدانة السياسية الرسمية لهذا الموقف من رئيس السلطة التنفيذية.